هل تلتفت إفريقيا إلى المشكلات العربية؟! استفهامٌ مصحوبٌ بالدهشة، فطالما كانت إفريقيا تعاني مشكلات عدة، بنيوية ومؤقتة، تكفيها بحالٍ عن الالتفات إلى غيرها، حيث تدفع بالآخرين، من أشخاص القانون الدولي خارج القارة الإفريقية– دولاً ومنظمات وأفراداً-، للالتفات إليها، وإلى مشكلاتها لاعتبارات عدّة؛ منها تقليص تأثير تلك المشكلات على الساحة الدولية.
إلا أنه في ظلّ التفاوت الحاصل في القارة، من ناحية الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية، بين دولٍ تجاوزت مشكلاتها– سواء بنيوية أو مؤقتة-، كجنوب إفريقيا وموريشيوس وغيرهما، وبين دولٍ لا تزال غارقةً في أزماتها الداخلية، وهي السواد الأعظم من دول القارة، كجمهورية إفريقيا الوسطي وبوروندي، يضحى الالتفات إلى مشكلات خارجية– مثل المشكلات العربية-، والتي أضحت معقّدة ومتزايدة ومنتشرة على نطاقٍ جغرافيٍّ واسع، ضرباً من الرفاهية، أو التفاتاً غير مؤثّرٍ- على أقصى تقديرٍ- حالَ حدوثه.
استناداً إلى الافتراضات السابقة، التي تتبادر إلى ذهن المتابع والمراقب للشؤون العربية والإفريقية، تنهض هذه الدراسة لمحاولة الإجابة عن هذا التساؤل، واختبار صحة افتراضاته المذكورة، وذلك عبر رصد القضايا العربية الراهنة، ومحاولة رصد تسجيل المواقف الإفريقية– إن وُجدت- بشأن قضايا عربية مختارة قطاعيّاً وجغرافيّاً، أو قضايا متشابهة؛ أي تعاني القارة الإفريقية من مثيلاتها، وذلك حتى يمكن الوقوف إلى حدود الاختلاف في المواقف الإفريقية منها، وما إذا كان المحدّد الجغرافي أو المحدّد القطاعي– اقتصاديَاً، سياسيّاً، عسكريّاً-، أو معيار التشابه في القضايا بين الواقع العربيّ والإفريقيّ، تعدّ محددات مؤثّرة في تشكيل تلك المواقف الإفريقية، أو مؤثّراً في اتجاهها، في محاولة لإجمال استنتاجٍ عامٍّ بشأن الموقف الإفريقي من المشكلات العربية.
وتنطلق الدراسة من المقولة الشهيرة المنسوبة للرئيس الغيني الراحل «أحمد سيكوتوري»، إبان العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية في يونيو 1967م، والتي أكدّ فيها: «عدم إمكان عزل القضية العربية عن الأماني والأهداف التي تطمح لها الشعوب الإفريقية»، لاكتشاف حجم التغيّر في المواقف الإفريقية من الأزمات العربية الأخيرة، وذلك عبر محاولة رصد التمايز بين الموقف الجماعي الإفريقي، ممثلاً في الاتحاد الإفريقي من ناحية، والمواقف الفردية للدول الإفريقية، والتي قد تتراوح بين الالتفاف سلباً أو إيجاباً، أو عدم الاكتراث من ناحية أخرى (1).
الموقف الإفريقي من الأزمة الليبية:
يبدو أنّ الأزمة الليبية لجغرافيتها تعدّ أولى القضايا العربية/الإفريقية محلّ الاهتمام الإفريقي الرسمي في قائمة المشكلات العربية التي قد تلتفت لها إفريقيا، فرادى أو بشكل جماعي، حيث يمكن رصد اهتمامٍ يتجاوز حدّ الالتفات أو البيانات الإعلامية تجاه هذا الملف، وإنما يتجاوزها إلى اتخاذ إجراءات.
فعلى مستوى الموقف الجماعي الإفريقي: التفت الاتحاد الإفريقي مبكّراً إلى الأزمة الليبية، ربما لتداعياتها القريبة على دول الجوار الإفريقي الأخرى، والتي تأثرت بالتداعيات الداخلية لتلك الأزمة (2)، فقد أعلن الاتحاد في أعقاب بدء الأزمة– قبل رحيل معمّر القذافي- محاولته لتقريب المواقف الإفريقية بشأن الأزمة، حيث أعلن القذافي حينها رفضه لأي وساطة غير وساطة الاتحاد الإفريقي (3).
ولم تتناول خارطة الطريق المطروحة من الاتحاد الإفريقي حينها موقفاً واضحاً حول رحيل القذافي من عدمه، وإنما إعلان خارطة تشمل بنودها عدة إجراءات؛ منها: وقف إطلاق النار، ووقف عمليات حلف شمال الأطلسي في ليبيا، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وفترة انتقالية، وإجراء إصلاحات ديمقراطية وانتخابات، وعليه لم تتناول الخطة الإفريقية حينها ما سيؤول إليه وضع القذافي، وذلك في محاولةٍ منها لاستجماع المواقف الإفريقية حول الخطة، وهو ما قبله القذافي حينها، ورفضته المعارضة الليبية وثوارها (4).
ومع منتصف العام 2011م بدأت ملامح الإخفاق تتبلور؛ حين أخفق «رئيس جنوب إفريقيا» «جاكوب زوما»- بوصفه رئيس اللجنة العليا للاتحاد الإفريقي لتسوية النزاع في ليبيا- للعاصمة الليبية طرابلس في مايو 2011م، في مهمّة وساطة في الأزمة الليبية، وتنفيذ خريطة طريق الاتحاد الإفريقي (5).
كما أخفقت قمة الاتحاد الإفريقي المنعقدة في «مالابو» (عاصمة غينيا الاستوائية) في الوصول لموقفٍ مشتركٍ ومتماسكٍ وواضحٍ في هذا الشأن (6).
ومع تصاعد الأزمة واتساعها، وانتقالها إلى مستوى أبعد، سماته الحرب الأهلية والفوضى، توالى الاهتمام الإفريقي بالأزمة الليبية مع مرور تلك السنوات دون بادرةٍ قريبةٍ للحلّ، حتى مطلع عام 2016م عندما أعلن الاتحاد الإفريقي عن مجموعةٍ من الخطوات بشأن الملف الليبي، تناولها في اجتماعات قمة الاتحاد الإفريقي في 31 يناير 2016م؛ منها تشكيل مجموعة إقليمية لمساعدة ليبيا في تشكيل حكومة وحدة وطنية، وكذا مساعدتها في مواجهة تنامي تنظيم «الدولة الإسلامية»، وتضمّ تلك المجموعة في عضويتها خمسة رؤساء دول.
كما قام الاتحاد الإفريقي بتعيين «ديليتا محمد ديليتا» (رئيس وزراء جيبوتي السابق) مبعوثاً خاصاً للاتحاد الإفريقي إلى ليبيا، ثم أعقبه تعيين الرئيس التنزاني السابق «جاكي كيكويتي» في المنصب نفسه (7).
إلا أنه يمكن رصد عددٍ من الملاحظات بشأن موقف الاتحاد الإفريقي من الأزمة الليبية:
أول تلك الملاحظات أنّ الاتحاد الإفريقي كان أكثر التفاتاً للأزمة الليبية في بدايتها، وربما يعود ذلك لقيمة «القذافي» إفريقيّاً، وفي محاولةٍ من الاتحاد لضبط مسار الأزمة- من ناحية-، ومحاولته العمل وفقاً لميثاقه حتى لا ينتهي به الحال إلى التسليم بتدخّلٍ أجنبيٍّ جديدٍ في «بلد إفريقي» (8) .
أمَا وقد انفجرت الدولة الليبية على ذاتها ورحل القذافي، وتعددت الأطراف الدولية المتورطة في الأزمة، بين دولٍ وتنظيماتٍ مسلحةٍ، محلية وإقليمية ودولية، فقد خفف ذلك من وطأة مسؤولية الاتحاد الإفريقي تجاهها لصالح أزمات أخرى مجاورة، تدخل فيها الاتحاد مباشرة بإرسال قوات إفريقية مشتركة للسيطرة عليها، وهو ما لم يحدث في الأزمة الليبية، ولربما كان من أسباب ذلك أيضاً أنّ الأزمة في صيغتها الراهنة أضحت أكبر من قدرات الاتحاد الإفريقي وإمكانياته في التعاطي معها.
