الاخبارية – عادل يحيى
ديوان «الإنسان يعشق حرًا» للشاعر ماهر أحمد النوبي، الصادر عن دار «دريم بن» للترجمة والنشر والتوزيع بالقاهرة، هو الديوان الأول للشاعر، يحتوي على العديد من القصائد المنوعة والمتنوعة والمتجددة في الكثير من الموضوعات الأدبية وبصورة شعرية تحمل الكثير من أشجان الحب والغزل وأحزان الغربة وهموم الوطن، ولا تكاد قصيدة من قصائده تخلو من الصورة البلاغية السهلة والصور الفنية ذات الدلالات العميقة والابتعاد عن التراكيب المعقدة.
في إحدى قصائد الديوان يكتب «ماهر» عن الحب:
فلي نظم من الحسن وفيه بيوت
وقافية وأوزان وشطر ياقوت
ولي بحر وما للشعر منه بحور
تعلمت الصفا منه
وإن كان الصفا عنه هو المبتور
وعلمني بأن العشق بستان
وأن الروح فيه تدور
وعلمني كيف يكون بركان
لأشواق وفيه تثور
وفي قصيدة أخرى يقول (النوبي):
سيدتي أنت كل آلهتي
ونور العشق يسكنني
ويغمرني
بآمال وأحلام وجنات
في عينيك تأويني
يين يداك مغفرتي
وبين يديك تعذيبي
رجوت إليك منزلة بصدق يمحو تكذيبي
أقمت الليل والأسحار
بأذكار بها طرب
وفيها المسك والطيب
صبوت إليك بالنجوى
فصوت القلب يشجيني
فقلبي قائم يتل وتتلوه الشرايين
وبإسلوب المربعات يقول (النوبي):
مره سألت ف غربتي امتى الرجوع
امتى تفارق دنيتي نار الدموع
رد القدر والرد كان بالمختصر
لما تلاقي الورد طارح عالشموع
عجبي
ويحتوي الديوان الأول لـ(النوبي)على الكثير من الصور الشعرية الأدبية فيقول:
يا كل أبراج السماء تجمعي
ائتي إلى بابي ولا تترفعي
إن كنت ماء أو تراب
أو كنت نارا أو هواء فتجمعي
واصغي إلي بلا حديث فاسمعي
فكم أتيتيني بما قد لم يرى
وكم أتيتيني بما لم يسمع
فكل ما فيك عذاء أو بكاء
ما كان يخطر مسمعي
وفي لوحه فنيه أخرى يقول:
اصرخ يا صوت
أصرخ وقول الآه أهات
وغني موالي الحزين
اعمل ضلوعي لك نايات
اوصف آلامي للسما
ارحمني من جمر الدموع
جوة السكات
ويتبدى في الديوان في مواضع كثيرة حنين الشاعر إلى وطنه، فهو مقيم في فرنسا، لكن حنينه مرتبط في جوهره بحلم المجتمع المثالي وتحقق الفضائل الإنسانية وقيم الحق والعدالة والخير بين أفراده.
أبحث عن وطن
لا يوجد فيه من يظلم
أو من يصرخ
بين المطرقة والسندان
ويكون العدل ركائزه
ويحق الحق بميزان
وسراج العلم به يرسم
ويخط حروفا وبيان
أبحث عن وطن
يدرك ما معنى الأوطان
عن وطن لي أستوطنه
ويكون الحاضر والماضي
والمستقبل ويكون الآن
أبحث عن وطن أسكنه
ويسكنني
ولعل من يتأمل قصائد ديوان «الإنسان يعشق حرا» يدرك أن ماهر النوبي عمل على تطوير مضامينها الفكرية، وأدواتها الفنية، مستخدمًا في الوقت ذاته «اللغة السهلة» والصور البسيطة ذات الدلالات العميقة، والابتعاد قدر الإمكان عن التراكيب والأساليب البلاغية المبهمة.
أصعب حياة
إنك تعيش العمر
مش شايف
ومش عارف
طريق لنجاة
وسط الحياة
حتى الطريق
كمان تايه
ومش لاقي
مكان يرساه
حتى الحياة
حلقة ودايرة موصولة
ومفصولة
ودنيتها تعيشنا
ف وسط الفرح
كام ساعه
وتنسانا سنيين وأيام
ف حضن الآه
والاسم حياة
سما غايمة
وعين سهرانة مش نايمة
وروح هايمة وفيها عمر
مستني
يلاقي طريق يكون له نجاه
وسط الحياه
آه يابا آه
إيه اللي جاني من الزمن
ومن الحياه
غير الآهات
الآهة فيها ألف آه
العمر من يومه اتسجن
والصوت حزين مليان شجن
والدنيا دي لا تؤتمن
يشير «ماهر» في إهدائه للديوان إلى أن «الإبداع هو الابن الشرعي للألم والمعاناة فوقت اليسر لا يعطينا وجدا٬ وأهدي أول إصدار لي في عالم الكتابة٬ لمن عانوا وتألموا أيضا بغربتي عنهم».
وفي أكثر من قصيدة في الديوان ظهرت «الروح المتمردة» لدى ماهر النوبي، الذي يعلن تمرده على واقع أمته المعيش.
إلى أيدي الزمان مددت كفي
أسالمه ليسلم لي الزمان
فإذ بيديه لا تمتد نحوي
وإذ عيناه تسلبني الأمان
وددت بأن أكون له صديقا
فغالبني وأسقاني الهوان
ألا تبا عليك زمان غدر
فلا سلم لديك ولا أمان
وتنوع موضوعات قصائد الديوان بين الوطني، والعاطفي، والقصائد العامة، بيد أن الرؤية العامة في هذا الديوان تتألف من بعدين أساسيين هما البعد الوطني والبعد العاطفي.
إني طفل
أحلم أرسم أحيا
في دنيا الأهواء
ألهو ألعب
أبكي أضحك
هذا صباحي
أمسى مساء
قد أمسى اسمي
مرحوما
قتلوني وبغير حياء
طفل عربي هذا نعتي
أما وجعي
أني عربي
عربي تعني
أني من وطن الضعفاء
تعنى مهدور في وطني
وطن يحكمه النبلاء
هنا استطاع الشاعر أن يصف ببراعة أزمة الإنسان العربي، فصّور بلغة صادمة مترعة بالغضب وبعيدة عن الرمزية، وبأسلوب التهكم اللاذع، صورة الإنسان العربي المحروم من الحرية، المشبع بالهوان والمذلة.
ونراه في قصيدة أخرى يقول باكيًا حال العرب:
ما عاد ف الأعين دموع
سكبت على حال العرب
أحزاننا تبكي الضلوع
ودماؤنا سيل
تسيل لمن يهب
وها هيا نار الصدور
قد عانقت نار الحطب
أطفالنا قتلى وجوع
ونساؤنا
أسرى بأغلال الإرب
يوما تخيل إن حصل
أن جاء سائل سأل
كم سعركم وكم وصل؟
ماذا يكون من الجواب
برميل نفط ؟
جرة عسل؟
ماذا نكون
ونحن غرقى
ف الديون وفي الكسل
والفكر فينا للبطون
وللظنون وللخبل
وماهر أحمد النوبي شاعر مصري مقيم في فرنسا، وهذا الإصدار هو الأول له، كما أنه الإصدار الأول لدار «دريم بن» للترجمة والطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة.