نظرة لن انساها ما حييت لمحتها فى عينيها و هى تقول بتأمل شديد لا لحياة الغابة و الاستمتاع بالتمسك باغتصاب حقوق الآخرين فهذا مرض استفحل بين بعض الناس الا و هو الاستمتاع بالاستحواذ على كل ما تصل اليه ايديهم و التبلد امام دموع الابرياء الذين سلبت حقوقهم والاستمرار فى المماطلة و الاكاذيب من أجل التهام الفريسة لآخرها .
فلما شدتنى هذه الكلمات المتوجعة سألتها ما القصة ؟ فاسترسلت “أنا أشعر أن هذه الدنيا حلم و امتحان فى آن واحد فمهما طال بنا العمر فهو حلم سريع فمنا من يرضى بالحلال و يعيش حياته فى حدود رزقه و امكاناته و لا يقرب الحرام و لا يستعذب من مأكله و مشربه الا ما كان من كده وعمله، يعشق الطهر و النقاء و على الجانب الآخر هناك من يخلق من حلمه كابوسا فيتبع كل ما هو غير مشروع غير عابئ بالحلال و الحرام و يجهل بانه لن يستمتع بكل ما جمعه من حرام فالوقت يمر سريعا و بعد مئة عام كل هذه الجحافل البشرية ممن نراهم فى الشوارع و الجوامع و الكنائس والمدارس .. كل هذا الجمع الغفير بمشاكله بفقره وغناه سنكون جميعا تحت الارض .
يا الله سكون تام لا حركة لا نفس لا حيل و لا مكر ولا مؤامرات إما حفرة من النار و إما روضة من الجنة. روضة لمن فوض امره لله و على هذا فلما كل هذا الصراع الخبيث؟ و لما يحلو للبعض ادوار الشر غير عابئين بالنتائج الابدية المصيرية و لأن الحياة حلم سريع و لا نستطيع ان نستيقظ منه حاملين معنا قصور أحلامنا بل نستيقظ منه وننفض ايدينا من كل شئ و نتقابل مع الحقيقة الوحيدة الا وهى “الموت” فهل تستحق الحياة ان نعبث كل هذا العبث و نجمع من الحرام ما نحمله فوق رءوسنا و صدورنا منتظرين الحساب حاملين هذا الحرز ؟ “.
نظرت اليها مرددة : ” كل ما تتحدثين به صدق و لا يشعر به الا من رحم ربي” و طلبت اليها ان تحكى لى عن التجربة التى مرت بها فجسمت على لسانها كل هذه المعانى . فبدا على وجهها دهشة مُزجت بالضحك و البكاء معا . و تساءلت “هل كان يجب ان يكون لنا انياب و مخالب لنحمى أنفسنا؟ هل النية الحسنة و افتراض الثقة و الخير عملة منتهية الصلاحية؟ هل من يؤمنون بأن الخير ساطع ليوم الدين هم البلهاء؟ البعض يظن هذا و لكن هذا ليس بصحيح فالذى يحسن النية ثم يقع فى شباك ظالم فلا يحزن . إن الله يرى و يراقب و سيعوضه أضعاف ما وقع عليه من ظلم اما الظالم المحترف فيبنى لظالم آخر وكما يقولون جمع الحرام على الحلال ليُكثره فدخل الحرام على الحلال فبعثره . و أنا قضيتى ليست قضية حقوق بقدر ما هى قضية مبادئ و قيم بدليل هذه القصة القصيرة . فأنا يا سيدتى ذات يوم تعرضت لسلب حقوق مادية زائلة بزوال الدنيا و هذا ما كان يخفف عنى و بلا اى ترتيب منى و قبل ان اقوم باى اجراءات قانونية لاستردادها ظهر فارس من حيث لا نعلم و أقسم ان يرد لنا هذه الحقوق ويبدو أننا أخطأنا و لم نفوض أمرنا لله و فوضنا أمرنا لهذا الفارس و نسبنا إليه الفضل في استرداد جزء من هذه الحقوق . لم ننسب الفضل لله و لاحول و لا قوه الا بالله فما كان من الفارس الا ان القى بشباكه شبه الشرعية على هذا الجزء مستغلاً حياءنا و ما “أُخذ بسيف الحياء فهو باطل” ثم عاد راكبا فرسه حاملا باقي حقوقنا فى حقيبة سوداء و هو يعلن بلا حياء بأن زمن الفرسان قد ولى و نحن تحت تأثير الدهشة فلم نلحق به و أخذ سرعته بعد ان القى لنا برسالة قصيرة من كلمتين “القانون لا يحمى المغفلين و البلهاء”. فلا و الف لا . فمنذ متى و حسن النية والثقة فى وجود الخير غفلة و بلاهة؟!! و أخذت اعدو خلفه و أردد يا هذا : “لا تجعل الله أهون الناظرين إليك” يا هذا : “إذا ضُيعت الامانة فانتظر الساعة” و بينما نحن نبكى المبادئ و القيم و الحياء الذى دهسه الفارس الزائف و هو يبتعد بحصانه بعيدا فاذا به يختل توازنه ويهوى بحصانه داخل نهر الصراعات مستغيثاً بلا مجيب.