إن مبدأ إنكار الذات، واختفاء لغة الأنا، وثبوت لغة الجمع، وصور تكامل المهمة لا تراه إلا في مؤسسة مصنع الرجال البواسل، تلك المؤسسة التي ينتسب لها كل مصري يتوافر لديه مقومات تمكنه من أن يؤدي واجبه، وأن يعي خطورة مهامه التي على إثرها يحقق ماهية الأمان، والاستقرار، والطمأنينة لشعبه في كافة ربوع وطنه؛ فالصبر، والرسوخ، والإيمان، والشرف، والصمود، والإيثار أدوات ملازمة له، ومسعى تحقيق الهدف غاية لا تراجع فيها، ولا انحراف عن مساره.
ومن يطالع عن مقربة المنهج الذي تتبناه المؤسسة العسكرية يصاب بهول مكونه، وفلسفة بنائه، وغور فكرة المكون، والمكنون؛ فترى أن تطبيق ما يتمخض عنه من برامج تستهدف إعداد منتسبي مؤسسة مصنع الرجال تقوم على سيناريوهات تتسم بالدقة، وتوصف بالمتطورة؛ فعبر تقويمها، والتي نرى منها نتاجًا بسيطًا في نقل جزء من أحداث تدريبات حية، أو استعراضية في بعض الاحتفالات القومية، تجد أن الإعداد يفوق التوقع، والتصور، بل، ويبهر الأبصار، ويثلج القلوب بطمْأنة تجد طريقها إلى نفوس المصريين.
أعتقد أن وحدة الصف، ووحدة الفكر الناتج عن سلامة المعتقد، ورسوخ المبدأ سر قوة المؤسسة العسكرية المصرية على مر التاريخ؛ فتلك المؤسسة الرائدة لم يكن لها تطلعات تتعدى حدود الوطن، ولا مطامع عبر الزمن؛ لكن هدفها الأجلّ الذي تتضافر الجهود حوله، وتتلاحم العزيمة تجاه تحقيقه إنما هو حماية الأمن القومي المصري ليس في بُعده العسكري فقط، بل في كافة أبعاده؛ فالجيش المصري سيف، وسياج، ودرع الحماية للدولة من الداخل، والخارج دون مواربةٍ، أو مزايدةٍ.
واطمئنان الشعب تجاه المؤسسة العسكرية يتأتي من خلال كونها الحصن المنيع، الذي تتحطم حوله أحلام أصحاب المآرب، وتندثر تحته غايات خبيثة، تستهدف النيل من مقدرات الوطن، سواءً أكانت مادية، أم بشرية، كما أن المنْعة تقوم على وجدانيات موحدة بين منتسبي مؤسسة الصمود، وشعبها الأصيل صاحب المواقف النبيلة الذي دومًا يؤكد على اصطفافه خلف مؤسساته الوطنية، والقيادة السياسية صاحبة الحكمة، والفكر، والحلم، والقرار الصائب.
والثقة المطلقة في صمود المؤسسة العسكرية، وقوة حصنها ينطلق من قناعتنا نحن المصريين بفحوى رسوخ العقيدة؛ ومن ثم لا تجد لهواجس الخوف، أو الرهبة من العدو مكانة في النفوس؛ لكنك تشاهد بأم عينك شجاعة، وإقدام في الميدان، وهنا أسطر شهادة لجيش خلّفه شعبٌ بمثابة جيش في الميدان، حيث إن العطاء، والبذل متناغمٌ بين منتسبي مؤسسة الصمود، وشعبها العزيز الذي لا يقبل الضيم، أو الهوان، والذي يضحي بالغالي، والنفيس من أجل تراب وطن يسكن في القلوب، ويستقر في الوجدان، ويتربع في الأفئدة.
جيشنا العظيم صاحب البطولات، ورافع راية النصر لم يسطر له التاريخ غزواً من أجل مغنم، أو مطمع؛ فالراية تتناوبها أجيال تلو الأخرى، لا تشوبها شائبة؛ حيث يكسوها مفخرة البطولات، وهنا نؤكد على أن القوة يلزمها حكمة؛ فكلاهما يرسخ ماهية البسالة، والإقدام عند المواجهة؛ حيث إن قاموس المؤسسة العظيمة، لا يتوافر في مكونه التقهقر، أو التراجع، أو الانحراف عن المسار القويم.
إن استلهام العزيمة يتأتى من شعبٍ واعٍ، يدرك ماهية دعم مؤسساته، ومساندته معنويًا، وماديًا إذا ما تطلب الأمر ذلك؛ فقد أثبتت التجارب أن انكسار، وتراخي، وانفكاك اللُّحمةُ، وتهتك النسيج المجتمعي ينتج عنه قطعًا انهيار المؤسسات، مهما امتلكت من مقدرات، وفي المقابل امتلاك الشعوب الإرادة، والعزيمة، وتماسكها، وجأش الرباط بين أطيافه، ومكونه الذي يعد مصدر قوة مؤسسات الوطن الذي يحميه، ويزود عن مقدراته، ويحقق الانتصار تلو الأخر.
لقد أدرك العالم قاطبة أن الجيش المصري يمثل شعبه، وأن شعبه هو جيش خلف مؤسسته العسكرية، وهذا التزامن الدال على التضافر، والتماسك، والوحدة المكونة من أجل دحر بعض المخططات التي دبرتها قوى الشر، وموّلتها دولٌ تحمل أجندات مغرضه؛ فقد فضحت ألسنة المغرضين ما يجوش في صدورهم، عبر إعلام كاذب، وبوابات، ومنصات رقمية، ومواقع للتواصل الاجتماعي، سريعة الانتشار تقوم عليها كتائب لنشر الشائعات على مدار الساعة.
أثق تمام الثقة أن الروح المعنوية المرتفعة لا يمتلكها الجيش المصري فقط، بل يمتلكها كل مصري، ومصرية، سواء كان كهلا، أوشابا، أوطفلا يعيش على أرض المحروسة، ويستنشق هواء الحرية المصبوغ بالعزة، والكرامة، والمسئولية؛ ومن ثم نعي تمامًا أن من ينتسب إلى هذه المؤسسة الصامدة مؤهلٌ نفسيًا لما سوف يتلقاه من خبرات إعداد تجعله قادرًا على أن يؤدي المهمة على أكمل وجه، وأن يضحي بروحه، ويبذل الدماء من أجل الوطن، وحماية أراضيه.
إن دور القدوة في المؤسسة العسكرية صاحبة المبادئ، والرؤى السديدة له أهمية بالغة في صقل الخبرات، التي تنمو يومًا تلو الآخر؛ فترى أن العطاءات لا تنضب، وأن الهمة، والعزيمة لا تضعف، وأن القوة، والإرادة لا تفتر، وأن التجرد من أجل الوطن مستدامٌ، وأن الإخلاص في قمة هرم الاتصاف القيمي، وأن النصر، أو الشهادة محفورة في القلوب، وراسخة في الأذهان، والوجدان.
ستبقى مؤسستنا العسكرية أبد الدهر مفخرة، وعزة لكل المصريين، وسيبقى تاريخها، وسجلها عامرًا ببطولات لا تنتهي، وستظل مواقفها النبيلة محفورةٌ في تاريخ الأجيال على مر الزمان، وستظل مصر قوية بجيشها، وشعبها، وتلاحم أطيافها؛ ولن يجد العدو، والمغرض طريقًا ممهدًا؛ لتحقيق مآربه في بلاد لا تخشى الوغى، وتعف عند المغْنم.. ودي ومحبتي لوطني وجيشي العظيم وقائده الأعلى وللجميع