شغلتني شعيرة الوقف منذ اهتماماتي الاولي بالعمل الخيري وكان السؤال الذي لا أجد له اجابة؟ لماذا تراجع الناس عن الاقبال علي هذه الشريعة في دولة هي الاعظم تاريخيا في اقامة الشريعة الاسلامية المنشأ.. بل إن اوقفوا في زمن ما ثلاثة أرباع اراضيهم لله حتي لا تكاد تمر بمكان في مصر إلا وتجد فيه واقفين وارضاً موقوفة تنوعت أهدافها حتي لم تترك صغيرة ولا كبيرة مما يحتاجه الناس إلا اوقفوا أموالهم بشأنها.
وإذا استعرضنا مسلماتنا وأقوالنا المورثة مثل: “لا أحد يموت من الجوع” “ولا أحد يبيت بلا عشاء” فلأن الوقف كان حاجزاً مهما يمنع الموت جوعا أو المبيت دون عشاء بسبب التكايا التي تمتد في طول مصر وعرضها.
تنوعت تفسيرات العلماء والمتأملين في الاجابة عن التراجع في وقف الاموال.. حتي استقبلت سيدة وقورة تسمي “ليلي اسماعيل” تشكو من اجدادها الذين اوقفوا الاموال والعقارات في افضل احياء القاهرة لكنها لم تعد تؤدي دورها الذي اقيمت من اجله وهو مساعدة المستحقين لانها عقارات مؤجرة بملاليم رغم ان قيمتها السوقية تتجاوز عشرات الملايين الامر الذي يجعل احفاد الواقفين يندمون علي ما فعل اجدادهم ويشعر الاحياء بعدم الجدوي من شعيرة الوقف التي لم تعد ذات قيمة في نظرهم.. بل إن أصحاب الاموال يحرصون علي انفاقها بأنفسهم حتي لا يحدث لها ما حدث للوقف فضلا عما جري له علي يد محمد علي باشا وجمال عبدالناصر وبعض موظفي الاوقاف الذين وجدوا انفسهم يتصرفون في اموال بلا صاحب ويسهل التحايل في الاستيلاء عليها.
من هنا فإن ما يقوم به الدكتور محمد مختار جمعة وزير الاوقاف من سعي لاصدار قانون تتعامل بشأنه أموال الوقف بصورة استثنائية خاصة فيما يتعلق بالقيمة السوقية للعقارات والأراضي الزراعية امر في غاية الاهمية لأن اول ما يحققه هذا القانون هو شروط الواقفين التي تتمثل في الانفاق علي المستحقين لأغني المستأجرين.. لأنه ليس من العدل ان تؤجر فيلا بعشرة جنيهات في أرقي مناطق القاهرة وقيمتها السوقية عشرات الملايين وايجارها الحقيقي السوقي عدد من الآلاف أما الأمر الثاني الذي يحققه هذا القانون والذي علمت أن أحد بنوده معاملة الاموال بقيمتها السوقية.. هو علاج حالة الاحباط واحجام الناس عن وقف اموالهم فإذا عرفنا أن عقاب الاستيلاء علي أموال الوقف في القانون الجديد لن يسقط بالتقادم فإننا قد نعيد ثقة جمهرة كبيرة من الخيرين في هذه الشعيرة لا أعلم بقية بنود المشروع الذي تتم مراجعته في وزارة العدل الان ولكني ادرك ان التعامل مع أموال الوقف باعبتاره أموالاً خاصة في الاستثمار والحماية سيعالج كثيراً من حالة الاحجام الغريبة عن خلق مصري خالص أقبل عليه المصريون منذ فتح مصر في 20 هـ وظلوا يؤمنون بجدواه حتي اوقفوا اموالهم علي الفقراء من خارج مصر في دول شتي يندهش الانسان وهو يطلع علي تفاصيل هذا الخبر.