” إن التناقضات العربية سياج أمن يحمي إسرائيل” ، تلك مقولة وزير الحرب الاسرائيلي الراحل موشيه ديان الذي قادها إلى تحقيق أسرع وأهم نصر في تاريخ الكيان الاسرائيلي في يونيو 1967. واللعب على التناقضات بين الدول العربية وبعضها البعض ، أو التناقضات داخل الدول نفسها والسعي لتعميقها ، هي نظرية أمنية وضع أسسها ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل بقوله :” قوتنا ليست في سلاحنا النووي بل في تدمير وتفتيت ثلاث دول كبرى حولنا العراق وسوريا ومصر إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية، ونجاحنا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الآخر”.
غفلت اسرائيل وأعوانها مؤقتا عن نظرية إثارة الفرقة والخلافات بين العرب ، تحت تأثير نشوة إنتصارها السريع والكبير في يونيو 1967، فاستيقظت على كارثة اكتوبر 1973 كما وصفتها جولدا مائير رئيسة حكومة اسرائيل في ذلك الوقت في مذكراتها..
فنصر أكتوبر تحقق نتيجة عودة العرب مؤقتا إلى تماسكهم عبر ترميم العلاقات البينية ، والإعداد للحرب وواقع العمليات على الأرض يشهد بان الحرب كانت معركة كل العرب . وشاركت فيها 10 جيوش عربية قامت بمهام قتالية على جبهتي مصر وسوريا ومن لم يشارك بالجيوش شارك في تمويل العمليات وشراء السلاح. وكانت مفاجأة الحرب فرض الحظر النفطي مما أقلق الدول الغربية المستهلكة.
فعلا كان تماسكا عربيا مؤقتا استمر حوالي 10 سنوات بدأ في قمة الخرطوم يوم 29 أغسطس 1967 التي عرفت باسم قمة “اللاءات الثلاثة : لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه”. ونتيجة هذا التماسك تحقق بعد حوالي 6 سنوات أول نصر عسكري عربي في التاريخ الحديث ، وضاعف من قيمة الثروات النفطية العربية ، وأصبح للعرب مكانة على الخارطة السياسية العالمية. ولكنه سرعان ما انتهى التماسك وعاد العرب الى التفكك من جديد بزيارة الرئيس الراحل السادات الى القدس في 19 نوفمبر 1977 .
فكيف حدث هذا الانهيار العربي السريع ؟! فاقت اسرائيل وأعوانها من أعداء الأمه من سكرة هزيمتنا في عام 1967 وبدأ التخطيط لتفكيك العرب والاستيلاء على ثرواتهم. ونشطت مراكز الابحاث في اسرائيل وأمريكا واوروبا وكل مؤسسات صنع القرار في العمل الجاد المخطط لتحقيق هذا الهدف . وتبلورت خطتهم في تقرير حمل اسم ( 1975) اي عام صدوره ، وخلص الى ضرورة تفكيك عوامل النصر العربي لتكون حرب اكتوبر 1973 اخر الحروب بين العرب واسرائيل .
وكان أهم هدف في المخطط فصل الرأس عن الجسد بإبعاد مصر عن محيطها الحيوي العربي . وتم ذلك عمليا بزيارة السادات لإسرائيل 19 نوفمبر عام 1977 . وسيناريو الزيارة يكشف أنه كان مخطط لها قبل سنوات ، فهل يعقل أن يتم ترتيب مثل هذه الزيارة الخطيرة في 10 أيام فقط ؟!. فبدأالسيناريو بإعلان السادات رغبته لزيارة تل أبيب أمام مجلس الشعب فى في 9 نوفمبر1977 ، تلقى بعدها بـ 7 أيام في 16 نوفمبر دعوة رسمية من الرئيس الإسرائيلى ، رد السادات بالموافقة على الدعوة بعد يوم واحد في 17 نوفمبر، وحدد يوم 19 نوفمبر موعدا للزيارة.
ثم تواصل مخطط تفكيك العرب ، في غياب القيادة المصرية، بتوريط العراق في الحرب مع ايران في سبتمبر 1980 التي استمرت حتى إغسطس 1988. وبعد توقفها بعامين ، اسقط صدام العراق في فخ غزو الكويت في أغسطس 1990 ، وكانت مقدمة بكل الحروب والدمار التي نشهده اليوم ، والقادم اسوأ مالم يعي العرب الدرس .