جاء شاب يستعد لإتمام نصف دينه بالزواج ليقابل والد خطيبته ليخبره بأن هناك أشياء تنقصه لإتمام فرش عش الزوجية ، وإنه مضطر للإقتراض من البنك ، وكان الرفض هو الجواب القاطع. وعندما بدت علامات القلق على وجه الشاب ، ابتسم والد العروس وقال له :” كيف تبدأ حياتك الزوجية وأنت مثقل بالديون .. خذ الشبكة التي اشتريتها ، واستكمل بثمنها ما ينقصك .. واحرص أن تبدأ مع زوجتك حياة بسيطة ، ثم تستكملا معا كل ما تريدانه”. لم يصدق الشاب الكلام إلا بعد ان وجد الشبكة التي قدمها بين يديه، فظهر الفرح على وجهه ، وأتم الزفاف ويعيش حاليا في سعادة مع زوجته رغم بساطة شقته.
أما والد العروس فهو رجل يحمل كل صفات الرجولة لأنه فهم حقيقة الزواج وأن جوهره السكن والرحمة والمودة بين الزوجين ، ورفض كل المظاهر والبهرجة الكاذبة والمكلفة التي إبتدعها البعض وللأسف شاعت وإنتشرت بين غالبية الناس . وأخبثها بدعة ” زفة العفش” والتي تتم في موكب من السيارات تستعرض على ظهرها عفش العروس مصحوبة بأصوات (الدي جي ) المزعجة . وبسبب هذا الاستعراض غير العقلاني ( الفشخرة الكدابة) يتسابق الناس في شراء ما يلزم للزواج وما لا يلزم .
الغريب أن هذا التصرف الحكيم من جانب الرجل قوبل برفض واستهجان غالبية من حوله ، وقال له أحدهم :” حتعمل ايه لو خد فلوس الشبكة وهرب ولم يتم الزواج “. وجاء رد والد العروس أكثر حكمة قائلا :” لو مشي يبقى ميستهلش يناسبني ، وربنا أنقذنا منه “، أنه رد الرجل المؤمن الواثق في خالقه سبحانه وتعالى .
تشير الإحصائيات أن الحد الأدنى لتكاليف الزواج حاليا تبلغ 200 ألف جنيه غير المسكن، وأن الديون تثقل كاهل غالبية الأسر لعدة سنوات. فارتفاع تكلفة الزواج بالاضافة الى البطالة وغلاء المساكن أدى الى ارتفاع معدل العنوسة في مصر الى درجات مخيفة بلغت حوالي 40%. وتشير إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عام 2017، إلى إرتفاع عدد العنوسة فى مصر لتبلغ 13٫5 مليون ممن تخطت أعمارهم 30 عاماً، منهم 2٫5 مليون شاب و11 مليون فتاة.
وأضرار العنوسة كثيرة فهي تؤدي تدمير الشباب وانتشار اشباع الرغبات بالطرق غير الشرعية وساعد على ذلك ما يسمى مواقع التواصل ( التفكك) الإجتماعي . وتكشف الإحصاءات ارتفاع نسبة الإقبال على مشاهدة الأفلام الإباحية عالميا إما عن طريق الإنترنيت أو الهاتف الجوال أو على القنوات الفضائية حيث يوجد 4.2 مليون موقع إباحي على الإنترنت ، وسجل موقع واحد 5.5 مليار زيارة عام 2016. وهي تجارة مربحة ماديا حيث يقدر دخل المواقع الإباحية حوالي 97 مليار دولار سنويا.
والأخطر ان العنوسة تهدد الأمن القومي المصري لأنها تدمر الأسرة التي تعد الخلية الأولى لبناء المجتمع. مما يستلزم التدخل الحكومي للعمل على تيسير الزواج بتوفير فرص عمل وسكن مناسب ، وتكثيف حملات التوعية للحد من تكاليف الزواج . والتعجيل بوقف المواقع الاباحية على الانترنت خاصة بعد أن جاءت مصر ضمن قائمة أكثر 10 دول في العالم، مشاهدة للأفلام الإباحية.
وأرى أنه وسط الأجواء الصعبة التي نعيشها حاليا ، تظهر لنا على ايدى المصريين البسطاء، بشارات تكشف لنا أصالة شعب مصر ومدى إخلاصهم لوطنهم حتى وهم في قلب المعاناة ، وتبشر في الوقت نفسه بقرب انفراج الأزمة . وكلنا أمل ان تنتشر بيننا حكمة هذا الرجل، ونعود الى البساطة في الزواج وفي كل شئون حياتنا.