وهو ما يقودنا للملاحظة التالية، والمتصلة باختلاف درجة اهتمام الاتحاد الإفريقي، وكذلك قدرته على الفعل في الأزمة الليبية– باعتبار ليبيا دولة عضواً بالاتحاد- أو في أزمات دول إفريقيا العربية بالأحرى، عنها في أزمات دول غرب إفريقيا، مثل مالي وبوركينافاسو، وغيرهما، أو دول إفريقيا غير العربية، وذلك على الرغم من تدويل الأولى، وما في ذلك من فرصٍ مهمّة لاضطلاعه بدَوْرٍ ما فيها، في حين أنّ الأخيرة يمكن وصفها بالدولية ذات التدخل الوحيد، حيث إنّ التدخل عادةً ما يكون فرنسيّاً، سواء عبر مجلس الأمن بالأمم المتحدة أو عبر سواه، ودون تنازعٍ دوليٍّ في التدخل من قِبل أطرافٍ دوليةٍ أخرى، كالولايات المتحدة أو روسيا أو الاتحاد الأوروبي.
الموقف الإفريقي من الأزمة اليمنية:
لعلّ الموقف الإفريقي بشأن الأزمة اليمنية الدائر رحاها منذ سنوات مختلفٌ كليةً عن موقفه من نظيرتها الليبية، حيث إنه يصعب تحري موقفٍ إفريقيٍّ جماعيٍّ واضحٍ بشأن الأزمة على مستواها السياسي على الأقل، حيث إنّ أبعاد الالتفات الإفريقي للأزمة اليمنية يمكن وصفه بصفتَين: هما التفاتٌ فردي- من ناحية-، وفي دوائره الإنسانية- من ناحيةٍ ثانية-.
فعلى الرغم من كون اليمن استمرت لسنوات قبلةَ المهاجرين واللاجئين الأفارقة، خصوصاً من منطقة القرن الإفريقي، سواء بوصفها محطة وصول، أو محطة عبور لغيرها، إلا أنه ومع انفجار الأوضاع في اليمن تبدّل الحال، أو بالأحرى تعقّد وتشابك وازدوج، حيث ما زالت اليمن تستقبل لاجئين أفارقة هاربين من جوع إفريقيا، في حين ترسل لاجئين يمنيين لإفريقيا هرباً من رصاص الأزمة (9) !
وهنا يمكن رصد غياب موقفٍ إفريقيٍّ جماعيٍّ بشأن الأزمة اليمنية، في مقابل الموقف الإفريقي الفردي بصورته السياسية والإنسانية المتمثل في «دولة جيبوتي»؛ وهو الموقف المفهوم في ضوء قرب الأخيرة لليمن وموقعها على الطرف الآخر لمضيق باب المندب، وعليه؛ فقد أضحت قاعدة استقبالٍ وتجميعٍ للمساعدات الإنسانية المقدمة إلى اليمن، وملاذاً لاستقبال اللاجئين اليمنيين؛ حيث بلغ أعداد اللاجئين إليها قرابة 15000 في منتصف عام 2015م، ولكن كان استقبال جيبوتي للاجئين اليمنيين بضوابط صارمة، تتمثل في عدم السماح لهم بدخول مدن جيبوتي، وإنما السماح لهم في الإقامة بمخيمات خاصّة تُوصف بالمعزولة والنائية (10).
وانطلاقاً من جغرافية جيبوتي، وقربها من اليمن، وكذا ما لديها من إمكانيات عبر استضافتها لقواعد أجنبية على أراضيها، فقد مارست جيبوتي دوراً رئيساً في إجلاء رعايا الدول المختلفة، كالرعايا المصريين والأتراك، ورعايا الدول الغربية من اليمن، وهو الموقف الذي قد يؤهلها لدَوْرٍ سياسيٍّ أكبر في أيّ حلٍّ دوليٍّ بشأن الأزمة اليمنية، وذلك بعيداً عن المواقف الخليجية المتورطة سياسيّاً وعسكريّاً في الأزمة، والتي يصعب عليها ممارسة مثل هذا الدور (11) .
وبالتوازي مع الموقف الجيبوتي الفردي بشأن الأزمة اليمنية؛ ينهض موقفٌ آخر لدولة إريتريا، يتشكّل بروافد إسرائيلية وإيرانية، حيث يوجد بإريتريا وجودٌ عسكريٌّ إسرائيليّ، تصفه وكالة الاستخبارات الأمريكية بـ «صغير، لكنه ذو مغزي»، هذا من ناحية، وحفاظها– أي إريتريا- على علاقات تُوصف بـ «القوية» مع إيران، مع عقدها اتفاق في 2008م تحتفظ بموجبه بقوةٍ عسكريةٍ إيرانية في «أساب»، وسببه المعلن هو حماية المصافي النفطية في المنطقة، وتتمثل أهداف الدولتين (إسرائيل وإيران) في رغبتهما في السيطرة على مضيق باب المندب، والخطّ البحري تجاه قناة السويس (12).
ومع الأخذ في الاعتبار عدم إعلان اسم إريتريا كعضوٍ من ضمن أعضاء التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب والمعلن من قبل السعودية، فإنه يمكن أن تمارس إريتريا دَوْراً مزدوجاً في الأزمة اليمنية، أولهما إما أن تكون محطة إنزال لقوات التحالف الإسلامي حال إقرار ذلك، أو أن توفّر الحماية للقوات المشاركة في عملية الإنزال من ناحية، أو أن تكون مصدراً للقلق في الأزمة اليمنية عبر احتمالية توفير مساعدة ودعم للتنظيمات الموالية لإيران باليمن، ومن قرائن خطورة الموقف الإريتري في اليمن- إيجاباً أو سلباً- قيام الرئيس الإريتري «أسياس أفورقي» بزيارةٍ للرياض يومَي (28 ، 29) أبريل عام 2015م، وعقد جلسة مباحثات مع العاهل السعودي، وولي ولي عهده، كما استقبلت إريتريا أيضاً في (26 ، 28) من الشهر نفسه وفوداً سعودية وإماراتية رفيعة المستوى (13) .
وعليه؛ فإنّ المدخل الإفريقي للأزمة اليمنية ينطلق من الأهمية الجغرافية في الأساس، وتأثيره في استراتيجية وتحولات الأزمة في اليمن، والتي تتمثل في دولتَي جيبوتي وإريتريا- من ناحية-، وعلى علاقات هاتَيْن الدولتين بالقوى العالمية والإقليمية المهتمة أو المؤثرة في الأزمة اليمنية- من ناحية أخرى-.
الموقف الإفريقي من ملف الإرهاب والتنسيق العربي الإفريقي في التعامل مع التنظيمات المسلحة المتطرفة:
على الرغم من احتواء إفريقيا على تنظيمات موسومة بالإرهاب في أنحاء جغرافية عدة، وتتمايز تلك التنظيمات عن مثيلاتها العربية– أو بمعنى أدق التي تنشط في المنطقة العربية- بدرجاتٍ ما، إلا أنّ ذلك لا يعني عدم تأثّر إفريقيا سلباً بالتنظيمات المستوطنة في المنطقة العربية، وبالتالي عدم التفاتها إليها، وإنما على العكس من ذلك؛ حيث إنها من ضمن أقاليم الاستهداف للتنظيمات الإرهابية.
وحيث إنّ الحديث عن الإرهاب في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين يدفع إلى تناول نموذجٍ جديدٍ في الظاهرة الإرهابية، يمكن وصفه بـ «الظاهرة الإرهابية الجديدة»؛ متمثلاً في «تنظيم الدولة»، والذي يُعرف اختصاراً في الأوساط الإعلامية بتنظيم «داعش»، تمييزاً له عن الظاهرة الإرهابية التقليدية المتمثلة في «تنظيم القاعدة» ومدارسها وفروعها، فإنّ الموقف الإفريقي بشأن الظاهرة الإرهابية في المنطقة العربية لا يعدّ بعيداً أو غير مألوفٍ في هذا الشأن، خصوصاً في ظلّ إعلان العديد من التنظيمات المتطرفة المسلحة التي تنشط في إفريقيا عن ولائها لهذا التنظيم الجديد(14) .
ففيما يخصّ الموقف الإفريقي الجماعيّ: يتمثل في قيام مجلس السّلم والأمن الإفريقي بوصف الإرهاب على لسان مفوض المجلس «إسماعيل شرقي» باعتباره «مصدر قلق»، خاصّة في ظلّ تنامي تنظيم «داعش»، وتخوّف المجلس من «تنقّل بعض العناصر الإرهابية إلى إفريقيا…» (15)، وهو الخطاب الذي أكده البيان الختامي لقمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة؛ وهي القمة السادسة والعشرين، والمنعقدة في أديس أبابا في 1 فبراير الفائت.
