يصف السياسيون والعسكريون الازمات الدفينة قبل اندلاعها بأنها تشبه قمة جبل الجليد ..يظهر منه جزء فلايعيرونه اهتماما باعتباره كتلة ثلجية طافية..ثم عندما يحدث الاصطدام يتنبه الجميع الي خطأهم بعد فوات الاوان..هذا الجبل لم يكن خافيا علي القاهرة وهي تفاوض فريق أثيوبي يتقمص الدور الاسرائيلي في محادثات 27 عاما مع الفلسطنيين ..ظل الاثيوبيون طوال 60 شهرا يماطلون ويراوغون ويتنصلون..وتمسكت مصر بحقوقها وفق القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة..أن الظروف التي وقعت فبها مصر اتفاق المباديء عام 2015 والذي يعتبره كثيرون اساس المشكلة ،ينبغي النظر اليه في ضوء المتغيرات الافريقية والدولية التي احاطت بشرعية الدولة المصرية بعد 3 يوليو 2013.. ومع ذلك يخطيء من يتصور أن الدولة العميقة في مصر بخبرتها القانونية والدولية تفاجأت بالتعنت والتعسف المتعمدين من اديس ابابا ومماطلتها..
تسلحنا بالصبر والشرح والضغط والوساطة مع القوي العالمية والعربية والافريقية.. وفشلنا وعدنا للمربع رقم واحد..مصر مطمئنة جزئيا الي مخزون بحيرة السد العالي الذي يكفيها علي الاقل 3 أعوام ،لكن موسم جفاف واحد قد ينقل المنطقة الي حرب مياة معلنة تستخدم فيها كل الوسائل والاسلحة لكن ذلك يتطلب تحركا دوليا وعربيا واقليميا يجهز المسرح لعمل اخطبوطي أو لا سوأ الظروف وهو ليس متوافرا الان..
ثم أن دفوع أثيوبيا الاخيرة بأن سلطتها مطلقة في ادارة وتشغيل وملء السد باعتباره في اراضيها ومشيد بأموال مواطنيها ،يدحضها القانون الدولي بالاتفاقية الدولية للانهار المتشاطئة التي تنبع وتصب في اكثر من بلد حتي لاتجور دول المنبع علي دول المصب أو المجري..تركيا مثلا تستخم سلاح المياة كأثيوبيا في بناء سد اتاتورك العظيم لتحجب جزءا كبيرا من مياة دجلة والفرات عن سوريا والعراق.
لكن انقرة تتغرض لضغوط من دول قوية كروسيا وايران لفرملة المشروع حتي لا تندلع حرب مياة في شرق المتوسط الذي يعاني من الارهاب وتصديره لاوروبا وربما يصبح الحال كذلك اذا عطش 100 مليون مصري وهددتهم المجاعة يوما ما..
ويسأل البعض هل تعرضنا لخديعة في المفاوضات مع أثيوبيا ..رأيي أنه حتي لو كان لدي ملاحظات كثيرة علي اداء الدولة الاجتماعي والاقتصادي ،الا انهاليست بالسذاجة أو الغفلة التي يتصورها البعض..زيارة قصيرة قام بها رئيس المخابرات اللواء عباس كامل لسلفا كير رئيس جنوب السودان حاملا رسالة من السيسي ومساعدات عاجلة لانقاذ جوبا من أضرار الفيضانات ..تصرف لم تقدم عليه السودان أو أثيوبيا وفصل جنوب السودان عن الخرطوم في ملف المياة بعد أن أظهرت السودان نواياها الخبيثة تضامنا مع اثيوبيا..
وأعود لادعاء ملكية اثيوبيا للسد فانه لايعفيها من أعباء قانونية ودولية أهمها عدم الاضرار بالغير ..مصر متنبهة منذ البداية الي سوء نية ومكر الحبشةحيث أصرت في اعلان المباديء علي التأكيد انه سد لتوليد الكهرباء والتنمية الاقتصادية أي للري والزراعة والتعدين ..ومع ذلك ظلت تتمسك بحبال الصبر وحسن النية تماما كما تعاملت مع التعنت الاسرائيلي في قضايا كثيرة مثل طابا وغزو لبنان وتدمير غزة واستفزازات حماس وغيرها..سيقول قائل أثيوبيا ظلت تماطل وتراوغ..تبتسم وتقسم وتعانق ثم تستدير لتطعن وتهرب لتفرض الامر الواقع الذي لانكوص عنده..
