قرأت – باستمتاع – البحث القيم جدا، للناقد الكبير الأستاذ الدكتور سامي سليمان ، عن العلامة الناقد الكبير الدكتور أحمد ضيف- يرحمه الله.
أهم ما ركز عليه البحث هو سمة الحداثة والتحديث والتجريب في نقد أحمد ضيف وإبداعه، حيث كتب الرواية والمسرحية، على قلة هذا الإبداع، فهو في الأساس ناقد ودارس للأدب ونقده وبلاغة العرب.
من آليات وجماليات الخطاب النقدي عند سامي سليمان، قراءته التحليلية لفكر أحمد ضيف النقدي، مقارنة بإنجاز طه حسين؛ فعلى الرغم من أن طه حسين قد ملأ الدنيا وشغل الناس، فكرا ونقدا وإبداعا، فإن أحمد ضيف قد سبق طه حسين في التنظير النقدي لقضايا الحداثة والتحديث في نقدنا العربي، وقد تجلى ذلك في مؤلفاته من مثل: مقدمة لدراسة بلاغة العرب، وبلاغة العرب في الأندلس، وكتاباته عن النثر العربي متمثلا في المقامات وألف ليلة وليلة، وغيرهما، وأثر ذلك في المجتمع، حيث كان يشغله السياق الثقافي والاجتماعي الذي أنتج الخطاب النقدي والإبداعي من خلاله.
ولعل من أهم وأجمل ما تقرأه في بحث سليمان هو فطنته إلى الممارسة التطبيقية لدى ضيف في إبداعه الروائي والمسرحي، ما يؤكد أن أحمد ضيف كان مهموما بالتأصيل النقدي والإبداعي من ناحية، ومن ناحية أخرى كان يمارس التجريب والتحديث في كتابته الإبداعية، بغية الخروج من شرنقة الغنائية والسجع، التي سيطرت على الإبداع العربي في عصوره السابقة، والتي غلفت الشعر العربي خاصة، فكان أن انصب اهتمامه على دراسة النثر العربي والقصة والرواية والمسرحية.
ومما يصب في أصالة بحث سليمان أيضا، دراسته الروافد التي كونت فكر ضيف النقدي والإبداعي، والتي كان من أهمها دراسته في فرنسا وحصوله على الدكتوراه هناك، بصحبة العميد العملاق طه حسين الذي كتب عن ضيف في كتابه وسيرته الذاتية “الأيام”.
ومن الأهمية بمكان، إشارة سليمان، بلماحية وذكاء الباحث، إلى أن ضيف عمل على دراسة الأدب وتاريخه من منظور مختلف عن الاتجاهات السائدة في دراسة تاريخ الأدب، وقتذاك، فقد أطلق على تاريخ الأدب، مصطلح ” بلاغة الأدب”، بما يعني شمولية النظرة لدراسة الأدب ونقده، لا حصره في الجانب التاريخي فحسب، من جهة، ومن جهة أخرى نظرته إلى الامتداد الزمني وتواصل السياقات في مختلف العصور، فكان أن درس “بلاغة العرب في الأندلس”، حيث ظهر التجديد في الشكل في الشعر وكذلك في الموضوعات والأغراض، بتغير السياقات الاجتماعية والثقافية والفكرية بعامة، امتدادا إلى العصر الحديث.
إن دراسة سامي سليمان دراسة قمينة بالقراءة والاهتمام من جانبنا، نحن الدارسين، حيث وضع لبنة مهمة في صرح النقد العربي، من الأهمية البناء عليها، والإضافة، خاصة أن هناك من يستحقون من أعلام نقدنا الحديث تسليط الضوء على جهودهم، من أمثال أحمد الشايب، ومصطفى ناصف، وشكري عياد، وعز الدين إسماعيل، والطاهر مكي، وجابر عصفور، وصلاح فضل، وغيرهم كثر.
