أنه في ظل تداعيات أزمة فيروس “كورونا” المستجد واجه الاقتصاد المصري هذه الصدمة بمنتهي القوة دون تأثير، فهذه شهادة دولية ناجحة لصالح المواطن والدولة أيضًا بالنجاح الاقتصادي الذي تم تحقيقه على مدى السنوات الماضية. يعطى دلالة قوية وترجمة واقعية على سلامة الإجراءات والسياسات المالية والنقدية والاقتصادية التي تطبقتها خلال برنامج الإصلاح الاقتصادي والتطور الذي حدث في حجم الاقتصاد المصري،
حيث وصل حجم الناتج المحلي الإجمالي خلال موازنة العام الماضي إلى أكثر من 6 تريليونات جنيه، أن هذا هو أحد العوامل الذي تبنى عليه “موديز” توقعاتها إلى جانب وجود احتياطي أجنبي لدى البنك المركزي يغطى 8 أشهر من احتياجات الدولة المصرية رغم أزمة فيروس “كورونا” المستجد.
أن أزمة فيروس “كورونا” المستجد أطاحت بالعديد من الاقتصاديات الكبرى، إلا أن الاقتصاد المصري كافة المؤسسات المالية أكدت على أنه سيحقق نمو اقتصادي، وهذا يعتبر رسالة قوية لكافة المستثمرين بأن الاقتصاد المصري يتمتع بمناخ جاذب للاستثمار الأجنبي المباشر، والذي استطاعت مصر أن تقتنص 9 مليارات دولار خلال عام 2019 نتيجة لكافة الحوافز والتسهيلات الاستثمارية والضريبية، التي تمنح للمستثمرين ضخ المزيد من الاستثمارات داخل السوق المصري، بما له من فوائد في زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير المزيد من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
يجب العمل علي التنوع في الاستثمارات في المجالات الأساسية المتعلقة بالاستثمار في البشر والرعاية الصحية والبنية التحتية والتكنولوجية والاستثمار في مواجهة التغيرات المناخية والتعليم ومجالات الذكاء الاصطناعي. كما يجب أيضا وضع أولويات جديدة في الإنفاق العام في مجالات الصحة والضمان الاجتماعي ودعم مشاريع الشباب، واسراع الدولة في دعم العمالة غير المنتظمة وضرورة استكمالها بنظام الدخل الأساسي والتأمين الصحي الشامل. أن العديد من الفئات تستوجب دعم مادي واجتماعي لمساعدتهم في تجاوز الأزمة، بجانب معالجة الفجوة في الاستيراد والإنتاج لتشجيع الاقتصاد على الانطلاق وتصنيع السلع التي تستوردها مصر لدعم النشاط الاقتصادي.
أن العمل علي توطين الصناعات الهامة والاستراتيجية لمصر من الأمور الايجابية لأزمة كورونا، مع استغلال مزايا المناطق الاقتصادية مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في جذب المستثمرين وإقامة صناعات ذات أولوية للدولة وأهمها المشروعات التكنولوجية لرفع القدرات التصنيع وزيادة الصادرات.
لان الإشادات التي نالها الاقتصاد المصري من العديد من المؤسسات الاقتصادية العالمية، وذلك بعد الصعود القوي الذي شهده والنتائج الإيجابية التي تحققت في ضوء نجاح تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري, مما جعله يشكل زخماً كبيراً في التقارير الصادرة عن تلك المؤسسات الدولية. في ظل تولي الحكومة أولوية قصوى لأرزاق الموطنين وحسن أحوالهم كما يتبين من منهجها الذي يركز على ثلاثة أبعاد:
أولا، أُجريت زيادة كبيرة في مخصصات الإنفاق الصحي منذ بداية الجائحة، وتم توسيع تغطية برنامجي تكافل وكرامة اللذين يقدمان تحويلات نقدية مشروطة. وبالإضافة إلى ذلك، استحدثت الحكومة برامج جديدة لتقديم التحويلات النقدية للعمالة غير المنتظمة التي وقع عليها ضرر بالغ من الأزمة، وتوزيع المستلزمات الطبية والصحية على القرى الفقيرة. كذلك تعمل الحكومة مع منظمات المجتمع المدني لتقديم دعم إضافي للمحتاجين.