إلا أنه عمليّاً، وفي ظلّ انكفاء الاتحاد ودوله على مشكلاته السياسية الداخلية، كبوروندي وجنوب السودان في الآونة الأخيرة، وملفات الإرهاب المتزايدة أمامه في الأقاليم الإفريقية المختلفة، كتنظيم «بوكو حرام» و «شباب المجاهدين»، وإعلان عدد من تلك التنظيمات التي تنشط محليّاً عن ولائها لتنظيم «داعش»، لم يبلور الاتحاد مواقف تتخطى خطاب «التخوّف» و «القلق» الإفريقي من تلك التنظيمات بالمنطقة العربية (16) .
وعلى الرغم من إعلان ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير «محمد بن سلمان» خلال مؤتمر بالرياض عن تشكيل «تحالف إسلاميّ عسكريّ لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية»، ومركز عملياته المشتركة لتنسيق ودعم العمليات العسكرية وتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعمه سيكون بالرياض عاصمة المملكة، ويتسع ليشمل سبع عشرة دولةً عربية، ومثلها إسلامية، لتبلغ عددها 34 دولة ومرشحة للزيادة (17)، وتشمل من دول إفريقيا العربية كلاً من: (تونس، السودان، جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية، جيبوتي، الصومال، المغرب، موريتانيا)، ومن دول إفريقيا جنوب الصحراء كلاً من: (بنين، تشاد، توجو، السنغال، سيراليون، الجابون، غينيا، ساحل العاج، مالي، النيجر، نيجيريا)(18).
إلا أنه يصعب القول بوجود مساهمة إفريقية فعّالة في هذا التحالف من قِبل معظم الدول المشاركة فيه، خصوصاً كون مهمّة التحالف – ضمن مهامّ أخرى- هي تبادل المعلومات، وتقديم المعدات، والتدريب، ونشر القوات إذا لزم الأمر- من ناحية-، وكونه تحالفاً اختياريّاً لا يترتب عليه التزامات جبرية في مواجهة أعضائه- من ناحيةٍ ثانية-، والضعف العسكريّ والاقتصاديّ لبعض تلك الدول، كالصومال ومالي- من ناحيةٍ ثالثة-، وأنّ معظم الدول الإفريقية المنخرطة فيه تعاني من تنامي التنظيمات الإرهابية، كنيجيريا والنيجر ومالي وتشاد والصومال، وهو ما يعني الانخراط العربي في مشكلة الإرهاب بالقارة الإفريقية، وليس الانتباه الإفريقي لمشكلة الإرهاب بالمنطقة العربية بصورة رئيسة- من ناحيةٍ رابعة-.
وعليه؛ يتضح أنّ التفات إفريقيا إلى ملف الإرهاب في المنطقة العربية التفاتٌ محدودٌ، يرتبط بـ «التخوّف» و «القلق» من احتمال انتقال تداعيات هذا الملف إلى بلدٍ من البلدان الإفريقية؛ الأمر الذي قد يسهم في تنامي الظاهرة الإرهابية في إفريقيا، وهو الموقف الذي يطمح الباحث في تغيّره نحو مزيدٍ من الاهتمام الإفريقي بظاهرة الإرهاب في المنطقة العربية، خصوصاً للارتباط الوثيق بين الإرهاب وتداعياته في المنطقة العربية والإفريقية، وعدم إمكانية معالجة الظاهرة وتجفيفها في الإقليم الإفريقي أو العربي على حدة- من ناحية-، وتوافر الأطر القانونية والمؤسّسية اللازمة لمجابهته، ممثلةً في مجلس السّلم والأمن الإفريقي وأدواته (19).
الموقف الإفريقي من الأزمة السورية، وتداعياتها الإنسانية:
على الرغم من أهمية الأزمة السورية على المستوى الإقليمي والدولي، وتداعياتها المؤثرة عالميّاً خصوصاً على أوروبا، وكونها مساحةً جديدةً لإعادة هيكلة العلاقات بين روسيا وحلفائها- من جانب-، والولايات المتحدة وفرنسا وحلفائهما- من جانب آخر-، لتتسع تلك التداعيات لتشمل أبعاداً إنسانية وعسكرية واقتصادية، وعدم غياب التأثر الإفريقي بهذه التداعيات – على الأقلّ- فيما يخصّ ملف الإرهاب، إلا أنه يتضح غياب أيّ موقف إفريقيٍّ واضح بشأن الأزمة في سوريا، وعدم بلورة مواقف إفريقية فردية بشأن تلك الأزمة، باستثناء دول إفريقيا العربية، ولعلّ ذلك مردّه إلى استنزاف الجهود الإفريقية في الأزمات الداخلية الراهنة؛ كبوروندي وجنوب السودان.
