وجعلنا من الماء كل شيء حي ٠
المصريين الاوائل ، اولئك الناس الذين عاشوا فى هذه المنطقة قبل التاريخ بأزمان طويلة . قد تحدوا الطبيعة فى أقسى وأعتى ما مر بها من تقلبات وتغيرات فى عصر يسميه علماء الجيلوجيا ، عصر الجليد ، حين حدثت تغيرات فى مواقع الكواكب أدت الى ارتفاع مد البحار فى شمال الارض ، فطفت مياهها تحمل الجليد على الارض ، وزحفت من الشمال الى الجنوب ، فغطى الجليد وتراكم فوق اجزاء فسيحة من أفريقيا وآسيا ، وقضى على ما فيها من نبات وحيوان ، وأنزل بها عصراً آخر هو (عصر الجفاف) ففر من يعيش فيها من الناس من شتى ما حولهم من الآفاق وارجاء الارض ، يلتمسون النجاة والبقاء .. الا منطقة واحدة لم يهرب أهلها ! .. لقد بقى أهلها فى أرضهم التى عرفت بعد هذا عبر التاريخ باسم (مصــــر)! بلاد وأقوام وقبائل كثيرة تمتد على ضفاف النيل ، وحول الانهر التى تصب فى النيل ، وعلى الروافد التى تتفرع من النهر الكبير.. لقد هب اولئك المصريون الاوائل يتحدون الطبيعة ، ويخترعون أول وأهم اختراع للانسان قديماً وحديثاً وهو النار .. وتوليد الحرارة .. ثم يخترعون الثياب يصنعونها من أوراق الشجر أو من جلود الحيوانات .. ثم يخترعون الزراعة بعد ما استطاعوا أن يثبتوا فى الأرض دافعوا وصدوا عنها الجليد الزاحف من الشمال.. ثبتوا فى أرضهم وأخذوا يزرعونها ، ويأكلون مما تنبت الأرض ومما تصنع أيديهم ، ثم أخذوا ينظمون أمورهم ويدبرونها .. وعندئذ بدأت الحضارة الانسانية ، وبدأ التاريخ . وفى تلك المرحلة الطويلة التى امتدت آلافا من السنين كانت الاقوام الاخرى تهيم فى أرجاء الارض .. فمنها ما باد واندثر .. ومنها ما تحول الى رعاة رحل ، أو تحول الى قناصة يصيدون الوحوش والحيوانات ! وهناك شبه واضح بين هؤلاء القوم المعاصرين الذين يعيشون فى أقصى مناطق الجنوب من السودان وبين قدماء المصريين ..شبه فى القوام والسمت ونسب أجزاء الرأس ، وفى الملبس .. بل وفى اللغة أيضا !.. ويبدو أن النمو الاجتماعى عند القبائل التى تقطن أعالى النيل وقف عند موضع تمكن فيه المصريون من اجتيازه قبل العصور التاريخية . ومع هذا كله . أفليس النيل منبع الحياة فى مصـــر ، وانه لولا هذا النهر لكانت مصر جزءا من الصحراء الكبرى.