ثانيا، لضمان استمرار توفير الحماية الاجتماعية الضرورية، تعهدت الحكومة بحد أدنى من الإنفاق على البرامج الصحية والاجتماعية حتى تتوافر الموارد المطلوبة لهذه الخدمات الأساسية.
ثالثا، اجريت الحكومة مراجعة للإنفاق الاجتماعي – مع التركيز في البداية على الحماية الاجتماعية، ثم الصحة والتعليم – لتقييم مدى كفاية الإنفاق ودرجة كفاءته وتحديد المجالات التي تتطلب التحسين. وستكون هذه المراجعة بدعم من البنك الدولي.
الاقتصاد أصبح واحداً من أسرع الاقتصادات نمواً في المنطقة, مدفوعاً بثقة المستثمرين الدوليين في السندات المصرية لعوائد أرباحها”، وذلك في ظل تراجع معدلات التضخم وتحسن أسعار الفائدة بما يجعلها من أكثر الأسعار جاذبية في المنطقة وعلى مستوى العالم أيضاً، أنه ” على الرغم من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلا أنه من المتوقع استمرار نمو الاقتصاد المصري إلى 6% في السنوات القادمة, ولكن يتعين الموازنة بين الإنفاق المطلوب لمواجهة الأزمة من ناحية وضرورة تجنب الزيادة المفرطة في الدين العام من ناحية أخرى.
وبمجرد بدء التعافي، تهدف الحكومة إلى استئناف تخفيض الدين والحفاظ على استدامة المالية العامة على المدى المتوسط. ولتحقيق هذا الهدف، تقوم السلطات بتحديث استراتيجية الدين للحد من مواطن التعرض لمخاطر الدين كما تعمل على تعبئة الإيرادات الإضافية اللازمة لمواجهة زيادة الإنفاق الاجتماعي. والسلطات ملتزمة بالحفاظ على معدل تضخم منخفض ومستقر، وعلى مرونة سعر الصرف، والسماح بتعديلات في سعر الصرف على نحو منظم. ولا تزال الأولويات تتضمن الحفاظ على استقرار القطاع المالي مع استمرار الرقابة القوية والرصد الحثيث لما قد ينشأ من مخاطر مالية.
وقد تعهدت السلطات أيضا بمواصلة الإصلاحات الهيكلية التي بدأت في ظل “تسهيل الصندوق الممدد”. وعلى وجه التحديد، سيتم تحسين عملية الميزانية، وتسليط مزيد من الضوء على العمليات المالية للمؤسسات المملوكة للدولة والسلطات الاقتصادية، وتعزيز المنافسة بالعمل على تهيئة ظروف تتيح التنافس على قدم المساواة، وتعديل قانون الجمارك لتحسين مناخ الاستثمار في مصر.
قوة النمو الاقتصادي المصري وذلك بفضل توسع قطاعات استخراج الغاز والسياحة والتصنيع والبناء وتكنولوجيا المعلومات والاتصال, بجانب استمرار الزيادة في الاستثمار الخاص وصافي الصادرات, يذكر أن البنك الدولي هو مؤسسة دولية تقدم المساعدات المالية والتقنية لحكومات الدول النامية على مستوى العالم, استمرار الاستقرار السياسي والإصلاح الاقتصادي في مصر حتى بعد نهاية برنامج صندوق النقد, فضلاً عن توقعها استمرار الانخفاض التدريجي لمعدلات الدين والعجز المالي أن مصر قامت بإصلاحات اقتصادية كلية بالغة الأهمية نجحت في تصحيح الاختلالات الداخلية والخارجية الكبيرة وتحقيق تعاف في النمو والتوظيف ووضع الدين العام على مسار تنازلي واضح، ساهم برنامج الإصلاح الاقتصادي الجريء الذي اعتمدته مصر منذ عام 2016 مساهمة كبيرة في تعزيز صلابة الاقتصاد.
