اعتقد أن العلاقة بين ماهية التسامح، وفلسفة الأمن الفكري، تقوم على تحقيق السلامة على مستوى الفرد المجتمع، بل وبين المجتمعات؛ رغم التباين الثقافي بمفرداته، والغور الحضاري بتجذره، وهنا نستخلص هدفًا مشتركًا بين المفهومين، يتمثل في شيوع الأمن، والأمان، والخروج من دوائر القلق، أو الخشية، أو الخوف، أو الفزع؛ بالإضافة إلى أن تمركزهما، في موضع ما فضل الله به الإنسان على سائر مخلوقاته، وهو العقل واتساقه مع الوجدان.
والإيمان بالتعددية، والتنوع، أحد مقومات الأمن الفكري، ومرتكزًا رئيسًا لثقافة التسامح بين الناس، وهذا يبرهن على سلامة الفكر، وبعده عن منعطف التعصب والتمييز؛ ومن ثم يفتح للإنسان مدخلًا رئيسًا لتعزيز لغة التفاهم مع الآخر، في أي مكان وزمان، كما يحقق معادلة التكامل، التي تبدو واضحة في تبادل الخبرات في شتى المجالات، وهذا في حد ذاته استثمارًا للعلاقات بين بني البشر على وجه المعمورة.
والدعوة للتسامح ترقى إليها عقول، تمتلك حقيقة الوجود، وفلسفة الاستخلاف في الأرض؛ حيث إننا بني البشر جميعنا لآدم، وهذا الانتساب يؤكد أهمية التواصل، ويحض على ركيزة لا غنى عنها؛ ألا وهي حفظ الكرامة التي منحها رب العالمين للإنسان، منذ بدء الخليقة، وهنا نعي أهمية قيم التسامح، وأثره الفاعل في بناء فرد يمتلك فكرًا رشيدًا، يستطيع من خلاله أن يخلق مناخًا مواتيًا يسهم في تحقيق غايات نبيلة تصب في مصلحة البشرية.
وإذا ما كانت الدعوة للأمن الفكري من منطلق تصويب المسار، وتبني صور السلوك المرغوب فيه، داخل المجتمعات الإنسانية، وهجر كل ما من شأنه، يؤدي للانحراف، سواءً أكان فكريًا، أم عقديًا، أم نفسيًا؛ فإن قيم التسامح تعمل على تحسين العلاقات، بمزيد من ممارسة أوجه البر، والمعاملة الطيبة، مع الآخر؛ وبالتالي ترتقي المشاعر وترق، وتقل حدة المعاداة غير المبررة، ويتفهم الجميع ماهية الحياة، التي تقوم على المودة، والرحمة، والأخذ، والعطاء.
إن الأمن الفكري يُعد مقوم رئيس في بناء شخصية إنسان، يتمكن من الانخراط في شتى مناشط المجتمع، بل مشاركًا له همومه، مهتمًا بقضاياه، سالكًا السبل؛ من أجل إيجاد حلول، تتسم بالابتكار؛ بغية التغلب على ما يعاني منه من مشكلات وتحديات، وهذا يمكنه أن يحدث في وجود مناخ داعم، مفعم بقيم التسامح، وممارساته الرصينة، التي تشعره بالمسئولية، وتؤكد عليه القيام بواجباته، والمطالبة بحقوقه المشروعة، عبر المنابر المعدة لذلك، وهنا يتكامل سياج الاستقرار، الذي نحقق في خضمه النهضة، والتقدم، والرقي، والازدهار في جميع مجالاتنا.
نحن في أشد الاحتياج لصفاء النفوس، ونقاء السريرة، وخلو الفكر من كل مشوب؛ كي نحسن العشرة مع الجميع، ونتعامل بخلق حميد، بل ونراعي الجيرة والجوار، ويصبح في اتصافنا القيمي لطافة التعامل، والكلام الرائق في سياقه؛ لنحدث أثرًا في الآخرين؛ ومن ثم نتبادل مشاعر الإنسانية، التي من شأنها تعزز ماهية قيم التسامح، وتعمق صور البر، والمودة، وتضمن بقاء بني البشر في سلم، وسلام، وأمن، وأمان، واستقرار.
ما نجنيه من التسامح ليس بالقليل، بل يُسهم في بناء إنسان، لديه قيمة الصبر والمثابرة؛ من أجل أن يبني، ويعمر، وينهض، في بيئةٍ زاخرةٍ بالانتماء، والولاء، والمحبة، والأخوة؛ حيث يمتلك فكرًا راقيًا مستنيرًا، يحافظ من خلاله على تقدمه ونماؤه، ويلتزم بمبادئ العدالة والمساواة، والاحترام، والأمانة، والصدق، والشرف، والنزاهة، والشفافية، والشعور بالمسئولية، وغير ذلك مما ندركه من أصول بناءٍ كامنةٍ في حضارتنا الراسخة.
نزعم بأن التسامح وممارساته المحمودة دليل وبرهان على توافر الأمن الفكري لدى الإنسان؛ ومن ثم ينبغي الاهتمام بتعزيز كل ممارسة تؤكد هذه القيمة النبيلة بين شبابنا الواعد، الذي يستطيع أن يصنع مستقبله، بما يمتلكه من تفرد مهاري، وإرادة، وعزيمة، وطموح ليس له حدود.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر