دخلت لأداء صلاة الظهر في المسجد المجاور لمنزلي ، فوجدته مظلما والأنوار مطفأة ، ووجدت المصلين يتصببون عرقا والمراوح تعمل على استحياء. وبمجرد انتهاء الصلاة هرول المصلون للخروج من المسجد والغضب يعلو وجوههم ، وقال أحدهم بصوت عال :” منه لله وزير الاوقاف وكل المسئولين الذين منعوا تشغيل أجهزة التكييف بالمساجد “. وقال اخر ” الله ينتقم منهم عايزين يخربوا بيوت ربنا..كنا نجلس بعد الصلاة قليلا لذكر الله “. وقال ثالث :” المسئولين بالوزارة لا يهمهم شئ طالما جالسين في مكاتبهم المكيفة ، ومش مهم المصلين، دول ناس مبتخفش من ربنا “.
استفزني الوضع فذهبت لإمام المسجد للاستفسار ، وعلمت أن حالة الغضب تعم جميع المساجد التابعة لوزارة الاوقاف في جميع انحاء مصر والتي يبلغ عددها حوالي 198 ألف مسجد ،بعد أن تحايلت الوزارة لمنع تشغيل أجهزة التكييف بالمساجد بزعم توفير الطاقة، وأصدرت قرار عجيبا يلزم احد رواد المسجد بشراء عداد خاص بتشغيل المكيفات يعمل بنظام الكارت المدفوع مسبقا على ان يتحمل المصلين ثمن كروت شحن هذا العداد. أما عدادات المساجد فتخصص للإنارة المحدودة فقط وللمراوح ، وإذا تم ضبط مسجد بتشغيل المكيفات يعاقب الإمام بغرامة 10 الاف جنيه والنقل إلى مكان
بعيد .
وهنا نتساءل هل تم حظر المكيفات داخل مكاتب الوزير وكبار المسئولين بالوزارة أم أنها تعمل طوال اليوم وأحيانا على مدار الساعة ؟!. وتساؤل آخر لماذا تحفز الوزير وبطانته السوء لوقف دفع فواتير تشغيل مكيفات المساجد والتي لا تتجاوز بضعة ملايين من الجنيهات سنويا ؟!، بينما تغرق الوزارة في فساد يهدر على الدولة عشرات المليارات من الجنيهات ولم يتحركوا لمكافحته أو حتى الحد منه . وتشير التقارير الرسمية إلى تزايد حجم الفساد في فترة تولي الوزير مختار جمعة الوزارة في 16 يوليو 2013 ، ورغم ذلك مستمر في منصبه لمدة تقترب من 6 سنوات بالرغم من تعدد الحكومات والتعديلات الوزارية .
فقد كشف تقرير وزارة المالية، أغسطس 2015 إهدار وزير الأوقاف، للمال العام بالوزارة فيما يخص ريع الأوقاف، وحسابات صناديق النذور، وحساب اللجنة العليا للخدمات الإسلامية والاجتماعية من دور المناسبات والعيادات على مستوى الجمهورية، إضافة إلى قيام الوزارة بضم عمالة وهمية، وصرف مرتبات وأجور لهم وهم غير مدرجين بأي كشوف أو صادر لهم قرار تعيين، كما قام الوزير بصرف إثابة شهرية تتراوح بين 125% و150% لحرسه الخاص، وبدل انتقالات للحرس 307 آلاف جنيه، متجاوزًا للصرف وقيمته 107 آلاف جنيه. ورصد تقرير وحدة التحليل الإحصائي بالنيابة الإدارية وقائع الفساد في قطاع وزارة الأوقاف التي بلغت جملتها 1895 قضية، تم التحقيق فيها من قبل الجهات القضائية.
بل ان هناك مخالفات ترتكب يوميا داخل الوزارة ولم يتحرك احد لوقفها، منها اعلان الوزير عن صرف 17 ألف زي للأئمة لم يحصل عليها إلا المعارف والمحاسيب ومن يدفع الرشوة. حتى فرش المساجد لايتم صرفه الا برشوة الموظف المسئول ، وأي صيانة او ترميم لاي مسجد لا يتم الموافقة عليها من المهندس المسئول الا بعد دفع الرشوة.
وتساؤل ثالث أين دور الوزارة في تأهيل الأئمة علميا؟! فقد ابلغني اكثر من امام انهم طوال فترة خدمتهم التي تتراوح بين 10 و18 عاما لم يشاركوا الا في دورة تأهيلية واحدة. بل انهم يشكون من التضييق عليهم في أداء دورهم بعد ان أمر الوزير بـ “تأميم خطبة الجمعة ” واجبارهم على تلاوة خطب مملة ومكررة اصبحت مثال سخرية المصلين . ويشكون من تكليف الوزارة لهم باشياء ليست من صميم عملهم مثل جمع صكوك وجلود الاضاحي .
وأين دور الوزارة في تأمين معيشة كريمة للائمة ؟ حتى لا يضطر بعضهم للعمل في مطعم او سائق توك توك.
الموضوعية تدفعنا للاعتراف بأن هناك إسراف كبير في تشغيل المكيفيات في كل المساجد ولكن الحل ليس بالمنع تماما، بل العقل يقول بالتقنين بمعنى ان يتم تشغيل المكيفات خلال الصلوات بمعدل نصف ساعة لكل صلاة على أن تمتد ساعة بعد العشاء لصلاة التراويح بمعدل 3 ساعات ونصف طوال اليوم. ومن الأفضل استثناء رمضان بتشغيل عدد ساعات اطول لرغبة كثير من الناس في الجلوس بالمساجد لقراءة القرآن الكريم .
ونحذر الوزير وحاشيته من عواقب تخريب بيوت الله ، فقد سألت أحد كبار العلماء العاملين فيما يحدث للمساجد والمضايقات والاهمال التي يتعرض له الأئمة فقال أخشى ان تنطبق عليهم الآية 114 من سورة البقرة التي قال الله سبحانه وتعالى فيها: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ).
Aboalaa_n@yahoo.com