وأزعم أن بلدي غيرت الامر الواقع من أول احتلال سيناء الي تولي الاخوان ثم قطع العالم كله علاقاته الدبلوماسية معنا ..انتصرنا علي ذلك كله..
اثيوبيا مخلب القط هذة المرة لاسقاط مصر وهي تعلم جيدا محدودية الضغوط الامريكية عليها ومن ثم استخدمت تلك اللهجة الخشنة المتحدية..واذا كانت اديس ابابا تعتقد أنها سحبت مصر الي مربعها وجعلت مراحل التفاوض كلها تحت رحمتها وأن السلطة في مصر غير قادرة علي حماية البلاد فهي مخطئة تماما ..مصر شعبا وجيشا يعلمان انها معركة مصير لاتقل عن سوابقها ..هذا الكلام ليس انشائيا ولاحنجوريا فهذا ليس ديدني وانما يستند الي بيان وزارتي الخارجية والري المصريتين الاخير وجاء فيه”أن ملكية اثيوبيا لسد النهضة لاتجيز لها مخالفة القانون الدولي والالتزامات باتفاق المباديء والافتئات علي حقوق ومصالح الدول التي تشاطرها نهر النيل..هذا توجه جديد للدبلوماسية المصرية في التعامل مع ملف الامن القومي المصري الذي بدأت المخابرات العامة الدخول بثقلها فيه واستنادا الي ملفات سابقة في أرشيفها..
وقبل أن نلجأ للحل الذي يبدو أنه ليس منه بد هناك ولاية قضائية ثابتة لمحكمة العدل الدولية للبت في نزاعات الدول حول الموارد الطبيعية بشرط رضا الاطراف المتصارعة..طبعا اثيوبيا سترفض خوفا من صدور قرار لصالحنا ..هنا يمكن لمصر استخدنم الا ختصاص الثاني للمحكمة وطلب اصدار فتوي قانونيةللافادة بها في تحركاتنا الرامية الي حشد رأي عالمي مؤازر عالميا واقليميا وعربيا..
أن مصر عندما احجمت عن طرح خلافها مع أثيوبيا علي جدول أعمال الاتحاد الافؤيقي اثناء رئاستها له ولا علي مجلس الامن والسلم الافريقي لم تكن ضعيفة بقدر ماكانت حريصة علي وحدة الصف الافريقي ..لكننا سنكون في حل من أي التزام بعد انتهاء رئاستها للاتحاد الافريقي ..
لقد جربت مصر المفاوض الامريكي وخذلنا حتي الان فكما ننوع مصادر السلاح علينا أن ننتقل الي معسكر اخر بعيدا عن واشنطون وياحبذا لو استقطبنا الصين وروسيا ..
لابد أن يعي الجميع حقيقة أن اي نظام حكم لايتحمل خسارة معركة النيل ولن تنجح تبريرات أو تطمينات في احتواء غضب طبيغي ..اعتقادي أن هناك كروتا رابحة لادارة الازمة لن تظهر الان ..
علي اية حال لابد من قطع المفاوضات فورا والاستعانة بطاقم جديد من الوزراء المختصين يبدأوا بالانسحاب من اعلان الخرطوم وتنفيذ خطة فورية للبحث عن مصادر جديدة للمياة الجوفية بدون الاعلان عنها والاستفادة من الامطار المهدرة وانقاذ النيل من التلوث وهي مشروعات أهم من غيرها ..اما الخيار العسكري المستبعد فيجب أن يكون داخل تحالف عربي بطابع دولي كما حدث مع السعودية في اليمن ولغرض تكتيكي وليس لاسقاط النظام الاثيوبي ..ربنا يستر..