أول إحصاء للسكان في تاريخ المصريين ذكره المؤرخ اليوناني هيرودوت في القرن السادس قبل الميلاد، ولم يقدر عدد المصريين إلا أنه قال أن جميع المدن المصرية البالغ عددها في ذلك الوقت 30.000 مأهولة بالسكان. وجاء في موسوعة ( المعرفة ) أن ثاني إحصاء ذكره المؤرخ ديودورس الصقلي في القرن الأول قبل الميلاد في موسوعتة ( مكتبة التاريخ) وقدر عدد سكان مصر وقتها بـ 7 ملايين إنسان . وخصص ديودورس المجلد الأول في موسوعته المكونة من 40 مجلدا لتاريخ وثقافة الحضارة المصرية القديمة ، مما يؤكد محورية مصر ودورها القيادي في تلك الحقبة التاريخية ، بينما جمع فى المجلد الثاني الحضارة الآشورية وتاريخ الشام وبلاد الرافدين وتاريخ الهند وشبه الجزيرة العربية وسجل في المجلد الثالث تاريخ شمال افريقيا ، وسجل تاريخ اليونان وأوروبا من المجلد الرابع إلى السادس. والإحصاء الثالث ذكره المؤرخ الروماني يوسيفوس فلافيوس في القرن الاول الميلادي وقدر سكان مصر بـ 7,5 مليون انسان.
أما أول إحصاء في العصر الحديث فجرى عام 1800 ميلادية حيث قدر عدد السكان بـ 2,5 مليون نسمة. وبمقارنة بسيطة نرى أن عدد سكان مصر انخفض بشكل كبير جدا خلال حوالي 17 قرنا. وهي ظاهرة ينبغي على علماء السكان دراستها بدقة لتحديد سبب اختفاء 5 ملايين من سكان مصر خلال تلك الفترة الزمنية.
واعتقد أن هذا الاختفاء سيكون وراءه أسباب خطيرة في ضوء التاريخ السكاني لمصر والذي يكشف أن المصريين يزيدون باستمرار. وبحسب موسوعة المعرفة تضاعف عددهم 4 مرات خلال أقل من 100 عام ، من 2,5 عام 1800 الى 9,7 مليون عام 1897 ثم تضاعف هذا العدد تقريبا خلال الخمسين عاماً التالية ليصل إلي نحو 19 مليون نسمة عام 1947 ، ثم تضاعف السكان مرة أخري في أقل من ثلاثين عاماً حيث بلغ عام 1976 حوالي 36,6 مليون نسمة ، ثم قفز خلال 51 عاما ليصل عدد المصريين 92 مليون عام 2017 طبقا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، ومن المتوقع أن يبلغ 102 مليون في عام 2020.
فالأرقام تكشف ان الزيادة في السكان مستمرة بالرغم من أن مصر طبقت أول برنامج قومى لتنظيم الأسرة عام 1966 اي قبل 52 عاما، مما يؤكد فشل تلك البرامج رغم دعمها ببعض الفتاوى وبتحركات وتصريحات لبعض الوزراء . والسبب الرئيس للفشل أنها تصطدم مع معتقدات المصريين الراسخة ومع أعرافهم المتوارثة .
والمصلحة العامة تلزمنا بالتوجه لعلاج المشكلة السكانية بحلول أخرى أكثر نفعا وأعمق في الجدوى، وفي مقدمتها البدء في تنفيذ إستراتيجية عملية وعلمية لتخفيف التكدس السكاني فالأرقام تشير إلى أن99.3% من سكان مصر يعيشون في الدلتا والوادي، بالرغم من أن هذه المناطق لا تتجاوز مساحتها نسبة 5% من المساحة الإجمالية لمصر. ويتم ذلك بتفعيل مشروعات التنمية الاقليمية لتحقيق التوظيف لمواطني الأقاليم الإقتصادية وتقليل حجم الهجرة الداخلية بإعادة توزيع الإستثمارات بعدالة على الاقاليم المصرية حيث تشير الإحصائيات الى أن اقليم القاهرة وحده يستأثر بأكثر من 45 % من الاستثمارات. وأيضا بتحسين الخصائص البشرية للسكان وذلك بتفعيل البرامج الخاصة بالصحة العامة والتعليم والبرامج الثقافية ، وتوفير فرص العمالة لزيادة الدخول الحقيقية للأفراد .
فمصر منحها الله خيرات كثيرة تكفي لمعيشة كريمة لأضعاف عدد سكانها بشرط حسن إستثمارها وتوزيع عادل للدخول على أبنائها.
Aboalaa_n@yahoo.com