فكان النمو الاقتصادي قبل الجائحة أكثر من 5%، والاحتياطيات الدولية في مستوى مريح، والدين في مسار هبوطي. وكانت الحكومة قد شرعت في إصلاحات إضافية لتعزيز بيئة الأعمال واعتماد نموذج للنمو بقيادة القطاع الخاص من أجل زيادة خلق الوظائف. وقد سمحت هذه الخطوات للحكومة بإطلاق استجابة سريعة وشاملة للجائحة. ولكن هناك تحديات باقية رغم التقدم الملموس في تخفيض الفقر وعدم المساواة.
إن للأزمة الراهنة أثاراً ايجابية علي مصر في الأجل المتوسط، بفضل الاستثمارات الضخمة التي تم توجيها في مجالات البنية التحتية والصحة، بالإضافة إلي تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي والتطبيق الجزئي لمنظومة التأمين الصحي الشامل.
أن قطاع التكنولوجيا من القطاعات الواعدة التي تمتلك فرصاً كبيرة في مشروعات المالية بالتعاون مع البنك المركزي فيما يخص مشروعات الشمول المالي والربط الالكتروني وتسوية المدفوعات ونظم التمويل. ، أن مواجهة الدول للتبعات المختلفة لأزمة كورونا تستلزم إعطاء الأولوية للاستثمار في 3 قطاعات أساسية أهمها الاستثمار في البشر، ومجالات الصحة والبنية التحتية والتكنولوجيا.
أن الوضع في مصر أفضل من دول عديدة تعاني من أزمات سكانية، وارتفاع معدلات الفقر وأوضاع اقتصادية صعبة قد تخلق حرب عالمية ثالثة، وهي حرب تغير أسعار الغذاء وانهيار القطاع الصحي. إن مصر لديها منظومة صحية وبنية تحتية “جيدة” قادرة علي مواجهة المخاطر الصحية المستقبلية، بجانب امتلاكها خبرات للأطقم الطبية والممرضين، ونجحت في التعامل مع العديد من الأوبئة والأمراض المتوطنة مثل تجربتها في القضاء علي فيروس الكبد الوبائي والملاريا.
لا شك أنه بفضل المتابعة المستمرة لتنفيذ المشروعات ذات الأولوية لخطط الدولة تم اختصار وقت إتمام مشروعات واعدة في مصر في زمن قياسي، منها مشروعات في مجالات الصحة والتنمية العمرانية والبنية التحتية ومشروع نظام التأمين الصحي الشامل. أن أولويات الدول لمواجهة التحديات المستقبلية تشمل 10 مقترحات، تمثل”1+9″ وعلى رأسها القدرة علي الاستثمار في المجال الصحي و الطبي والإنفاق علي البنية الأساسية الصحية، كما يجب العمل علي زيادة القدرات الإنتاجية والصناعية المختلفة، واستغلال الطاقات المعطلة وإعادة توجيهها لتصنيع الملابس الوقائية، والتعاون الدولي في توفير اللقاحات والمستلزمات الطبية والاحتياجات الاستهلاكية. نتوقع مواصلة مصر الاتجاه الصعودي في معدلات النمو الاقتصادي، حتى تصل تدريجيًا إلى المستويات التي حققتها قبل جائحة “كوفيد-19″؛ والتي تقدر بنحو (5.5٪) على المدى المتوسط؛ رغم التأثير السلبي المتوقع على معدلات النمو خلال الربع الأخير من السنة المالية 2019/2020، وفي الربعين الأول والثاني من السنة المالية 2020/2021 – على افتراض أنه سيتم احتواء الأزمة بعد ذلك على المستوى العالمي، متوقعة أن تكون مصر قادرة على تحقيق معدل نمو سنوي يقدر بنحو (3.2٪) في العام المالي 2019/2020 و(2.4٪) في العام المالي 2020/2021، على أن تصل معدلات النمو إلى نحو (5.3٪) في السنوات التالية، لافتًا إلى أن قطاعات السياحة، والتجارة، والتحويلات المالية كانت الأكثر تأثرًا بجائحة “كوفيد-19”. في المقابل، من المتوقع أن تسهم اكتشافات الغاز الجديدة في حقل ظهر في تحفيز الاستثمارات بقطاعات الطاقة وغيرها من القطاعات الأخرى.
