اعتقد أن هنالك توأمة بين ماهية الحب وفلسفة الحياة، وأن الانفصال أو المباعدة بينهما بمثابة مفارقة الروح للجسد؛ فالحب يعطي لبني البشر الرغبة في الإعمار، ويدفع إلى ممارسة ما من شأنه أن يحافظ على مقدراتها من خلال رعاية موجهة ومقصودة، وهنا تتجلى معاني ودلالات الحب في أن يقدم الفرد منا على كل عمل يخدم به الآخر، بل ويفضل الغير على الذات بمقدار الإيثار الذي يكمن في الوجدان ويترجمه الفعل.
أرى أن العلاقة التكاملية بين طرفا المعادلة – الذكر والأنثى – تقوم على الحُب الذي يخلق فرصة المناخ الداعم للاستمرارية، وهنا ننظر لمقياس شدته، والذي يتباين من إنسان لآخر، وفق متغيرات داخلية وخارجية؛ فكلما تجمعت عوامل إيجابية تزيد من درجته، صارت المحبة في الأفئدة غائرة، وبات التناغم بين الأرواح فائقًا؛ ومن ثم تتقد المشاعر لتبلغ منتهاها؛ حيث التضحية والتفاني، من أجل أن يسعد كل طرف الآخر.
وأثق بأن الحُب في مكنونه يشكل سياجًا، أو شبكة من الحماية، التي تزيد من منعة الإنسان؛ فنلحظ قوة تحمله، وجأش رباطه، ومحاسن تعاملاته، ونشهد بهجة اللقاء التي لا تستطيع أن تخفيها بسمات الوجوه، وهذا باعث لا ريب لزيادة في الرضا، وإقبال على الحياة، مهما كستها المتاعب، ومهما تعالت تحدياتها، ومصاعبها، ومشاقها، ومآلاتها، ونوازلها التي لا تنتهي؛ كونها سنن كونية؛ لذا أضحى الحُب من المقومات الرئيسة لتجاوز ما أوردنا.
إن الروابط الإنسانية التي نشاهد قوتها بين أطراف عديدة، ترتكز في الأصل على مشاعر الحُب، الذي يمتلكه الجميع، رغم تفاوت مستوياته ودرجاته، سواءً على المستوى الأفقي بين الحبيبين، وعلى المستوى الرأسي بين الوالدين والأبناء، وهو ما يمثل حالة من الاتزان في العلاقات، بل ويُعد حاميًا للفرد من الوقوع في براثن الأمراض النفسية منها والبدنية؛ ففقد مشاعر الحُب يؤدي حتمًا لفقدان شهية الحياة.
واستمرارية العلاقات العاطفية مرهونة في كثير من الأحيان بإيقاظ مشاعر الحُب التي قد تخمل أو تضعف أو تذبل لمسببات زخم الحياة الضاغطة؛ فيفسر الانشغال بالتجاهل، وتقدم أولويات الحاجات المادية عن النفسية، وتتمركز المطالب حول عوز المعيشة؛ فينهمك الجميع دون استثناء في بوتقة تنصهر فيها المشاعر الإيجابية برمتها؛ فلا يتبقى منها إلا السلبية، ويتطاير جميلها في أرجاء الفضاء؛ حيث تترجم بصور قد تكون غير مرضية في نهاية المطاف.
أميل لتفسير قد يراه البعض غريبًا عن ماهية الحُب الذي أرى أنه يجمع بين طرفين قد يتضادا في سمات بعينها؛ مثل صاحب المزاج المتقلب أو الصاخب أو الإنفعالي وصاحب المزاج الهادئ؛ فنجد أن مشاعر الحُب يوجد حالة من التمازج التي تحدث في نهاية المطاف حالة من الانضباط أو التوازن، وهو ما يفسر فكرة الاحتواء رغم التباين، وهذا يؤكد فلسفة التكامل في العلاقات، وهنا لا نقلل من أهمية التقارب، أو التقابل في الأمزجة؛ لكننا نشير إلى مقبولية القاعدة وضدها في مشاعر الحُب على وجه الخصوص.
وللأزواج نؤكد أن الحُب الرومانسي له ثمار غير متناهية؛ فمن خلاله تتقد المشاعر ويستعيض الإنسان شغفه للحياة، وبواسطته تتعالى العزيمة ليقدم الفرد على تحقيق أهدافه، بل ويسعى نحو ما يطمح وما يحلم وما يتمنى بكل إرادة، ولا نغالي إذا ما همسنا في أذن الأزواج بأن الحُب من بواعث الشعور بجودة الحياة، والتي أرى أننا نستحق أن نعيشها ونحن في سعادة مستدامة رغم ما قد نمر به من مفارقات تشكل حملًا على طاقتنا التي بين جنبات النفوس.
جميل أن يكون هناك حُبٌ بين الأزواج يضاعف الميل، ويعمق الهوى، ويوطد العشق، ويزيد من فيض الدفء، ويجعل الأرواح تنسجم وتتآلف؛ فتصبح مباهج الحياة لا حدود لها، وأعتاب السعادة متوالية، ومنابع الحنان لا تنضب؛ فلا نرى آلامًا وتعاسة، أو نرصد حالات فشل تحصد نتائجه أجيال تتطلع لمستقبلها الذي تراه ملبد بالضباب؛ نتيجة لفقدان جوهر الحياة المتمثل في مشاعر الحُب.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر