مقدمة :- بطلة قصتي تظن أنها روح من عالم الأرواح تبحث عن توأمها الروحي فقدته بعد حياة دامت الاف السنين بينهم و إذا بعالم الأجساد يغطي شفافية الأرواح بأجساد معتمه وتفقد الأرواح الذاكره وتفترق و تنسى ماضيها الا “روح” بطلتنا هنا تظل يقظه واعيه تتعذب لانها فقدت توأمها الروحي “ريحان”. تُرى هل ستعثر عليه و هي تلهث باحثه متردده كل التردد أن تتخلل من تلك العينان .
ذهبت إلى صديقتي الطبيبة النفسيه فكم يروق لي الحضور معها جلساتها النفسية من باب التأمل و ليرق قلبي فزيارة هذه الاماكن تذيب الشوائب و تطهر القلوب و يحل الرضى على نعمة الصحه و ما ان صافحتها و جدتني وجهاً لوجه أمام هذه الاسطوره الغريبه فالمريضه فتاه جميله شاحبه الوجه تُدعى “روح” نطقت فأوقفتنى من جلستي بكت بحرقه و هي تهذي و في توسل قالت :” أعيدوني كما كنت روحا” و في نوبه من البكاء و التوسل كانت تسأل أين “ريحان” ؟ فأعطتها صديقتي الطبيبه بعض المهديء و أقتربت منها فأمسكت يدى كأنها تحتمي من هواجسها مرددة ” انا روح من عالم الارواح ابحث عن توأمي ريحان” و ما ان نطقت تلك العباره حتى استسلمت لنوم عميق و كانت لكلمتها وقع غريب على مشاعري و توجهت لصديقتي أسألها فأشارت بعينيها إلى المكتب المجاور للفتاه و كان على المكتب بعض الأوراق فسألتها: ” ما هذا؟” اجابت هى : ” دونت قصتها عشرات المرات و كلما مزقنا الورق أعادت كتابته من جديد “.
أستأذنت صديقتي فى قراءة ما كتبت لعلي أتعرف على ما بداخلها و امسكت الورق في حنو متمنية ان اكون سببا في حل اللغز و أعيد هذة الزهره إلى نضارتها و ما أن أختليت بنفسي أخذت أتصفح ما هز كياني بشده فكتبت تقول :” أنا روح من عالم الارواح أبحث عن توأمي ” ريحان”. عشنا معاً الاف السنين و إذا بعالم الاجساد يغطي الارواح و يفقدها الذاكره الا روحي انا. “ريحان” أتذكر ؟…. انسيت ؟….اذن تعالى أذكرك . كنا روحين على شكل كرات من الرزاز بلون الدخان كسائر الارواح وتتعارف على بعضها البعض باختلاف الاصوات.
و كان لكل روح عبير مميز كاختلاف البصمات في عهدنا هذا. و في عالم الارواح لا نعرف الا التسامح و الحب و كل روح تؤثر باقي الارواح على نفسها نتعبد نطير هنا و هناك نمرح لا نعرف الشر و لا الحقد و لا الحسد فان هذه الخصال البغيضه لا تأتي الا مع الاجساد. و كنت و “ريحان” نتأمل الطبيعه و سحرها نكره النوم حتى لا نفترق . و كان يقول لي “ريحان” : لا تذهبي بعيدا حتى لا نتوه عن بعض و أضحك قائله “لن يحدث ابداً”.
و في اليوم التالي تحول ضحكي بكاء عندما كنت أمرح و أعدو امام “ريحان” و حين نظرت خلفي فلم أجده و ظللت وقتاً غير قصير أرتجف و أنا اطير هنا و هناك و حين أشتد بي التعب وجدته خلفي يضحك و يسخر من ضعفي و قال لى وقتها : ” لكي تكفي عن السباق ” و سرعان ما ضحكنا. فروحانا لا تعرف الا البسمه و التسامح و المرح و بث الاطمئنان في كل من حولنا من الارواح و مرت الاف السنين ونحن على هذه الحاله. في عالم الارواح لا شيخوخه بل شباب متدفق . هكذا عالم الأرواح و كنا لا نعرف عن كلمه الجسد الا انه سيأتي يوم و نُسجن جميعاً داخل أشياء تسمى أجسادا و كان منا من يصدق و منا من يزعم انها خرافه و منا من لا يستوعب هذا .
