ترامب لم يعد مجرد طرف منحاز في الصراع، بل شريك مباشر في مخططات تهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم وكذلك التاريخ أثبت أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن المخططات الظالمة مصيرها الفشل مهما بلغت قوة من يقف خلفها. المرحلة التى تعيشها المنطقة في الوقت الراهن حرجة ودقيقة تتطلب أن يكون هناك موقف عربي موحد وقوي داعم للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني ورفض مخطط التهجير للفلسطينيين لا قسري ولا وطوعي، وكذلك المجتمع الدولي والقوى العالمية ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن مطالبون باتخاذ موقف حازم وصارم من تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن تهجير الفلسطينيين والتي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية لصالح تحقيق الأحلام التوسعية لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يثبت كل يوم أنه لا يعترف إلا بمنطق القوة والانحياز المطلق لإسرائيل، دون أدنى اعتبار للحقوق الفلسطينية أو لاستقرار المنطقة، ويعتقد أن أفكاره العبثية يمكم أن تتحقق على أرض المواقع خاصة مع زعمة بأنه قطعة أرض من الأردن وقطعة أرض من مصر ملوحا بقطع المساعدات وهو التصريح الذى ، وهو التصريح الذي لم تلتفت له مصر باعتبارها معونة رمزية لا تمثل شيء يذكر تعتمد عليه مصر، رغم أن هذا التهديد يعد انتهاكا واضح للاتفاقيات الدولية وقطعة من مصر لتوطين الفلسطينيين، وكأن شعوب المنطقة مجرد قطع شطرنج يمكن تحريكها وفقًا لأهوائه.
تصريحات الرئيس الأمريكي غير المسؤولة تستهدف إشعال فتيل النيران في المنطقة، وتفشي الصراعات وتهديد الأمن القومي والاستقرار العربي والعالمي، وتعد تعديا سافرا على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحقه في إقامة دولته المستقلة، حيث يكشف ترامب كل يوم رعايته لنتنياهو المطلوب للعدالة الجنائية الدولية والمتهم في جرائم حرب وإبادة جماعية.
ولم يتردد ترامب في مهاجمة الحلفاء التقليديين لبلاده، ونعتهم بأوصاف مسيئة وغير مسبوقة في السياسة الأمريكية، وخلال فترته الأولى، قال إن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو “ضعيف وغير نزيه”.
وقبل تسلم ولايته الثانية، أطلق تصريحات عبر فيها عن إرادته بضم كامل مساحة كندا إلى أمريكا لتصبح ولاية من ولاياتها وهو ما وصفه كثيرون بالجنون.
ولم تسلم ألمانيا كذلك في فترته الرئاسية الأولى من التهجم على مستشارتها السابقة أنجيلا ميركل، كذلك تخفيض القوات الأمريكية من هناك وما تعتبره أوروبا خطرا بسبب المخاوف من روسيا لأنهم لم يدفعوا مساهمات أكثر من ميزانية الناتو.
كما أن المؤتمرات التي يعقدها ترامب مع الصحفيين في البيت الأبيض، كانت حافلة بشكل شبه دائم في فترته الرئاسية، بالمشادات، لرفضه الإجابة على أسئلة بعضهم والسخرية من البعض، كما رد على صحفية من أصول آسيوية في إحدى المرات بالهجوم على الصين، دون وجود علاقة لسؤالها بالأمر، لكنه كان يستهدف أصولها.
كما هدد ترامب زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون بما أسماه “النار والغضب”، لكنه عاد لاحقا لترتيب لقاءات تاريخية غير مسبوقة بين البلدين العدوين، والتقى معه على الحد الفاصل مع كوريا الجنوبية، ودخل أراضيه بأمتار والتقط صورا تذكارية هناك.
وخلال جائحة كورونا، كانت مواقف ترامب حافلة بالغرائب، ووصف الكثيرون طريقة تعامله مع الجائحة بالجنون، وخاصة مع اقتراحه في مؤتمر صحفي بحقن الناس بمواد معقمة من أجل محاربة الفيروس.
سباب وصف عصرنا بأنه عصر البلطجة جلى للعيان، لكن علينا أن نتذكر أن المنظومة العالمية كانت فى مأزق كبير حتى قبل وصول ترامب. على المستوى السياسى، لم تنجح الأمم المتحدة فى حل مشكلات الحرب والسلام بشكل عادل ولعقود طويلة، ولدينا من القضية الفلسطينية مثال حى. على المستوى الاقتصادى، أفرزت العولمة منافع لبعض الدول النامية، مثل الصين والهند والبرازيل، لكنها تركت معظم دول العالم النامى فريسة للفقر،
وساهمت فى زيادة غنى الدول الغنية، وتركز الثروة فى أيدى حفنة قليلة من الأفراد والشركات. ما فعله ترامب هو أنه كشف عن هذه العورات، وأظهر للجميع أهمية التعامل مع جذور هذا المأزق، وعدم قابليته للاستمرار. ماذا يمكن للعالم أن يفعله؟ يبدو لى أن البدائل المطروحة يمكن تلخيصها فى بديلين أساسيين: البديل الأول يقوم على فكرة التمسك بالقيم التي توافقت عليها الدول فى إطار الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وأهمها احترام حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير،
وتفعيل القانون الدولي، وفض المنازعات بشكل سلمى. هذا البديل لم تثبت جدواه حتى الآن، وتم توظيفه لتحقيق ما تصبوا إليه الدول القوية، والحياد عنه إذا لم يتفق مع مصالحها، ولدينا في غزو العراق مثال فج. البديل الثانى يقوم على مقاومة القوة بالقوة، وهناك إرهاصات ينبئ ببزوغ قوى مضادة، وخير مثال على ذلك مجموعة العشرين، ومجموعة السبعين، ودول البريكس. صحيح أن هذه التجمعات لم تنجح حتى الآن فى تغيير موازين القوى الدولية، لكن، من يدرى، قد يكون السلوك الترامبى سببا في دفعها للسعى بشكل حثيث فى هذا الاتجاه.
وأخيرًا، ماذا عن منطقتنا؟ ليس هناك شك فى أننا نمر بمرحلة شديدة الصعوبة، وأن خياراتنا ليست سهلة. لن أحاول الخوض فى تفاصيل هذه الخيارات، لكنى مقتنع أن عبورنا الآمن من الأزمة يتوقف على ثلاثة أمور: أولها، تكاتف دول المنطقة، لأن هذا هو السبيل الأمثل لتحقيق مصالحها مجتمعة، وثانيها، استخدام المقدرات الذاتية لدول المنطقة، وهى ليست ضئيلة، بشكل عقلانى ومحسوب، وثالثها، التماسك الداخلى، وهذا لن يحدث إلا بإشراك المواطنين بشكل فعال فى القرارات المصيرية، وفى إدارة أمورهم الحياتية. السلوك الفردى للدول، والامتناع عن استخدام مقدراتها، والتركيز على المصالح الفردية الضيقة مكلف لشعوب المنطقة كافة، وخاصة الفلسطينيين منهم.–
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا