تتعدد عناصر المنهج وتشمل في طياتها المحتوى التعليمي الذي يتضمن عدد من الموضوعات التعليمية التي تصاع وفقًا لفلسفة التسلسل والتكامل في قالب الكتاب المدرسي باعتباره وسيلة تعليمية تعلمية متاحة للمتعلم، وفي هذا الإطار المقنن نزعم بأن الدارس يكتسب مجموعة الخبرات التي تتضمن المعارف والمهارات والوجدانيات المشكلة للبنات أفكاره وتوجهاته وأداءاته وممارسات النوعية.
إذا ما نظرنا للمحتوى التعليمي لمناهجنا الدراسية نجد أنها تحتوي في مضامين كل موضوع على العديد النصوص المدعومة في كثير من الأحيان بالصور والرسومات والمخططات والخرائط المتنوعة ما بين مفاهيمية وذهنية وتفكيرية، وفي بعض الدروس قد تتوافر الروابط التفاعلية التي تثري صورة الخبرة المنشود اكتسابها من قبل المعلم، ناهيك عن مقدرة المعلم على صياغة الأنشطة التعليمية المبتكرة التي تسهم في تحقيق أهداف التعلم المرتقبة.
وأرى أن ما نقدمه للمتعلم من وجبات تعليمية متفردة تستهدف بناء فكره ومهارته ووجدانه تحتاج لإعادة نظر كي تحدث الأثر أو الفعالية منها، بل وتجعل الدارس ينتقل من مرحلة الاكتفاء السريع إلى شغف التعلم الذي يتزايد يومًا تلو الأخر، وهذا يمكن حدوثه إذا ما ربطنا كل خبرة من خبرات التعلم بالواقع المعاش، وهنا قد نتباين في هذا الشأن، وهذا التباين أو الاختلاف أمر محمود؛ فالبيئات التعليمية مختلفة ومقوماتها اللوجستية متباينة أيضًا.
والمأمول هنا أن نعمل على الربط الوظيفي لما نقدمه للمتعلم من متلون خبرة؛ كي يستشعر أهمية ما يتعلمه؛ ومن ثم يتعمق في غور تلك الخبرات طواعية لا إجبارًا؛ فحبه للمادة وما بها من ثراء خبراتي يجعله متشوق لنهل المزيد منها، ونرصد هذا الأمر في طلبه وإصراره على مطالعة المزيد بشأن مادة بعينها ارتأى أن له أهمية ووظيفة في حياته المعيشية أو العملية أو حتى العلمية والبحثية.
ندرك أن اتجاهات المتعلم تتشكل نحو المادة بعد فترة قصيرة من إمداده بأوجه الخبرات المستهدفة والمتضمنة بمحتوياتها التعليمية، وهنا نستطيع القول بأن الدارس إذا ما استشعر تغيرًا في معارفه ومهاراته ووجدانياته بصورة تدريجية تفي باحتياجاته التعليمية وتشبع شغفه العلمي وتساعد في قدح ذهنه ليفرز مزيد من الأفكار والأطروحات التي ترد على خاطره؛ فحينئذ يمكننا القول بأن المنهج الدراسي وتحديدًا محتوى المقرر مفيدًا ويحقق الغاية المرجوة منه.
واعتقد أن إتاحة الفرصة للمتعلم لأن يؤدي دوره في مهام الأنشطة التعليمية التي تقدم له يعد أمرًا لا غنى عنه؛ فهو لا يتعلق بما أقرته الصياغة الصحيحة للأهداف التعليمية فقط، بل يعني أننا نبني إنسان قادرًا على تحمل المسئولية، ويستطيع أن ينغمس في عمل تعاوني، ويمكنه أن يؤدي ما يوكل إليه من مهام فردية، ولديه المقدرة على تقييم منتجه، ويتطور الأمر به فيتبنى مسارًا للتحسين بغية ترقية أدائه وتمكنه من الخبرة التعليمية.
وتعديل السلوك لدى المتعلم لا يعني فقط تقويم المعوج منه فقط؛ لكن إضافة كل ما يثرى معارف الفرد وما يحسن أدائه وما يرقي من وجدانه وإحساسه؛ فإن هذا قطعًا لا ينفك عن ماهية العديل الذي ننشده على الدوام؛ ومن ثم يجب أن نربط الخبرات التعليمية التي نقدمها للمتعلم بمنظومة القيم النبيلة والأخلاق الحميدة التي نتبناها في مجتمعنا، وهذا الأمر قد يراه البعض من الصعوبة في شيء.
لكني أرى أنه أمرًا ميسورًا إذا ما استخلصنا أثناء تحليل محتوى التعلم القيم والخلق المنشود، وصممنا من المواقف ما نعرضها على المتعلم؛ ليتشرب المغزى والمعني المرتبط بها؛ ومن ثم تفي باحتياجاته الوجدانية؛ فلا يصبح الوجدان فارغًا؛ حيث نعمل دومًا على تغذيته بصورة مقصودة، وهنا تتكامل صورة بناء الإنسان؛ ليجمع بين معرفة صحيحة وممارسة قومية ووجدان نقي يمتلء باتجاهات إيجابية وميول وقيم وخلق محمود.