الموقف الإفريقي من أزمة انخفاض أسعار النفط العربية:
على الرغم من كون «أزمة انخفاض أسعار النفط» أزمةً عالمية، وتعدّ من الأزمات المؤثرة في الواقع الإفريقيّ بصورةٍ مباشرةٍ وغير مباشرة، حيث ربط باحثون ومراقبون بين أزمة أسعار النفط وتوسّع نطاق الاضطرابات الأمنية والسياسية والاجتماعية في القارة، إلا أنه يمكن القول باعتبارها أزمة عربية في المقام الأول من حيث الأسباب؛ لوجود منتجين كبار من المنطقة العربية- من ناحية-، وإفريقية وعربية من حيث التداعيات على العجز في الموازنات العربية والإفريقية- من ناحيةٍ ثانية- (20).
فعلى الرغم من أنّ مواقف دول الخليج العربي بقيادة السعودية من أزمة انخفاض أسعار النفط، والمتمثلة في رفع الإنتاج وتخفيض الأسعار، إنما يرجع لعوامل اقتصادية بحتة، كالحفاظ على تنافسية النفط الخليجي، والحفاظ على الحصص السوقية، إلا أنّ تلك السياسات كان لها تأثيرات معتبرة في استمرار الأزمة، صاحبها تداعيات سلبية على الدول الإفريقية المصدّرة للنفط، كنيجيريا والجزائر وأنجولا(21).
وعليه؛ يمكن الوقوف على مدى اهتمام القارة الإفريقية بتلك الأزمة من خلال عدة ملاحظات بشأن موقفهم من تداعياتها على واقع دولهم، أهم تلك الملاحظات، حول المواقف الإفريقية تجاه تلك الأزمة، تتمثل في أنّ هناك مواقف إفريقية متناقضة بشأن تلك الأزمة، فعلى سبيل المثال تعدّ نيجيريا والجزائر صاحبتَي العلاقة المباشرة بهذه الأزمة، لما قد يلحق مصالحهما من تهديدٍ بشأن انخفاض أسعار النفط (22)، فأعربت الدولتَان عن قلقهما المتزايد بشأن تلك الأزمة.
فقد أعلنت الحكومة النيجيرية على لسان وزيرة النفط «ديزاني أليسون مادويكي» التي ترأس بلادُها الدَوْرة الحالية بأوبك- في فبراير من عام 2015م- عن اتجاه نية الحكومة النيجيرية- حينها- إلى الدعوة لاجتماعٍ طارئٍ لمنظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، وهو الموقف الذي يبلور بوضوحٍ تناقض الآراء بين «الموقف العربي» و «الموقف الإفريقي» من الأزمة، حيث أكدت الوزيرة أنّ «كلّ بلدان أوبك تقريباً، ربما ما عدا المجموعة العربية، يشعرون بقلقٍ بالغ» (23).
وقد كان لتلك الأزمة أثرٌ بالغٌ في الاقتصاد النيجيري باعتباره من أكبر الاقتصادات في القارة، وأكبر مصدّرٍ للنفط في إفريقيا، حيث تشكّل عائدات النفط حوالي 90% من إيرادات نيجيريا من التصدير، وحوالي 70% من موازنة البلاد، وقد كان من تبعات تلك الأزمة: اتجاه الحكومة إلى تخفيض الإنفاق الرأسمالي، وتعديل السياسات النقدية لها، في محاولةٍ منها لتخفيف الضغط على موازنتها العامّة والعملة المحلية، وعليه؛ يتضح أنّ الموقف النيجيري تجاه هذه الأزمة يعدّ موقفاً متواضعاً إذ ما قُورن بالتأثيرات المباشرة للأزمة عليه (24).
أما ثاني المواقف الفردية بإفريقيا حول تلك الأزمة؛ فهو موقف أنجولا ثاني مصدّري النفط في القارة، فعلى الرغم من تضرّرها الكبير، حيث إنّ تكلفة إنتاج برميل النفط فيها يبلغ (35.4) دولاراً أمريكيّاً، وهو أعلى من تكلفة استخراجه في كلٍّ من نيجيريا (31.6) دولاراً، و (23.5) في ليبيا، و (20.40) دولاراً في الجزائر، وعليه؛ يتضح أنه وفقاً لهذا العامل تعدّ أنجولا الخاسر الإفريقي الأكبر في تلك الأزمة (25)، إلا أنّ موقفها من الأزمة جاء ضعيفاً على المستوى الخارجي، حيث لم تتجه لبلورة موقفٍ قويٍّ بشأنها، وإنما ذهبت في اتجاه طلب دعم البنك الدولي عبر قرضٍ قيمته 450 مليون دولار من أجل مساعداتها في دعم اقتصادها، كما اتجهت الحكومة لاتخاذ مواقف داخلية في التعامل مع تداعيات تلك الأزمة عليها، حيث عملت على اتخاذ إجراءات تقشفية عديدة (26).
أما الموقف الجزائري، وعلى الرغم من تأثّره الواضح بتلك الأزمة؛ حيث فقدت 50% من عائدات الغاز بسببها، كما ارتفع العجز في ميزان المدفوعات الخارجية إلى 15%، كما ارتفع عجز الموازنة إلى 11.5%، مع انخفاض قيمة الدينار الجزائري بنسبة 20%، وارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 5% (27)، إلا أنّ الموقف الجزائري كان مغايراً، حيث كان أكثر قرباً من المواقف العربية بشأن تلك الأزمة، وأبعد عن مثيلاته الإفريقية المتضرّرة؛ حيث دعت الجزائر إلى «حوارٍ بين أوبك والمنتجين من خارجها، للمساهمة في استقرار سوق النفط، ووقف تراجع الأسعار الذي يؤثر على ماليتهم العامّة» (28).
الخلاصة:
ضعف الاهتمام الإفريقي بالمشكلات العربية: هل هو انكفاء على مشكلات الداخل الإفريقي، أو عدم اكتراث بالمشكلات العربية:
في نهاية العرض السالف؛ يرى الباحث ضرورة أن يواجه العرب أنفسهم بـ: أنّ العلاقة بين إفريقيا جنوب الصحراء والمشكلات والقضايا العربية، والتي ليس لها تداعيات على الساحة الإفريقية، ولربما تعدّ الأزمة السورية قرينة على ذلك، إنما هي من الأمور غير ذات الاهتمام في أذهان الأفارقة.
ولعلّ تلك الحالة المؤسفة إنما هي نتيجة؛ أكثر من كونها سبباً، حيث إنها نتيجة لعقود من عدم البناء على الخلفية الإنسانية والدينية والجغرافية والتاريخية المشتركة، ما أثمر تباعداً زمنيّاً كبيراً بين العرب والأفارقة؛ على الرغم من التقارب الجغرافيّ والديني، خصوصاً على مستوى إدراك المشكلات التي يعاني منها الطرف الآخر، ويعنينا هنا إدراك الأفارقة للمشكلات العربية.
ففي ضوء ما سبق، من الوقوف على حقيقة عدم الالتفات الإفريقي إلى القضايا والمشكلات العربية، يتضح أنّ تلك العلاقة من الضعف بما لا يتفق وأسبابٍ عدّة، يمكن أن تمثّل خلفيةً مشتركةً وأساساً صالحاً للبناء عليها، ولا تزال هناك فرص لذلك.
معظم الدول الإفريقية ترتبط بعلاقات أوثق من غيرها بالدول الاستعمارية السابقة التي احتلتها لعقود!
ويمكن رصد عدة أسبابٍ لتفسير حقيقة عدم التفات إفريقيا جنوب الصحراء للمشكلات والقضايا العربية:
الأول: هو سببٌ ذاتيٌّ متصلٌ بالصورة الذهنية التي تشكّلت عبر ممارسات خاطئة، على المستوى الرسمي أو الشعبي، بين بعض البلدان العربية وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث تشكّلت صورة ذهنية تميّز سلبيّاً بين الجنس العربي والجنس الإفريقي لصالح الأول، وهو ما وصفه عزمي بشارة بتعبير: «نحن، و هُم»؛ باعتباره أحد المبادئ المسيطرة على العقلية العربية في تشكيل سلوكه بصفةٍ عامّة، وهو ما يتعارض والقيم الإسلامية والعربية الأصيلة.
