افادت إحصائية لمركز الخليج للدراسات أن عدد الأساتذة الجامعيين العرب المهاجرين يقدر بـ 284 ألفا فى مجال العلوم الهندسية والتطبيقية، و179 ألفا فى مجال العلوم الحيوية والزراعية، و152 ألفا فى مجال العلوم التجريبية والعلوم الصحية، و136 ألفا فى مجال العلوم الإدارية. وفي مصر اكدت أكاديمية البحث العلمي أن هناك 450 ألف كفاءة وعبقرية علمية مصرية يعملون في الخارج من بينهم 54 ألف عالم وخبير مصري في مختلف التخصصات العلمية من بينهم 11 ألفا في تخصصات نادرة و94 عالما في الهندسة النووية و36 في الطبيعة الذرية و98 في الأحياء الدقيقة و193 في الالكترونيات والحاسبات والاتصالات.
ويؤكد مؤشر هجرة الأدمغة الصادر عن البنك الدولى هذه الاحصائيات بالاشارة إلى ان الوطن العربى يسهم بنحو 31% من مجموع الكفاءات والعقول التى تهاجر من البلدان النامية نحو الأقطار الغربية. كما أن نحو 50% من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء العرب يفضلون الهجرة على البقاء فى بلدانهم العربية. وكشف المؤشر أن مصر تتصدر الدول العربية الطاردة للعقول المبدعة تليها كل من :سوريا ولبنان والعراق والأردن وتونس والمغرب والجزائر.
تلك الأرقام تؤكد أنه لا توجد لدي العرب أزمة عقول رغم نظم التعليم العربية السيئة ، وأن الأزمة الحقيقية هي كيفية توطين العقل العربي ، من قبله كيفية إعادة تشكيل وعي العقل العربي كي يستعيد هذا العقل المأزوم ثقته بنفسه ويعود بعد طول غياب ليدفع إلى العالم طاقة حركية فذه وقدرة متميزة على الابتكار والعطاء.
وأتفق مع كثير من المفكرين الذين يرون أن العقل العربي بلغ توهجه وذروة عطائه الحضاري عندما تحرر من الانتماءات القبلية والعنصرية والعرقية والتقوقعات الجغرافية في ظل الرؤية الاسلامية التي صبغت المسلم العربي وغير العربي بالصبغة العالمية واحتضنت غير المسلم كشريك في الإنسانية. وساهمت تلك الرؤية الواضحة التي تربى عليها والتزم بها الفرد والمجتمع المسلم في بناء حضارة زاهرة ساهمت في تقدم الانسانية في مختلف المجالات ولا تزال اثارها بادية في كثير من مناطق العالم.
وأوضح توصيف لهذه الرؤية الصحيحة ذكره المفكر الدكتور عماد الدين خليل في كتابه القيم ( أصول تشكيل العقل المسلم ) بقوله : “إن الهيكل الحضاري للرؤية الإسلامية يمكن أن يتمثل بمثلث متساوي الأضلاع محكم الزوايا وهي : الأرضية والإنسان وبرنامج العمل “.
وقال أن الأرضية مهيئة ومسخرة للعمل الإنساني وهو عمارة الأرض والغاية التي خلق من أجلها فهو يقول بنظرية يمكن أن نسميها (التسخير) لا كما يقول الغرب أن الكون يصارع الإنسان والإنسان يصارعة نظرية يمكن أن نسميها(الصراع) . .
اما الضلع الثاني الإنسان وهو في تشكيل العقلية الإسلامية مكلف بخلافة الأرض وأعطاه الله من أجل ذلك القدرة والتعلم والتعليم والعمل والإبداع والإرادة، بل وحثه على ذلك . والضلع الثالث للهيكل برنامج العمل القائم على الدين وهو في العقلية الإسلامية منهج شامل للحياة يتحرك (الإنسان) على (أرضية العالم) وفق مبادئه وتوجيهاته ودون الدين يضيع الإنسان ويفقد القدرة على أداء وظيفته.
واذا تربى العقل العربي على هذه الرؤية الواضحة سيكون من السهل توطينه مع توافر الارادة السياسية والبيئة الاجتماعية المناسبة. وعندها سنتمكن في بضع سنين من إستعادة زمام المبادرة من جديد.