مازلت مؤمنا أن من أهم ما نواجه به دعاة الإلحاد هو كشف من وراءهم ومن يعدهم ويمولهم وكشف الجهات التي تروج لهذا الفكر وأهدافها خاصة والإلحاد يوجه في غالبه للإسلام ولا ينتقد إلا نصوصه في معظم الأحيان حتي بدا الأمر أنه حرب علي الإسلام كدين وليس إنكارا لوجود الخالق.
ومازلت مؤمنا أن البحث فيما وراء الأشياء هو أفضل طريقة لمواجهة الأفكار المؤدلجة. أو الأسلحة الفكرية التي تستخدم في معارك لا علاقة لها بالبحث عن الحقيقة أو الوصول إلي الصواب أو المعاناة الفكرية.
أعود إلي كتاب مخاطر الإلحاد وسبل المواجهة الذي أصدرته وزارة الأوقاف وأتوقف عند بعض ما قدمه الكتاب من سبل للمواجهة المتمثلة في الدعوة لأن يكون التعليم هو مصدر المعرفة الدينية للطلاب وأن تكون المناهج الدينية باعثة الإيمان فتجمع بين تنشيط العقل والفكر من جانب وتقوية العاطفة الدينية والمشاعر الروحانية من جانب علي أن تحتوي مناهج التعليم علي الحد اللازم من المعلومات الدينية الصحيحة التي يحتاجها الإنسان في دينه عقيدة وعبادة وسلوكا. وكذلك تفعيل دور الدين في التنشئة والتعليم لأنه السبيل الوحيد للإجابة عن الأسئلة التي تعترض طريق العقل. كما أنه السبيل الوحيد لمعرفة الله عز وجل معرفة صحيحة ومعرفة مبدأ الكون وغايته ومآله.
أما تفعيل دور الدين في مواجهة الإلحاد فيتم من خلال دراسة الخطابات الدينية المختلفة والسائدة وبذلك نصل لمعرفة الأزمة والتأكيد علي رجوع العلماء إلي النص واستنباط الأحكام منه. ومعرفة أنه لا حرام إلا بنص فالتحليل والتحريم خاص بالله تعالي وما لا يوجد نص صريح فيه يبقي في مجال الاجتهاد. وألا يطلق القول فيه بالتحليل والتحريم والتعامل مع التراث باعتباره حلقة من حلقات البناء المعرفي للأمة وعدم الأخذ منه دون مراعاة للتغيرات الزمانية والمكانية والتطورات الحضارية مع البعد عن الخرافة والاهتمام ببناء العقلية النقدية لا العقلية الخرافية مع إعلام الناس بفقه مقاصد الشريعة وتعليم العلماء قواعد الفقه الكلية وأصول الفقه.
ويركز الكتاب علي أهمية الاعتماد علي منهج الحوار والإقناع ومقارعة الحجة بالحجة مثلما فعل سيدنا إبراهيم حين قال للنمروذ “فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر” ثم يستعرض الكتاب نماذج من شبهات الملحدين مثل مسألة بدء الكون وقول الملحدين بالصدفة وأنه نشأ تلقائيا وأن العقل البشري من نتاج الانتخاب الطبيعي دون أن تكون لديهم أدلة علمية علي ما يقولون بل إن نظرية “التصميم الذكي” للكون هي نفسها التي دفعت أحد كبار الملاحدة في القرن العشرين للاعتراف بوجود إله وهو أنتوني فلوجبت اعترف بوجود الله وكتب كتابا بعنوان “هناك إله” استعرض فيه تجربته من الإلحاد إلي اليقين. يذكر الباحثون أن علماء فيزياء الكم يؤكدون أن الكون نشأ من عدم وأن الطبيعة تسير وفق قوانين ثابتة مترابطة وأن الحياة قد نشأت بكل ما فيها من دقة وغاية من المادة غير الحية وأن الكون بما فيه من موجودات وقوانين يهيئ الظروف المثلي لظهور الإنسان ومعيشته علي الأرض كما يذكر علماء الفيزياء أيضا أن القدرات العليا للعقل لا يمكن أن تكون نتاجا مباشرا للنشاط الكهروكيميائي للعقل. كما أثبت علماء فيزياء الكم أيضا أن للكون بداية وأنه ليس أزليا كما أنه نشأ من عدم وأن نشأته عن طريق الانفجار العظيم وهو ما يؤمن به المسلمون كما جاء بالقرآن.
وبناء علي ذلك فإن دقة بناء الكون وما عليه من نظام وانتظام يشير إلي مصمم ذكي فالكون علي عظمته واتساعه وتنوعه يخضع لقوانين مترابطة مع بعضها باتساق وانتظام وهو ما يدل علي خالق خلق كل هذا.
كما يذكر ريتشار سوينيرون في إثبات وجود الخالق بما سماه برهان “فترة الترك” والذي تعلمه من علماء الكلام المسلمين ومفاده: إذا كان العدم يمتد إلي ما لا نهاية في القدم وإذا كان للكون بداية فلم نشأ الكون في ذلك الوقت؟ ولم ترك دون نشأة لفترة ثم حدث في وقت ما أن خرج الكون للوجود؟ إذن من أوجده.