الثاني: هو ما يتصل باختلاف دوائر الاهتمام ودوائر السياسة الخارجية للدول، سواء كانت العربية أو الإفريقية، حيث إنّ كلَيهما يرسم دوائر سياسة خارجية تستبعد الآخر وتُقصيه إلا استثناء، فكلّ طرفٍ من الدول العربية والإفريقية يضع في أولى دوائره، على مستوى الخطاب والممارسة، أو على مستوى الممارسة دون الخطاب، الدائرة الأوروبية بوصفها دائرة أولى؛ فمعظم الدول الإفريقية ترتبط بعلاقات أوثق من غيرها بالدول الاستعمارية السابقة التي احتلتها لعقود! فتكتفي بعلاقات أحادية– أو تكاد- مع تلك الدول، والأمر كذلك على المستوى العربي، فعديدٌ من الدول العربية ترتبط بعلاقات وطيدة بالمستعمر السابق! إما لاعتبارات ثقافية، أو اعتبارات اقتصادية، باعتباره الشريط الاقتصادي الأول لعددٍ كبير من الدول العربية.
الثالث: ضعف الموارد والمقوّمات لدى الدول الإفريقية، وكذا العريبة، بسبب استنزافها في مواضع أخرى- كالسبب السابق-، ما يحول دون تمكّن تلك الدول من تحمّل تكلفة الالتفات إلى مشكلات الطرف الآخر، حيث إنّ الالتفات إلى تلك المشكلات لا يتوقف عادةً عند الخطاب المعلن، وإنما يتعداه إلى الفعل، وعليه؛ لا تستطيع معظم الدول الإفريقية تحمّل تلك التكلفة.
الرابع: إنّ إفريقيا مشدودة الأطراف داخليّاً وخارجيّاً، فهي مشدودة الأطراف داخليّاً عبر غرقها في مشكلاتها الداخلية الهيكلية، وخارجيّاً عبر الالتفات إلى مستعمرها السابق، وهو شدّ الأطراف الذي يستنزف كامل إمكانات القارة وقدراتها ودولها، بما يحول عمليّاً في الوقت الراهن دون الخروج من تلك المعضلة إلا بمساعدة الأطراف العربية نفسها.
خامس تلك الأسباب: هو أنّ الالتفات الإفريقيّ للمشكلات العربية مرتبطٌ بشكلٍ رئيسٍ بمحدّد الجغرافيا، فهي تهتم بقضايا اليمن وليبيا بالدرجة التي تؤثر على الداخل الإفريقي، فعلى الرغم من تعقّد القضية السورية مع مرور الوقت؛ فإنّ إفريقيا لم تعر تلك القضية اهتماماً واضحاً.
استناداً للأسباب السابقة، ومع نشوء اهتمامٍ والتفاتٍ إفريقيٍّ لقضيةٍ عربية، يظلّ هذا الاهتمام محدودَ التأثير، وعليه؛ فلا يؤثّر هذا الاهتمام على مسار أيّ أزمة أو قضية عربية ومستقبلها.
وبالقفز على الأسباب السالفة؛ يمكن تزكية الجهود المتزايدة مؤخّراً لبعض الأطراف العربية بتطوير علاقاتٍ اقتصاديةٍ متناميةٍ مع العديد من الدول الإفريقية، وذلك عبر الاستثمار الأجنبي المباشر فيها، كدولتَي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهو ما قد يمثّل مدخلاً مناسباً لإعادة ربط الواقع الإفريقي بالمتغيّر العربيّ في المستقبل المنظور، وخلق علاقة عضوية بين الجانبَيْن العربي والإفريقي، توظّف مشتركات الماضي وفرص الحاضر لبناء مستقبلٍ أفضل للجميع.
في النهاية:
إنّ الالتفات الإفريقي إلى المشكلات والقضايا العربية إنما هو غائب عن دوائر صنع القرار الإفريقية؛ لأسبابٍ تراكمت على مدى عقود، تتطلب العمل الجاد والمشترك لإزالتها، وهو العمل الذي يتطلب مساعدة عربية لجذب الانتباه الإفريقي إلى تلك المشكلات، ولربما يمكن للانتباه الاقتصاديّ العربيّ لإفريقيا- مؤخراً- أن يُسهم في تحقيق ذلك، حيث يرى الباحث أنه في حال استمرار الظروف والسياقات السابقة والراهنة؛ فلن يلتفت الأفارقة إلى العرب ومشكلاتهم على المدى القريب والمتوسط؛ إلا بمساعدة عربية حقيقة، تُبنى على الحقائق المشتركة بين الشعوب العربية والإفريقية، والفرص المتاحة لدى الجانبَيْن لتطوير علاقات أفضل، حتى لا يُصدم العرب من بلورة مواقف إفريقية في غير صالحهم مجدّداً.