وأضحى الاهتمام بتوافر مهارات القرن الحادي والعشرين في محتوى المناهج الدراسية ضرورة ماسة؛ حيث نستهدف بناء إنسان يمتلك مقومات التكيف مع أي تغيير على مختلف الساحات ومشارب الحياة؛ فلا ينفر من كل ما هو جديد، ولا يهجر تنمية ذاته وخبراته، ولا يترك مساحة التحدي ويركن للاستسلام، بل ويتحمل الضغوط، ويستطيع أن يضع مخططه الآني والمستقبلي، ويتبنى من الأهداف ما يسعى لتحقيقها، وهنا نطمئن نحوه بأن يخوض معترك الحياة ويملئه الأمل والطموح والتطلع.
دعونا نتفق على أن مهارات القرن الحادي والعشرين باتت تشكل الإطار العام الذي يتطلبه سوق العمل المحلي والدولي على حد سواء؛ فما من مهنة إلا وتطلب التفرد المهاري لدى طالبيها، وهذا يجعلنا نهتم بتنمية الشعور لدى المتعلم بالمسئولية داخل وخارج البيئة التعليمية، ونؤهله لأن يواجه الصعاب والمشكلات ويفكر على إيجاد الحلول غير التقليدية، وندعم لديه الرغبة في التعامل الوظيفي مع التقنية، كما نهيئ له المجال الداعم لتنمية مهارات التفكير العليا لديه؛ ومن ثم يزداد السعي نحو الابتكار من أجل الحياة والعمل.
أأكد أننا نستطيع أن نكسب المتعلم المهارات القيادية في مستوياتها المختلفة؛ كي يتمكن من التفاوض والتواصل الفعال مع الآخرين، ويصبح لديه إصرار تجاه الوصول لنتائج يستهدفها، بل ويصنع القرارات ويتخذها؛ ومن يثق في نفسه، ويتنامى لديه الرغبة في انتهاج طرائق ومسارات الابتكار، وبهذا نبني نماذج ملهمة يقتدى بها الآخرون في الميدان التعليمي؛ فجميعنا يدرك أن سوق العمل صار يعتمد على الريادة والتنافسية دون مواربة.
يصعب أن نتجاهل ضرورة صقل المهارات التقنية لدى المتعلمين بصورة مقصودة ومخططة؛ فعبر توظيف أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي فيما نتبناه من استراتيجيات تدريس بشكل احترافي ومن خلال ما يؤديه الدارس من أدوار يوظف فيها التقنية ليعمق من خبرات ويستعين بها في أداء مهامه، وهنا نضمن الفوائد والثمرات جراء الاستخدام والتوظيف التعليمي المقنن لما يرد من مستحدثات وإفرازات التقنية المتجددة.
بثقة زائدة يمكننا أن ندرب المتعلم على حل مشكلاته العلمية والحياتية أيضًا بخطوات محددة ومحسوبة، تبدأ بتحديد المشكلة أو القضية بصورة دقيقة وفق معايير أو مؤشرات واضحة لبيئة العمل، ثم مرحلة جميع البيانات أو المعلومات المتاحة وذات الصلة بالمشكلة أو القضية التي تم تحديدها من مصادر موثوقة سواء بطريقة فردية أو بواسطة فريق العمل، يلي ذلك تحديد البدائل وتحليلها واختيار البديل الأمثل.
ونتفق فيما بيننا على أن مهارات التواصل مع الآخرين باتت ضرورة يتوقف عليها نجاح العمل وبناء الخبرات على المستويين الأفقي والرأسي؛ حيث تبادل المعلومات أو تبادل الرسائل عبر لغة الجسد، ومؤشرات التواصل الفعال تكمن في المرونة والعلاقات القويمة والعمل الجماعي في إنجاز المهام والأعمال والتوظيف التقني المبدع، وبالطبع يسهم ذلك في توطيد علاقات المودة والعطف وحب الآخرين والتعاون واحترام حقوق الغير داخل المؤسسة؛ بالإضافة لمزيد من أنماط التعلم العميق الذي ينتج أفكارًا مثمرة، تؤدي إلى مزيد من التفاعل داخل المؤسسة وخارجها.
ورغم ما تبذله المؤسسة التعليمية من جهود متوالية بشأن تطوير المناهج لتسهم في بناء إنسان يواكب التغيرات ويستطيع أن يعتلي قطار التقدم ويشارك في مسارات النهضة ومجالاتها المختلفة؛ إلا أن الرؤية تحتاج لمزيد من العمق تجاه ما أشرنا إليه؛ ومن ثم نتطلع إلى مناهج تعليمية تتصف بالمرونة، وألا يؤدي تطويرها إلى ارباك المنظومة التعليمية في مجملها.. ودي ومحبتي لوطني