ذهبت بمفردي أسير ببطء ولامبالاة كعادتي حين أبذل كل مافي وسعي ثم ألقي للأقدار بالكرة لتلعب هي دورها في ملعب الحياة الغريب هذا.
دلفت غرفة الإدارة ،سلمتني المديرة ورقة فيها شهادة تخرجي من السادس الإعدادي بمعدل عال وبترتيب( الثالثة) من بين الطالبات الأوائل على المدرسة .
بوجه لاينم عن أي إنفعال حملت الورقة بيدي وخرجت ،قابلتني إحدى زميلاتي في الرواق أمام إدارة المدرسة وهي ترتجف رعبا خوفا مما خبأه لها القدر ،مدللة، مجتهدة، ترعاها والدتها التي تقف لصق كتفها بحنان كبير وقد أغدقت عليها كل إسناد الكون المعنوي .
سألتني بفضول قفز من عينيها قبل لسانها وشد معه فضول هارب من عيني أمها:
ها ، قولي مالأخبار؟ لقد نجحت
ماذا ،طبعا نجحت ومن سينجح غيرك لكني أسأل عن المعدل المعدل يمعودة اها ..نعم ٩٥
وبنظرة حسد حاولت إبتسامة تهنئة مراوغة أن تخفيه فلم تفلح قالتا لي:
_مبروووك
وبنفس الوجه عديم الإنفعالات أكملت طريقي سيرا على الأقدام وحيدة نحو المنزل .
نعم هنالك فرح اتسع كثيرا حتى فاض من قلبي وتبدى لكنه فشل في أن يصبغ مشيتي أو وجهي بشيء مختلف عن اليوم الذي قبله.
بروود ظاهري تام
دخلت ،سألوني ها بشري؟
_نعم ٩٥ ، إنها كلية الطب أخيراا ،الحمد لله .
سمعت كلمات مثل
(مبرووك ..حتصيرين دكتووورة ..لج انتي شنو دودة مال قراية)
والتقطت إبتسامة فرح حقيقية مدافة بالدهشة والحنان على ثغر أمي التي التحفت الدموع دهرا حتى صار الحزن لون أيامها الأوحد.
تركتهم ،دخلت، أبدلت ثيابي ووضعت على جسدي (ثوب البيت) واستأنفت ماكنت قد بدأته قبل أن أخرج لإستلام شهاة السادس الإعدادي.
كنست البيت ،مسحت البلاط ثم مسكت الفرشاة ورحت ادعك الحمام ككل يوم .
شاهدتني أحدى القريبات ،ضيفة متكررة على المنزل ، بالكاد أكملت دراستها الإعدادية ودخلت معهد متواضع وتخرجت منه بعد عدة ضربات جزاء، رمقتني بنظرة استهجان وقالت:
(يويل راح تصيرين دكتورة وكاعدة تنظفين الحمام ،هو هذا مستواج!!!)
ببرود معهود ودون أن أتوقف عن الدعك قلت :
_عادي من واجبي أن أساعد أمي في التنظيف وهذا ماأفعله كل نهار أثناء العطلة الصيفية، نعم سأصبح طبيبة لكن لاأعتقد أن أذنا ثالثة ستنبت لي من رأسي أو أصبع سادس سيخرج من قدمي اليسرى ولن تتحرك جبال الألب من مكانها ..هو فقط حلم اجتهدت كثيرا في تحقيقه بلا أية مساعدة وبفضل الله وإرادته تحقق.
شزرتني بكثير من الإشمئزاز من غرابتي وشذوذي في نظرها ثم لفت رأسها وأدارت لي ظهرها تاركة أياي وأنا أبتسم وحيدة للدوبامين المتدفق في دمي بصمت ،منتشية بحلم تحقق زادني قوة وسعادة غير مرئية فرحت أدعك الحمام بالفرشاة دعكا مضاعفا حتى (طلعت روح امه).
أحيانا تتحقق الأحلام الكبيرة حين تنظر من زاوية لاينتبه لها الآخرون .
الإجتهاد مع الصبر،التسليم والقبول، وكونك طبيبا أو وزيرا أو ملكا فحمامك لابد أن يبقى نظيفا على ما أعتقد