في ظل المتغيرات العالمية الجديدة، التي أفرزتها المعطيات الاقتصادية والثورة التكنولوجية، أصبحت الريادة والتنوع سمة أساسية من سمات الاقتصاديات المعاصرة، وإن التطور التكنولوجي وتقدم الاتصالات وازدياد المعرفة وانتقال الاقتصاد إلى اقتصاد رقمي مترابط ساهمت في ازدياد دور الأفكار الإبداعية والريادية.
ولقد استفادت منظمات الأعمال الحديثة كثيرا من تكنولوجيا المعلومات وآلياتها في تحسين أدائها وإنتاجيتها. مما جعلها تنتهج عدة أساليب واستراتيجيات الابتكار والإبداع إضافة إلى الدور الكبير لتكنولوجيا المعلومات في إدارة هذه العملية.
يتلخص دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التنمية في محورين أساسيين المحور الأول: مما لا شك فيه أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد أصبحت صناعة قائمة بذاتها وتمثل أحد أهم مصادر التقدم وزيادة الدخل القومي في معظم الدول المتقدمة فضلا عن الدول ذات الاقتصاديات البازغة عالميا، ومن ناحية أخرى فان التقدم في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات يؤدى إلى تطورات هائلة في جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى.
وبالنسبة للمحور الأول حيث يمثل قطاع الاتصالات والمعلومات قطاعا اقتصاديا منفصلا نجد أن الموارد البشرية والقدرات الفنية، وشراء المعدات، والبرمجيات، وتثبيت الشبكات، كل هذا يجعل من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات سوقاً هاماً من الناحية الجوهرية في كافة الدول تقريباً، بل وأكثر أهمية في الدول التي تعتمد عملية التنمية فيها اعتماداً مباشراً على القدرة على التواصل كما هو الحال في البلدان العربية.
وقد استمدت هذه السوق طاقتها من نمو الإنترنت وشبكة الويب العالمية ومن التطبيقات الممكنة على الإنترنت ويتراوح نطاق هذه السوق بين تطبيقات كل من الحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية والتعليم الالكتروني والخدمات الطبية الخ… وفى المحور الثاني، توفر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وسائل دعم الأنشطة التي تنتفع من المعلومات الموجهة والموثوق بها بما في ذلك تحسين ظروف المجتمعات المحرومة ودعم الخفض من حدة الفقر؛ فعلى سبيل المثال، فقد جعلت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرعاية الصحية أكثر شمولاً و أتاحتها من خلال العلاج عن بعد وزادت من فاعلية التعليم عن طريق التعلم عن بعد.
ويعتبر وجود نظام معلومات موثوق به أمرا ضروريا من أجل الإدارة الفاعلة وتشغيل القطاعين العام والخاص، ويجب أن يغطي هذا النظام مجالات مختلفة مثل المعلومات الداخلية للحكومة، وخدمات المواطنين، والتجارة، وأعمال البنوك، والعلاقات الدولية.
ويجب التأكيد على أهمية امن المعلومات والبيانات والشبكات لإنجاح مجتمع المعلومات وهنا يجدر ذكر أهمية وجود محتوى باللغة العربية حتى تستفيد منه جميع قطاعات الشعب الأمر الذي يدعو إلى وجود صناعة خاصة بالمحتوى وبتعريب المستويات المختلفة التي تتكون منها تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات بالإضافة إلى استخدام أسماء النطاقات باللغة العربية.
لقد استفاد عدد كبير من الدول على مدار السنوات القليلة الماضية من الفرص التي أتاحتها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لدعم اقتصاديات هذه الدول وتحقيق معدلات غير مسبوقة في خطط التنمية بها. وتم في هذا الإطار وضع السياسات اللازمة، وإرساء الإرشادات اللازمة لتنفيذها وتطوير خطط عمل إقليمية ووطنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات كجزء من أهدافها التنموية الشاملة. كما أن التقدم خطوة بخطوة في العملية التنظيمية وما يتضمنه ذلك من استراتيجية منسقة ومتعددة الأفرع يعد أمراً أساسياً لتطوير هذا القطاع.
ويلعب كل من التعليم وفرص الاستثمار وتوافر البنية التحتية ونقل التكنولوجيا للدول النامية دوراً كبيراً في التقدم في هذا المجال. مع الأخذ في الاعتبار إتاحة التقنيات المتقدمة والبرمجيات للدول النامية، وإشراك الدول النامية في برامج البحث والتطوير العالمية في مجال تقنية المعلومات. وتتجه النية في البلدان العربية لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كعنصر التقدم الرئيسي نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتهدف هذه الوثيقة إلى بناء منطقة تستفيد استفادة كاملة من خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بحلول عام 2008.
وإذا أراد قادة العالم وصناع السياسات تطبيق هذا المجتمع بفاعلية وعدالة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية يجب أن يكونوا صادقين مع أنفسهم في رؤيتهم للشعوب وإتاحة الفرص العادلة لهم. ولذلك يحتاج قادة العالم وصناع السياسات إلى المشاركة في المعلومات والخبرات، وإلى اتخاذ موقف جماعي حاسم حول توازن مصالح الأطراف المختلفة في العالم وإلى صياغة رؤية مشتركة لبناء مجتمع المعلومات وفي الوقت ذاته احترام تنوع الهوية الثقافية وتقديم فرص متساوية للتنمية للجميع بما في ذلك ضمان ما ورد في إعلان الألفية بشأن التزام الدول المتقدمة بتقديم نسبة 0.7% من ناتجها القومي للتنمية في الدول النامية.