ولكن أنا و “ريحان” ماذا قلنا في هذا الموضوع. أََتذكر؟ تعالى أعيد عليك ما دار يومها. قلت لي تعالي أحدثك في شئ هام و ارتجفتُ من طريقة كلامه فاكمل حديثه بان الارواح تؤكد باننا سندخل عالم الاجساد بعد زمن غير بعيد. فأجبت بسخريه ” أجساد؟! أتصدق تللك الأكذوبه يا ريحان”.و لكنه اكد لي أن بعد زمن غير بعيد ستأتي سفن كبيرة محمله بالاجساد . و مزحنا وقتها و سألته ما شكل هذه الاجساد يا “ريحان”؟ فأجاب :” أنها مثل الكوتش و المطاط فشعرت حينذاك بأعياء شديد أحان الفراق ساموت حتماً داخل هذا الجسد. فطمئننى “ريحان” شارحا لي في حنو فكره هذه الأجساد و كيف سيرى بعضنا البعض من خلال نوافذ تسمى الابصار نطل من خلالها على الخارج فنرى كل شئ .
ولم نبال وقتها و ذهبنا هنا و هناك و لما حل بنا التعب و غلبنا النعاس أوينا إلى شجره كبيره تحفها زهور الياسمين . و أستيقظنا في صباح اليوم التالي على ضجيج الارواح تجري و تهرول في اتجاه مراكب ضخمه وقفت على قرب من مبنى كبير و شعرت وقتها بالفزع وحاول “ريحان” أن يخفف من فزعي و لكني أبدا لم أطمئن و ارتجفت وسط الأرواح المتزاحمه و غاب عني “ريحان” لحظات و عاد مبتسماً محاولاً أن يبث بداخلي السكينه قائلاً ” المسأله ابسط مما تتصورين ، فكل روح تذهب إلى المركب تختار الجسد الذي يعجبها و يتلاءم مع صفاتها و سنظل داخل هذه الأجساد مده قد تصل مائه عام “و زاد ارتجافي أنا افارقك يا توأمي مائه عام لا اقوى على هذا فاجاب “ريحان” من قال هذا؟! ، كل ما في الامر ان نختار معا الاجساد التي تروق لنا و نحن معا حتى لا نتوه عن أشكالنا الجديده ثم ابتسم ريحان قائلا ” حذاري ان تختاري جسداً قبيحاً ” و ضحكت من تعبيراته و كان هذا آخر عهدي بالضحك و الابتسام فذهبت مع الارواح الرقيقه و هن يتهافتن على الاجساد الجميله في مرح ووضعت يدى على جسد كان ملقى في أرض المركبه فحملته في شفقه و تذكرت أن “ريحان” بالخارج ينتظرني فارتديت الجسد سريعا و نظرت من نافذة البصر و لم اتحقق من ملامحي كان فكري معلقا بالخارج حيث ينتظرني “ريحان” و خرجت أحملق في كل من حولي مؤكده لنفسي بان “ريحان” حتما سيعرفني و لكن لم يقترب مني أحد . فتحول صمتي همسا أنادي ” ريحان …. ريحان….” ثم تحول همسي صراخا ” ريحاااااااااااااااان …… ريحاااااااااااااااان….”
وتلفت حولي هنا و هناك فلم أجده و بمرور الوقت تحول ندائي توسل ثم يأس و مرت الأعوام فأصبح يأسي إستسلاماً و مر عشرون عاما هي عمري أقضيها بين الشرود و البحث فكل الارواح فقدت الذاكره الإ أنا و استسلمت ” فعشق الروح أزلي و عشق الجسد فاني”.
