.. ظاهرة جديدة تعد من أخطر المشكلات التي تواجهها المجتمعات بشكل عام والمجتمع المصري بشكل خاص وهى ظاهرة حديثة جدا وجب التنبيه والاشارة لها، وهذا ما يميز الأعمال الدرامية الجادة التي تتصدى لمشكلات المجتمع وتنوه لها ولمخاطرها قبل فوات الأوان.
ومن هنا جاءت قوة مسلسل «منتهى الصلاحية» من قوة فكرة و مضمون العمل الذي تصدى لهذه المشكلة الخطيرة والحديثة على المجتمع والتي تعد إدماناً أخطر بكثير من إدمان المخدرات والكحول، والتي تهيئ لمجتمعات هشة ضعيفة وهى شكل من أشكال القمار، وخطورتها تأتي من كثرة اليائسين والمتعبين من طبقات المجتمع الفقيرة والوسطى والمتضررة من غلاء المعيشة وضنك الحياة، لذا وجدوا فيها منفذاً ومتنفساً لمكسب سريع وللأسف خطورتها أيضا تكمن في سهولة وجودها على الهواتف النقالة في برامج تتيح تحويل الأموال مباشرة عبر الهواتف، ما زاد من سهولة انتشارها وذلك في تطبيقات وألعاب مسلية ومشوقة مثل كرة القدم..
فكرة العمل الناضجة وغير المستهلكة على الاطلاق ولم يتطرق لها من قبل جاءت من مخرجه «تامر نادي» الذي تشارك مع كاتب السيناريو «محمد هشام عبية»، في صياغة عمل أقل ما يقال عنه أنه محترم وجاد.. وكانت فكرة اختزاله في حلقات نصف شهرية 15 حلقة فكرة صائبة جدا لعدم التطويل والمط والذي لطالما نادينا بالتغلب عليه، ولكن للحق إن اختزال البدايات وتجنب المط والتطويل بقدر ما كان صائبا إلا أنه أوقع صناع العمل في سقطات درامية مهمة أهمها الحيرة التي أوقعنا بها حتى نهاية العمل لأننا كنا نتوق لمعرفة كيف ظلم صالح «محمد فراج» وكيف تمت إدانته بتهمة هو بريء منها وزوجته وعائلته متأكدون من ذلك، كما أن التلويح بخيانة صديقه ماهر «تامر نبيل» وعلاقته الغامضة مع زوجة صالح «هبة مجدي» يجعلنا نشتبه في توريطه له في قضية البنك، وخاصة أنه كما ظهر حتى من خلال المشاهد القديمة «فلاش باك» أنه يحبها وكان معجبا بها في وقت صداقته له ويحاول دوماً التسلل لحياتها والوقوف لجانبها، ويطلب زواجها وهى لا تؤكد لنا هل هي تحب صالح أم لا وهى تنوي الزواج من ماهر وتتراجع للخوف على ابنتها، وبالفعل ردود فعلها تجاههما غير واضحة تماماً، وعيوب أخرى تعد بسيطة مقارنة بما قدمه العمل، وعزاؤه في ذلك كما قلنا عدم الاطالة، والتركيز على الفكرة والمضمون وتقديم العظة والنصيحة لمخاوف وأضرار القمار الإلكتروني بما يسمى المراهنات..
تميز العمل أيضا بقوة أداء شخصياته الذين لعبوا دوراً رئيساً في نجاح العمل وعلى رأسهم.. محمد فراج، هبة مجدي، ياسمين رئيس، تامر نبيل ومحمود الليثي وخالد سرحان والشاب حسن مالك الذي قدم شخصية «شرقاوي» ببراعة كبيرة وكان بطلاً موازياً في العمل مع فراج لفكرة ارتباطهما بالعمل والطموح والصداقة التي جمعتهما..
تميز العمل أيضا بإلقاء الضوء على مشكلات المجتمع بشرائحه العديدة وحلم الثراء السريع الذي يراود الجميع، بأن قدم نماذج حية تعيش معنا ونراها ونتعامل معها يومياً بداية من موظف البنك الذي يحاول كشف التلاعب بأموال المودعين فتلفق له تهمة ويسجن، والمعلم الذي يعمل ليل نهار في الدروس الخصوصية دون كلل حتى يوفر لعائلته عيشة كريمة، والشاب الذي يحصل على شهادة جامعية ولا يجد وظيفة لائقة ويعمل ساعياً بالبنك ويحاول تحقيق أحلامه من خلال لعب كرة القدم فيصاب وتنتهي أحلامه، والشابة التي تعمل بكل جهد لتوفير نفقات زواجها فيحتال عليها خطيبها ويأخذ مالها لنفسه وعمل مشروعاً خاصاً به مطيحا بها وبأحلامها في الاستقرار عرض الحائط، وجميعهم يلجأون للمراهنات للتغلب على مشكلاتهم المادية في محاولة للعيش الكريم في مجتمع يعاني من الغلاء وارتفاع كلفة الحياة، لذا يلجأون لأسهل الطرق للثراء السريع، وخاصة بعد أن وجدوا الملاذ الآمن في ذكاء وفطنة موظف البنك الذي سجن ويحاول بناء حياته من جديد لتعويض ما فاته وتوفير المال لابنته وزوجته حتى يستطيع العودة إلى حياتهما مرة اخرى.
وأخيراً وأهم ما ميز العمل تقديم النهاية الصادمة بالمصائب التي حلَّت بالجميع والخسائر التي تعرضوا لها مثل فقد العائلة وفقد الحب وأخيرا كان مشهد النهاية الرائع والذي تركه المخرج للمشاهد في وقوف البطل على سطح أحد المباني لنتوقع جميعا انتحاره وفقده للحياة وسواء حصل ذلك أم لا فالنتيجة واحدة وهى فقدان الحياة والأحرى قيمة الحياة، بغض النظر عن تركها، فهو أصبح إنساناً مسخاً لا يصلح لشيء وليس له حياة ولا أمل في عودة حياته وزوجته وابنته له مرة أخرى بعد المصائب التي تسبب فيها للناس ومن هنا كان العنوان الأكثر صلاحية للعمل وهو «منتهى الصلاحية».
Omarfawzi3041966@gmail.com
