مدرس،من ريف أحد المحافظات القريبة من القاهرة، رقيق، عاطفي، طيب، تزوج من قاهرية من حي شعبي رزقا بولدين ،سافر للخليج ، عمل لمدة عشرين عاما ،كان يترك لنفسه القليل ،يرسل الباقي لزوجته ،أوكل إليها إدارة أمواله ،حذره صديق عمره المهندس رفيق غربته قبل عودته لمصر ،وتأسيسه مصنعا كبيرا ، من توكليها في إدارة أمواله ،ترك الحبل على الغارب،لم يستمع إليه، حتى الإجازات كان يقضيها بالعمل ليكسب مالا أكثر ، الزوجة اشترت فيلا ،أصبحت عضوة بأكبر النوادي،تعلمت ركوب الخيل ،مهتمة بنفسها ، تحسبها نجمة من نجوم الفن ،تخرج ولداه مهندسين ، أخبرها بقراره العودة ،الاستقرار بين أسرته لينعم بثمرة كفاحه ، لم تتحمس كثيرا ، فجأة وقفت سيارة الأجرة أمام باب الفيلا ،رن الجرس، فتحت ،منعته من الدخول ،لامكان لك بيننا ،فلقد خلعتك ،انصرف في هدوء ،وإلا استدعيت الشرطة ، وقف مذهولا باكيا ،دارت به الأرض ضاقت ،ضاقت، أين سيذهب ؟،لم يجد سوى صديقه المهندس، ألم أنهاك؟!! ،ألم أحذرك؟!! ،لاعليك ستقيم في الشقة الملحقة بالمصنع ،نعم هي شقة صغيرة لكن تفي بالغرض،ستعمل مديرا للمصنع ، اصبر وماصبرك إلا بالله.
لم يفتها أن تزرع كراهية الولدين لأبيهما ،ساعدها على ذلك طول غربته بالخارج ،انعدام الحوار بينهم ،تضخيم أي خلاف بينه وبينه ،الشكوى الكاذبة لأولادها من تسلطه،بخله ، أغدقت العطاء لأولادها ،لم يستشعروا إلا وجودها ،أما الأب فهو ليس أكثر من ممول ،لذا لم يناقشاها فيما فعلته بأبيهما ، عاشت حياتها على حريتها ، لديها الفيلا،النادي،سيارتها،سائقها الخاص ،متوسط العمر ،أنيق،حلو اللسان،بهي ،كانت تفضل الجلوس بجانبه في المقعد الأمامي،حديثه يطربها ،فجر فيها مشاعر شيطانية ،فجرت أنوثتها ،تصرفت كما لو كانت في أوج مراهقتها ،تعلقت به، كان يلمح دوما بتعلقه بها ،حرصها على عدم التغيب،فلقد اعتاد على مرآها اليومي،رويدا ،رويدا ،تأججت المشاعر ،تزوجت عرفيا من سائقها،فجر ينابيع الأنوثة لديها،أسلمت له قيادها ، حتى أعطته توكيلا بالتصرف في كل ممتلكاتها، كي لاتشغل بالها بشيء ،لتتمتع بحياتها ،هجرها ولداها ، رافضين تصرفها،لم يجدوا غير أبوهم ،بحثوا عنه ،احتضنهما ،أقاما معه في شقته الصغيرة ،عينه صديقه مهندسين في مصنعه.
في عنف وضراوة ،استولى السائق على كل ممتلكاتها ،باعها ،طردها ،مزق اوراق الزواج العرفي،طلقها، خرجت صفر اليدين، سارت هائمة على وجهها لاتعرف أي وجهة تتجهها ،ولا أي مكان تلجأ إليه ،سقطت مغشيا عليها في الطريق،نقلها المارة للمستشفى القريب، أفاقت،دلتهم على عنوان ولديها المقيمين مع أبيهما، ذهبا إليها ومعهما الأب ،أصر رغم اعتراض ولديها على اصطحابها معه لتقيم في الشقة الصغيرة، خاصة بعد أن علم من الكبيب أنها تعاني من سرطان في خلايا الدم في مرحلة متقدمة ، عقد عليها ، تزوجها ثانية ،ليقوم بخدمتها في محنتها ،عرض على صديقه صاحب المصنع أن يعمل نصف الوقت ليكون لديه وقت لخدمتها ،لكنه وظف إحداهن لخدمتها ، دفع أجرها من جيبه الخاص، حتى وافتها المنية .