انتهت سطور “روح” فأسلمتني إلى الحيره و حال لساني يقول “لا حول و لا قوة الا بالله . ما الضغوط الظالمة القاهرة التى وقعت عليها فأسلمتها الى كل هذا الخيال هربا من الواقع المؤلم”و شعرت برغبة عارمة في مد يد العون لها حتى تُعافى من هذة الهواجس فأنا أحب الذين يغوصون في أعماق المعذبين باحثين عن موضع الالم فيضمدوا الجروح. وتأملت “روح” و هي نائمه فشعرت بانها تزداد شحوبا فدوت بداخلي صرخة مدوية في وجه من يدهسون يقهرون يظلمون غير عابئين و لو بنظره للخلف على نتائج أعمالهم فسعادة الظالم بالغنائم المشوبة بالظلم لا تساوي تعاسة المظلوم بكل المقاييس . فماذا عن الحشره التي تلبس ثوب الصداقه و ماذا عن الولي الذي يستولى على ثروة طائلة و يترك صاحبة الثروة تتسول و ماذا عن الذي يسرق النجاحات و ينسبها لنفسه متجاهلا مجهود الآخرين حارمهم من رحيق سهر الليالي. ماذا و الف لماذا لكل أنواع الظلم.
ووجدت نفسي أردد “يا قوم عودوا إلى الله الحى الرزاق و ارضوا بالقسمه فرضاكم خير الأخلاق”. و أفقت من أفكاري و تأملت الفتاة الشاحبه شديده الرقه و الضعف و أخذت من صديقتى وعد أن تمنحني فرصه لاكون عامل مساعد في علاج “روح” فرحبت . و حاولتُ أن اغتنم كل فرصه لاتردد عليها و أكون لها صديقه و من خلال هذا أنزل مع روح لعالم الخيال و لأصعد بها إلى الواقع فشهور و أنا أعرض عليها صور مختلفة للامومة و كيف ان الام تحتضن أطفالها و كيف أن الخير هو الغالب وكيف يتعاون الطيبون من أهل الخير لمواجهه كوارث الاخرين و شيئا فشيئاً أفهمتها بان هناك أجساد أصفى من الارواح شفافة و نقية مصفاة بطاعة الله لا تخطو الا للخير و لا تنظر الا في أتجاه يرضي الله عز و جل ووضعت يدي فوق رأسها اتمتم بآيات من القرأن فأشرق بعض النور في وجهها و تشبثت بيدي تحتمي من هواجسها في البحث عن شئ لم تجده في الحاضر فبحثت عنه في الماضي السحيق و بينما نحن على هذا الوضع كان قسم الطوارئ يستقبل حالة تحتاج نقل دم من فصيلة نادره فاذا بدكتور “عابد” يحضر من مكتبة مهرولا يكشف عن ذراعة مؤكدا أنه نفس الفصيله المطلوبه . وكانت فرصتي لتشاهد “روح” كيف أن هناك أناسا يبذلون دماءهم من أجل الأخرين و أن الخير موجود ليوم الدين .
ولكنها بدت أكثر اضطراباً و شروداً و هي تحدق في وجه الطبيب هامسه ” ريحان …. ريحان….” . فهزت كياني بشده و سألتني في هدوء لم أعهده فيها: ” من هذا” فأجبتها بحماس : ” هذا دكتور عابد ” و لم أكمل الحديث لانها غابت في شرود من جديد و في اليوم التالي أدهشني دكتور “عابد” بسؤاله : ” أنت تترددين كثيراً على المريضة “روح” . لذا أرجو أن تحدثيني عنها ” . فسردت عليه قصتها المحيره فتلون وجهه و كان واقفاً فجلس و كأنه أصابه شئ من الدوار و طلب مني أن أمهد له موعدا مع أسرتها و مرت أيام و بينما أنا جالسه في حديقة المستشفى وجدتها كأنها تبدلت تماما مشرقه فرحه قدمت لي دعوة الفرح و ضغطت على يدي في حنو قائله : ” وجدته ، وجدت ريحان”