على الرغم من أن العالم اليوم على اتصال أكثر من أي وقت مضى، إلا أننا مازلنا نفتقر إلى نظام صحي عالمي، يمكنه ردع التهديدات المرضية في مهدها. فلوقف تفشي المرض، يتم الاعتماد على سلطات البلد الذي يبدأ فيه الفيروس بالانتشار. وإذا فشلت في ذلك، فسيصبح الكوكب بأكمله عرضة للخطر. وعلى الرغم من أننا نعلم أن المزيد من الفيروسات آنية، إلا أنه لا يمكننا التنبؤ بموعدها أو مكان حدوثها. فمعظم حالات تفشي الفيروسات والأمراض المعدية تأتي على حين غرة. أيضًا لا يمكن احتواء الأمر ومعالجته بسهولة إذا ما تفشت هذه الأوبئة في المناطق الفقيرة ذات النظم الصحية الضعيفة. فعدم وجود أنظمة توعية الناس بأهمية ووسائل النظافة والصرف الصحي، وكذلك الكثافة السكانية، كلها أسباب تزيد من خطر انتشارها. وفي الوقت نفسه، تعاني العديد من البلدان الفقيرة من هجرة العقول وخصوصاً العاملين في المهن الصحية.
على مدار الخمسين سنة الماضية، زادت حالات تفشي الفيروسات ومنها القاتلة وأصبح انتشارها سريعاً، وأحدثها فيروس كورونا، الذي انتشر في الصين، وانتقل إلى عشرات الدول الأخرى.
نحن نعيش على هذا الكوكب بكثافة سكانية أكبر من أي وقت مضى، إذ يبلغ عدد سكان العالم حالياً 7.7 مليار نسمة تقريبًا، وهذا الرقم في تصاعد مستمر. ونحن نعيش أقرب فأقرب إلى بعضنا البعض.
فكلما زاد عدد الأشخاص في مساحات صغيرة، كلما ارتفع خطر التعرض لمسببات الأمراض التي تسبب المرض. فالكثيرين يعيشون في مناطق عشوائية فقيرة، تفتقر لخدمات الصرف الصحي والمياه النظيفة، لذلك، ينتشر المرض بسرعة. أيضًا بوجود وسائل النقل كالطائرات والقطارات والسيارات، يمكن للفيروس أن ينتقل إلى جميع بلدان العالم في أقل من يوم واحد. ففي غضون بضعة أسابيع فقط من تفشي فيروس كورونا، اُشتبه بانتشاره في أكثر من دولة. يُذكر هنا أنه في عام 2019، نقلت شركات الطيران 4.5 مليار مسافر. ولكن قبل ذلك بعشر سنوات، كان العدد 2.4 مليار. لذلك في عالم يمكننا فيه السفر حول الكوكب بأكمله في يوم واحد، يمكن أن ينتشر فيروس أنفلونزا جديد بسرعة أكثر بكثير.
عامل اخر مهم ففي الصين، تعد أسواق الحيوانات الحية واللحوم شائعة في المناطق المكتظة بالسكان. ويمكن لهذا أن يفسر سبب نشوء اثنين من أحدث الأوبئة هناك. ومع توسع مدننا أكثر، نقترب من المناطق الريفية حيث يتلامس البشر مع الحيوانات البرية. وقد انتشرت حمى لاسا بهذه الطريقة، فبعد أن قطع الناس أشجار الغابات لاستخدام الأراضي في الزراعة، لجأت الفئران التي كانت في تلك الغابات إلى البيوت آخذة معها فيروس لاسا.
لكن على الرغم من أننا نشهد المزيد من تفشي الأمراض أكثر من أي وقت مضى، إلا أن عدداً أقل من الناس يصابون بها ويموتون بسببها، وعندما تنمو الاقتصادات بسرعة، كما رأينا في الصين، تتحسن أساليب النظافة الأساسية والحصول على الرعاية الصحية. وكذلك نظم الاتصالات التي تنشر رسائل حول كيفية تجنب العدوى. وأصبحت الأدوية أفضل، ويمكن للمزيد من الناس الحصول عليها، كما أن الوقاية من الأمراض تحسنت وتطوير اللقاحات يتم بسرعة أكبر. وهناك تقدم كبير في اكتشاف تفشي الأمراض والحد من انتشارها فلقد أمكن لدولة مثل الصين بناء مستشفى يضم ألف سرير في غضون أسبوع، وهو ما كان سيبدو وكأنه خيال مطلق من قبل.
عميد طب المنيا السابق