ونتوقع أن تنخفض فائدة الدين بالتوازي مع انحسار تداعيات الجائحة واستئناف النمو الاقتصادي، وهو ما ينعكس بشكل خاص في السياسة النقدية للبنك المركزي، التي وصفها التقرير بـ”المتشددة نسبيًا” حتى بعد خفض سعر الفائدة الحقيقي بنسبة 3.3% اعتبارًا من شهر أبريل الماضي، أن الحوكمة تُعد أمرًا جوهريًا لتعزيز التصنيف الائتماني في مصر، وقد شهدت السنوات الأخيرة بالفعل تقدمًا كبيرًا في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية، مما أدى إلى تحسن ملحوظ في منظومة الحوكمة.
أنه هناك فائص يغطي احتياجات مصر الاقتصادية والديون الخارجية مما ينصب بشكل إيجابي على الجانب الاستثماري، وخاصةً للمستثمر الأجنبي الذي يتابع التصنيف الائتماني لاقتصادات الدول لضخ المزيد من الاستثمارات أن هذا التصنيف الائتماني لمصر وثبات مستواه جاء في ظل انخفاض تصنيف بعض الدول العربية والعالمية أيضًا، فهذه شهادة ثقة كبيرة جدًا، ودليل على استمرار التحسن الاقتصادي. أن مصر من الأسواق الواعدة الكبيرة لنحو 100 مليون مستهلك، بجانب ارتباطها الوثيق وعلاقاتها المتميزة مع أفريقيا والصين.
إنه بالرغم من التأثير المتوقع والكبير لقطاع السياحة والسفر في مصر والعالم إلي ما بعد أزمة كورونا، إلا أن السياحة الداخلية قد تمثل فرصة جيدة في ظل الأزمة، مشيداً بالقرارات الاقتصادية للدولة في تخفيف الأعباء علي القطاع السياحي في تأجيل أقساط الديون وإسقاط الضريبة العقارية.
ونؤكد أهمية الاستمرار في دعم القطاع السياحي للحفاظ علي الإنجازات التي حققها القطاع في التعافي وعودة النشاط وارتفاع الانفاق السياحي والحفاظ علي العمالة، بجانب أهمية إعادة النظر في منظومة الضرائب خاصة في القطاعات الأكثر تضررا، والتعامل مع الموازنة العامة للدولة ببعد اقتصادي يعيد رسم خريطة الاستثمار في بعض القطاعات ذات الاولوية لأنها وسيلة لمخاطبة المستثمرين، والأفضل هو التعامل معها ببعد تنموي يعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والاستثمار في أولويات التنمية مثل التعليم، الرعاية الصحية، القضاء على الفقر، المساندة المجتمعية، تحسين الأجور، وتحقيق الأمن. أن النظرة ايجابية لمصر في تحقيق معدلات نمو في عام 2020، إلا أن القطاع الخاص يطمح في المزيد من الخطوات الداعمة لاستعادة الاقتصاد عافيته والحفاظ علي صحة الإنسان وتعزيز القدرة المالية للشركات للوفاء بالتزاماتها المختلفة. إن أزمة فيروس كورونا تعد ثالث مأزق وأخطر القضايا الصحية علي البشر بعد الطاعون والكوليرا، أن العالم يتعرض لأسوأ ازمة عالمية منذ الكساد الكبير.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان