أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية الدور العظيم للدين في بناء الانسان شريطة الفهم الصحيح المتكامل بالمنهج المستقيم الذي يقوِّم النفس ويبرز ويقوي فطرة الخير. والميل الي الحق. ونشود العدل.
بالأديان قامت الحضارات كما قال المفكر الأمريكي “صمويل هننتجتون” في كتابه “صراع الحضارات”.. “إن الحضارات تدور حول الأديان. فالنقطة المركزية في كل حضارة هي الدين السائد فيها”.
الدين هو الذي يربي في الإنسان ضميره الحي ذلك الضمير هو أقوي وأهم من القوانين كما يقول كثير من الفلاسفة. هو الذي يجعله صادقا في السر والعلانية. لأنه يعلم أن الرقيب هو الله الذي أبدع خلقه فهو سميع وبصير وعليم به ومحاسبه.
ولأن العبودية لله سبحانه وتعالي هي قمة الحرية لأنها تربي في الإنسان عدم الخوف من أي إنسان آخر أو القبول بالذل والصبر علي الخنوع والتعايش مع الدنية والدونية!!
إنما العبودية الحقة والصحيحة هي التي تقوم علي التوحيد الخالص لله.. أليس هو المحيي والمميت. والرازق. والقوي المتين؟
بهذا اليقين الكامل المتكامل في نفس الإنسان تكمن حريته ويسطع نورها في وجدانه وعلي سلوكه وسماته.
هذه العبودية الخالصة لله ـ فحسب ـ “وليس أنا عبدالمأمور!!” يكون إشعاع فضيلة الإحسان الذي قال عنه الرسول عليه الصلاة والسلام عندما سئل: “ما الإحسان؟ فقال: أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك”.
هنا يتربي الضمير الحي الذي يتسق قوله مع فعله وتتحقق جوانب الإحسان المتعددة و الكثيرة في بناء قيم الحق. والحرية. والعدالة الاجتماعية. وقتل الأثرة في النفوس بل إبراز فضيلة الإيثار “ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”.
الدين يربي النفس. ويهذبها. يسمو بها ويرقيها قولا. وفعلا. ومظهرا. وجوهرا. وظاهرا. وباطنا. وصدقا مع النفس ومع الناس. يجعلها نفسا مطمئنة بذكر الله ـ في السر والعلن. والقول. والفعل “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”.
الدين هو أهم الدفاعات النفسية للانسان في مواجهة مشكلات الحياة كما يقول علماء الصحة النفسية.
منذ القديم انتبه المصريون الي أهمية وقيمة الدين في بناء حياتهم وكان وقود النار المشتعلة في مقاومة الظلم الاجتماعي وسحق الطغاة في الداخل. ومحق الغزاة من الخارج.
كما يقول المفكر الدكتور جمال حمدان في كتابه “شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان ـ المجلد الرابع عن خصائص الشخصية المصرية: “أما التدين فسمة مصرية أصيلة وقديمة قدم الأديان.. ولعلها هي التي منحت المصري قوة داخلية ومقاومة خارجية وصلابة غير عادلة ضد الكثير من الأخطار والمحن والمآسي التي تعرض لها عبر التاريخ سياسية كانت أو اجتماعية. خارجية أو داخلية. من استعمار الغزاة أو قهر الطغاة”.
ولأن الدين قول وفعل معا يجعل الانسان مرتكزا عليه في بناء قيمه الحياتية. و نجد من فطنة الإمام علي بن أبي طالب الذى أخذ يأمر وينصح مالك الأشتر عندما ولاه حكم مصر يرسم له منهج قيادة وسياسة المصريين وعلاقة الحاكم بالناس يسوسهم بالرحمة والعدل. لا فرق بين المسلمين وغير المسلمين في ولايته عليهم هو منهج قويم لكل حاكم في كل عصر وحين قائلا له: “وأشعر قلبك بالرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم. فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين. أو نظير لك في الخلق. يفرط منهم الزلل. وتعرض لهم العلل. ويؤتي علي أيديهم في العمد والخطأ فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه”..
ندعو الله أن نحيا بقيم الدين البناءة للانسان بالحق والحرية والعدل.