وتبرز هنا القمة العالمية لمجتمع المعلومات كفرصة فريدة من نوعها لقادة العالم والأطراف الرئيسية كي يلتقوا في تجمع عالي المستوى سعياً وراء نوع من الإجماع على “رؤية مشتركة وفهم أفضل لمجتمع المعلومات، وتبني إعلان مبادئ وخطة عمل”.
ادوار القطاعات المختلفة في بناء مجتمع المعلومات
يجب تحديد الجهات وتوزيع الأدوار وتحمل المسئوليات في مجتمع المعلومات بين الأطراف المعنية. وفيما يلي وصفٌا للأدوار الرئيسية للقطاعات المشاركة: الحكومة، والقطاع الخاص والمجتمع المدني، والجهات المانحة والمجتمع الدولي، ومسؤولية كل جهة في غرس بذور مجتمع المعلومات.
دور الحكومة
تتحمل حكومات الدول العربية المسئولية الأعظم في تنمية مجتمع المعلومات الإقليمي وملئ الفراغات التي ظهرت وسببت الفجوة الرقمية، وذلك من خلال آليات صنع السياسات الخاصة بها. وتتفاوت هذه الفجوات علي أساس التعليم ومستوى الدخل، والنوع (gender) وعدم التوازن بين الريف والحضر، الخ.
وتسعى حكومات الدول العربية بدراسة وتعديل التشريعات والقوانين ذات الصلة بالمعلومات والاتصالات والتكنولوجيات إقراراً بأنها تمتلك القدرة على استثارة عملية النمو وخلق فرص هائلة للتوظيف ولجذب الاستثمارات على كلا من المستويين المحلي والأجنبي. وفي المقابل، يتطلب الاستثمار والأنشطة الاقتصادية المحسنة بنية تحتية أفضل وقدرات بشرية لها مهارات خاصة، وتسعى حكومات الدول العربية حثيثا على تفهم هذه العلاقات وتعمل على توجيه المنطقة صوب التنمية الدائمة المستمرة باستخدام الوسائل الحديثة مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإنترنت والتطبيقات الأخرى لمجتمع المعلومات.
دور القطاع الخاص
أن القطاع الخاص له دور فاعل في قلب مجتمع المعلومات على المدى الطويل، فالشركات الخاصة قادرة على الارتقاء بالأنشطة وبلوغ تأثير أكبر عما تستطيعه الحكومات أو الجهات المانحة منفردة. ولذلك يجب دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص أملاً في تحقيق أكبر عائد من استخدام البنية التحتية القائمة وتلك التي سيتم إنشاؤها، ومن الاستثمارات الجديدة، والإدارة التنافسية الكفء. ولدعم الاشتراك المتزايد للقطاع الخاص، فإن حكومات الدول العربية كل وفق رؤيته الخاصة سوف يعمل على الأخذ بزمام المبادرة في عملية تحرير القطاعات المتعلقة بالمعلومات وتنفيذ هذه المبادرات، حيث أظهر التحرير في قطاع الاتصالات اللاسلكية عوائد إيجابية.
دور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية
يجب التعامل مع المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني على أنها عناصر محورية في تكوين مجتمع المعلومات ومن المتوقع أن تلعب هذه المؤسسات دورا مؤثرا في عملية التغيير فهي الأقرب لقلب المجتمع، فبإمكان المنظمات غير الحكومية أن تزيد من تأثير التغير المطلوب في المجتمع بفاعلية.
دور المجتمع الدولي والجهات المانحة
إن التنمية أثناء النظام الثنائي القطبية في مجال المجتمع المعلوماتي كان يأخذ شكل توفير المساعدات المالية والفنية المجهزة خصيصاً لمشاريع بعينها. من ناحية أخري، يجب أن تأخذ هذه التنمية شكلا مختلفا في مجتمع متعدد القطبية، في هذا النظام، يساهم المجتمع الدولي، وخاصة هيئات الأمم المتحدة والبنك الدولي، إسهاماً جوهرياً في تنفيذ التكنولوجيات الجديدة.
إلا أن أغلب الجهات المانحة تتحول اليوم إلى تنفيذ استراتيجيات شاملة للتنمية أكثر من توجهها نحو مشروعات منفردة، ومظاهر التحول الأساسية هذه تتمثل في مجالات الاستمرارية وإشراك كل أطراف المجتمع.
ولطالما طالبت حكومات الدول العربية بتوظيف نسبة أكبر من مساعدات التنمية محلياً وعن طريق شركات أهلية، وليس من خلال شركات أجنبية. وتزيد هذه الاستراتيجية من توليد فرص للتوظف وتنشئ طلباً على الخدمات وتقديمها، كما أنها بشكل عام توجه مساعدات التنمية نحو منهج معنى أكثر بالأعمال ومصمم لضمان الاستمرارية الفنية فيما وراء مداخلات الجهات المانحة.
وهناك دورٌ آخر للجهات المانحة له أهميته أيضاً وهو كفالة تنفيذ الأهداف الألفية للتنمية (Millennium, Development Goals MDG) في أوقاتها المحددة. وبما أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تعد عاملاً حيوياً في تنفيذ هذه الأهداف ضمن مجتمع المعلومات، فمن الأهمية بمكان المراقبة عن كثب لتأثير المبادرات التي تدعمها الجهات المانحة والنشر الواسع لأفضل الممارسات.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان