يلعب الاعلام دورا هاما ومؤثرا في توجهات الرأي العام واتجاهاته ، وصياغة مواقفه وسلوكياته من خلال الاخبار والمعلومات التي تزوده بها وسائل الاعلام المختلفة. اذ لا يستطيع الشخص تكوين موقف معين او تبني فكرة معينة الا من خلال المعلومات والبيانات التي يتم توفيرها له ،
ما يؤكد قدرة الاعلام بكافة صوره واشكاله على احداث تغييرات في المفاهيم والممارسات الفردية والمجتمعية عن طريق تعميم المعرفة والتوعية والتنوير وتكوين الراي ونشر المعلومات والقضايا المختلفة .
وفي الوقت الذي اصبحت فيه وسائل الاعلام جزءا اساسيا من حياة الشعوب والمجتمعات ، بفعل استجابتها ومواكبتها للتطورات والمستجدات الحاصلة في شتى المجالات الحياتية ، وقدرتها على الوصول الى الجماهير ومخاطبتها والتأثير فيها ، فان هذا يتطلب ضرورة مراعاة ظروف كل مجتمع وبيئته الثقافية والقيمية والفكرية بشكل يضمن احترام هوية هذا المجتمع وخصوصيته.
دون ان يعني ذلك تجاهل الآخر وعدم جواز التعرف على ثقافته وحضارته ، اذ لا بد من التواصل والتفاعل معه والاستفادة بما لديه من علوم ومعارف بعد ان اصبح العالم بفضل الثورة العلمية والتقنية والاتصالاتية اشبه ما يكون بقرية كونية صغيرة تتداخل فيها المصالح والاعتبارات بين دول العالم وشعوبه.
لقد اصبح الاعلام لغة عصرية وحضارية لا يمكن الاستغناء عنها او تجاهلها ، ما يتطلب فهمها واستيعابها من خلال امتلاك مقوماتها وعناصرها ومواكبة التطورات التي تشهدها وسائله المختلفة ،
حيث تعددت ادوات الاعلام وتنوعت ، واصبحت اكثر قدرة على الاستجابة مع الظروف والتحديات التي يفرضها الواقع الاعلامي الذي بات مفتوحا على كل الاحتمالات في ظل ما تشهده ادواته ووسائله المختلفة من تطورات وابتكارات نوعية ، بررت تناوله وطرحه العديد من القضايا التي احدثت اهتماما واسعا ولافتا في مختلف الميادين وعلى كافة الصعد .
واذا كان من حق الرأي العام ان يعرف الحقيقة ويتابع ما يجري من احداث على الساحة المحلية والاقليمية والدولية ، فان التعاطي مع هذه الاحداث ونشرها ومتابعة ما يجري منها ، يجب ان يتم وفقا لضوابط مهنية ومعايير اخلاقية وانسانية وموضوعية تراعي ظروف المجتمع ومزاج الرأي العام ،
ما يعني ضرورة التوازن بين حق الجمهور بالمعرفة ، وبين مرجعيته الثقافية والاخلاقية والدينية على اعتبار ان المعايير الفاصلة بين اعلام وآخر هي في النهاية معايير مهنية واخلاقية ، تجسد آطرا مرجعية يمكن الاستناد اليها في التمييز بين السلوك الايجابي والسلوك السلبي ، وبالتالي التفريق ما بين ظواهر سلوكية مقبولة وآخري مرفوضة .
ان اهمية الاعلام لا تكمن في اقتنائه ومجاراة الآخرين في استخدامه وتوجيهه ، وانما في كيفية استعماله وتوظيفه بشكل هادف وعلى نحو يجعله قادرا على التعبير الموضوعي عند تناول القضايا المختلفة ، بحيث نضمن وسائل اعلام باطار مرجعي كفيل بتوفير تغطية منهجية تتماهى مع قواعد ( علم ) الاعلام ونظرياته بعيدا عن العفوية والارتجال .
وربما هذا ما تفتقد له الكثير من وسائل الاعلام في وقتنا الراهن مع كل آسف ، بعد ان رهنت سياساتها وتطلعاتها بالتعايش مع متطلبات السوق (الاعلامي) بما يضمن لها ترويج سلعتها الاعلامية في اكبر عدد ممكن من الاسواق لضمان وصولها بالتالي الى اكبر عدد ممكن من جمهور المتابعين .
وهذا هو الشيء الذي ربما اعطى المجال لحدوث ممارسات اعلامية خاطئة وضبابية افرزت حالة من التيه والارباك اثارت الشكوك حول حقيقة دور وسائل الاعلام في الحياة العامة ، وما اذا كانت تقوم بالفعل بتأدية رسالتها المفترضة بما هي توعية وتثقيف ام لا .
الامر الذي وفر اجواء عامة بررت الوقوف عند الكثير من المحطات الخلافية والاشكاليات التي فرضت نفسها على ساحة الاحداث المحلية والخارجية، ومنها بطبيعة الحال الموضوع الذي نحن بصدده وهي علاقة اشكالية تحتاج الى التأمل واستخلاص الدروس والنتائج، حيث يحاول كل منهما السعي وراء الآخر.
وهناك من اعتبر ان العلاقة بينهما اشبه ما تكون بعلاقة بين طرفين، أحدهما يصنع الحدث والاخر يقوم بتسويقه. ما برر طرح اسئلة عديدة احسب ان الاجابة عليها يفيد في تشخيص هذه العلاقة، ومعرفة الظروف والاجواء العامة المسؤولة عن انتشار ظاهرة الارهاب على آمل محاصرتها والقضاء عليها. وعليه. هل يمكن ان يعيش الارهاب بدون اعلام …؟
هل تغذي التغطية الاعلامية الاعمال الارهابية وتشجع بالتالي الاشخاص الذين يقفون وراءها على ارتكاب المزيد من هذه الاعمال الاجرامية …؟
هل يساعد الاعلام على نشر الثقافة الارهابية، ومن ثم الاسهام في زيادة معدل ظواهر العنف والارهاب …؟ .
لا شك بان ظاهرة الارهاب تحظى باهتمام الشعوب والحكومات في شتى انحاء العالم لما لها من آثار خطيرة على آمن الدول واستقرارها، بعد ان اتضح اننا امام ظاهرة اجرامية منظمة تهدف الى خلق جو عام من الخوف والرعب والتهديد باستخدام العنف ضد الافراد والممتلكات؛ ما يعني ان هذه الظاهرة الخطيرة تهدف الى زعزعة استقرار المجتمعات والتأثير في اوضاعها السياسية
وضرب اقتصادياتها الوطنية عن طريق قتل الابرياء وخلق حالة من الفوضى العامة، بهدف تضخيم الاعمال الارهابية وآثارها التدميرية في المجتمع، بما يتناسب مع القاسم المشترك الذي أمكن التوافق عليه بين تعريفات الارهاب المختلفة، والذي يرى في الارهاب استخدام غير مشروع للعنف يهدف الى الترويع العام وتحقيق اهداف سياسية.
ما جعل البعض ينظر الى الارهاب باعتباره عنف منظم موجه نحو مجتمع ما او حتى التهديد بهذا العنف ــ سوآءا أكان هذا المجتمع دولة او مجموعة من الدول او جماعة سياسية او عقائدية ــ على يد جماعات لها طابع تنظيمي تهدف الى احداث حالة من الفوضى وتهديد استقرار المجتمع من اجل السيطرة عليه او تقويض سيطرة آخري مهيمنة عليه لصالح القائم بعمل العنف.
. في اشارة الى اعتماد الارهاب المفرط على العنف المتعمد وعدم التمييز بين المدنيين وغير المدنيين كأهداف شرعية من اجل تحقيق اغراض سياسية.
وامعانا في خلق اجواء الفوضى والترويع، واتاحة المجال امام انتشار الشائعات المغرضة، التي تثير خوف الرأي العام وتؤلبه ضد السلطات المحلية بحجة عجزها عن حماية آمنه، يعمد الارهابيون الى التسلح بوسائل الاعلام المختلفة لتسويق اغراضهم وغاياتهم وتوظيفها في تضليل الاجهزة الأمنية واكتساب السيطرة على الرأي العام عن طريق نشر اخبار العمليات الارهابية التي يقومون بتنفيذها
على اعتبار ان الحملات الاعلامية التي تغطي هذه العمليات تساعد على تحقيق واستكمال اهداف الارهابيين، الذين يرون في التغطية الاعلامية لجرائمهم معيارا هاما لقياس مدى نجاح فعلهم الارهابي، لدرجة ان البعض اعتبر العمل الارهابي الذي لا ترافقه تغطية اعلامية عملا فاشلا.
من هنا يأتي استغلال الارهاب للأعلام لترويج فكره الارهابي ودعمه من خلال محاولاته المستمرة في البحث عن الدعاية الاعلامية لتسليط الضوء على وجوده واغراضه. فبحسب باحثين نفسيين.
فان الارهابيين قد يحجمون عن تنفيذ عملياتهم في حال علموا مسبقا انها لن تترافق مع الدعاية الاعلامية، التي من شأنها كشف حجم الخسائر التي الحقوها بأعدائهم. على اعتبار ان الحرب النفسية تعمل عملها فقط في حال ابدى البعض اهتماما بالأمر.
فقد وصفت مارجريت تاتشر رئيس الوزراء البريطانية السابقة هذه الدعاية (المجانية) بالأكسجين اللازم للإرهاب الذي لا يستطيع الاستغناء عنه، لان تغطية الحدث الارهابي اعلاميا يحقق مكاسب تكتيكية واستراتيجية للقائمين عليه.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان