لا يختلف أحد على أهمية معرض القاهرة الدولي للكتاب باعتباره أعرق وأكبر معرض في الشرق الاوسط. وقد انتهت دورته الـ 51 منذ ايام، حيث بدأت دورته الأولى عام 1969 مع احتفال القاهرة بعيدها الألفي. وقد زار المعرض خلال دوراته عشرات الملايين ، ولم يخطر على بال أحدهم من صاحب فكرة هذا المعرض الذي تحول لأهم حدث ثقافي في المنطقة العربية .
واختلف البعض على اسم صاحب فكرة المعرض فالبعض قال الدكتورة سهير القلماوي واخرون قالوا اسلام شلبي . وازال هذا اللبس الباحث في التاريخ الثقافي محمد سيد ريان في كتابه (حكاية أول معرض دولي للكتاب) ونقل عن وزير الثقافة في ذلك الوقت الدكتور ثروت عكاشة قوله في مذكراته :” قدم إلي الفنان عبد السلام الشريف مقترحاً حول ضرورة إقامة معرض دولي للكتاب في مصر ، وأشرت علي المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر بتبني الاقتراح ، فاتصلت بسوق الكتاب الدولي المعروف في ليبزج، وأرسلت مندوبها الأستاذ إسلام شلبي للتمهيد إلي إقامة معرض شبيه به علي النطاق العربي، ليربطها بحركة نشر الكتاب دوليا”.
وخلاصة القول ان صاحب الفكرة الفنان عبد السلام الشريف ، وتم تكليف الكاتبة والباحثة الدكتورة سهير القلماوي بالإشراف على إقامة أول معرض للكتاب ، ونفذ الفكرة عمليا الاستاذ اسلام شلبي.
فمن هو الفنان عبد السلام الشريف؟الإجابة وثقها الباحث محمد ريان في كتابه بقوله :” الفنان عبد السلام الشريف هو الأب الشرعي والمؤسس الأول لفن التصميم الطباعي في مصر في مجال الإخراج الصحفي أو الكتب أو الإعلان أو الملصقات، كان الشريف فناناً مؤسساً ورائداً للمهنة بحق بعد ان انتزعها بجدارة وكفاءة وبراعة من أيدي الحرفيين الأجانب الذين كانوا يحتكرون السوق ، ونقلها نقلاً إلي ما يسمي فن الطباعة أو بمعني آخر إلي فن المثقفين بعد أن كانت فن الحرفيين”.
ولد عبد السلام الشريف في 2 مايو عام 1910 في المينيا والتحق بمدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1930، وكان أول طالب يقبل فى قسم الزخرفة وتخرج فى عام 1935 ، وحصل على شهادة الأهلية للتربية الفنية عام 1936. وعمل لعدة سنوات في تدريس الرسم بالمدارس الابتدائية والثانوية .وتشير وثائق وزارة الثقافة أنه أول المشتغلين بالسينما من خريجى الفنون الجميلة فقام بعمل ديكور لعدة أفلام وتصميم الملصقات وأول المقدمات المتحركة للأفلام فى مصر . وقام بعمل التصميم الأول لصدور مجلة الرسالة مع الأستاذ أحمد حسن الزيات كذلك مجلة اللطائف المصورة والعروسة ومجلتى وجريدة الأخبار والأساس والجريدة المسائية والأسبوع والجمهورية والأخبار والمساء والشعب والجماهير السورية والتحرير وبناء الوطن ومجلة آراب ريفيو والشهر وبنت النيل والصرخة وجريدة الإنذار بالمنيا ومصر الفتاة ونداء الحرية ومجلة أكاديمية البحث العلمى ومجلات وجرائد دار التعاون.
وتكشف وثائق وزارة الثقافة ان الفنان عبد السلام تولة وظائف كثيرة اهمها : رساما ورئيس القسم الفني بالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية للاشتراك مع البعثة الفرنسية لتسجيل حفائرها بالكرنك وسقارة1942 ، مدرسا بقسم الفنون الزخرفية بكلية الفنون الجميلة عام 1944، أسس المعهد العالي للنقد الفني لدراسة تذوق الفنون عام 1970 وكان اول عميدا له ، عمل أستاذا للإخراج الصحفي بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة الملك عبد العزيز بجدة 1976حتى 1981 .
كما شارك في عضوية لجان اختيار الأفلام المصرية للجوائز وللعرض بمهرجانات السينما بالخارج. ولجان جوائز الدولة وجائزة الإبداع الفني ولجان تحكيم المسابقات والجوائز الرسمية. وفاز بجائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 1992، ثم وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي عام 1995.
رحم الله الفنان عبد السلام الشريف الذي توفى بالجيزة يوم 26 نوفمبر عام 1996 عن عمر يناهز 86 عاما ،وترك لنا سيرة ثرية تراثا فنيا جدير بالاحترام والتقدير . وقد اجمع زملائه وتلامذته وكل من تعامل معه على ان الفنان عبد السلام الشريف كان تجسيدا عمليا لمقولة (الفن والأخلاق صنوان لا يفترقان).