قد سعت قطر لتعويض ذلك بتحالفات بعيدة عن فضائها الجغرافي وعمقها الاستراتيجي”، اتفاق مبدئي لإنهاء نزاع استمر سنوات، مما يمهد الطريق لمحادثات إقليمية أوسع قد تهدئ التوترات المستمرة منذ فترة طويلة بينهما أن قطر هي الأكثر احتياجا للسعودية، وذلك بسبب وقوع حلفاء قطر في مشاكل إقليمية.
أن الطرف الأكثر حاجة إلى المصالحة هي قطر، أن الطرف المبادر في هذه المصالحة، هي دولة الكويت، والتي سعت في مسار المصالحة منذ عهد الأمير الراحل، الشيخ صباح الأحمد، الذي بذل جهودا كبيرة في هذا الإطار.
مع ضرورة بناء المصالحة -في حال الوصول إليها- “على أسس راسخة من احترام سيادات الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والتعامل الإيجابي الذي يخدم الشعوب”. اعتقد بأنه لا يوجد طرف أكثر احتياجا للمصالحة الخليجية، واصفا مساعي الصلح الأخيرة بأنها “مواجهة مع الذات، وتصحيح للمسار”.
وذلك لعدة أسباب رئيسية”.
ويأتي في مقدمة هذه الأسباب “العزلة السياسية، فقد أصبحت قطر بفعل المقاطعة معزولة إقليمي من جيرانها العرب، سياسيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا”.
“السبب الثاني، هو الضغط الاقتصادي حيث، تسببت مقاطعة جيرانها لها بجانب مصر، بخسائر اقتصادية جمة بسبب إيقاف التبادل التجاري، وغلق المنافذ البرية والأجواء أمام الطيران”.
أما السبب الثالث، فهو سعي قطر لإنجاح كأس العالم الذي ستستضيفه عام 2022 على أراضيها، وقد تواجه الدوحة “مشكلات كبيرة في جذب الجماهير لملاعبها بسبب المقاطعة”.
أن أمورا أخرى تواجه قطر مثل “ضعف الحجم السكاني لقطر، وعدم قدرتها على تقديم عروض لجذب جماهير جيرانها، المقاطعين خاصة الجمهور الرياضي السعودي الشغوف بكرة القدم، وكذلك صعوبة نقل الجماهير من ديار بعيدة في ظل منع خطوط الطيران من عبور الأجواء السعودية”.
والسبب الرابع في رأي العقيلي، هو التكاليف الأمنية الباهظة “فقد دفعت قطر مبالغ طائلة لتأمين تواجد قواعد عسكرية أجنبية، تساهم في صيانة الأمن الوطني وكذلك أمن النظام القطري، في ظل هواجس مبالغ فيها من تهديدات خارجية”.
وبجانب قاعدة العديد التي تستضيف القوات الأميركية، تستضيف الدوحة أيضا قوات تركية على أراضيها، وذلك عقب مقاطعة الرباعي العربي لها مباشرة في عام 2017. من جانبها، تدعم قطر تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، سياسيا واقتصاديا، عن طريق تأييد موقف أنقرة في تدخلاتها العسكرية الأخيرة سواء في ليبيا، أو سوريا، بجانب ضخ المليارات على هيئة استثمارات.
أن السعودية هي الأكثر احتياجا للتواصل مع قطر. لان السعودية تحتاج إلى التصالح مع قطر “لأنها تتعرض لضغط أكثر، وقطر ليس عليها ضغط كبير من واشنطن، الرياض عليها ضغط أكبر كما يبدو”. أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ترغب “في حرمان طهران من الأموال التي تأتي إليها من سماح قطر للطائرات الإيرانية التحليق في أجوائها، بسبب إغلاق الرياض لأجوائها”.
ومن بين القنوات المالية، شركات الطيران الإيرانية، والتي فرضت واشنطن عقوبات عليها بالفعل خلال الشهور الماضية، مثل ماهان إير ومعراج إير، واللتان نقلتا أسلحة ومقاتلين وأموالا لوكلاء في سوريا ولبنان.
أن كلا الطرفين في حاجة للمصالحة، وذلك يعود لسبب رئيسي، هو مجيء إدارة أميركية جديدة قريبا. “بسبب التطور الذي حصل في الولايات المتحدة، وقدوم إدارة ديمقراطية، فالطرفان في حاجة لبناء موقف خليجي أكثر تماسكا في المرحلة القادمة، لحين اتضاح طبيعة السياسة الأميركية بشكل عام خاصة، تجاه الخليج وأيضا إيران”.
“من ناحية أخرى، منذ بدء الأزمة، عبرت دولة الكويت أن الأزمة ليست صالح الخليج او النظام العربي، وكانت أكثر دفعا وحاجة نحو المصالحة”،.”بشكل أو بآخر، نمط المصالحة محدود حتى الآن، ومن المتوقع أن تشمل أطراف أخرى لاحقا، مثل الإمارات أو البحرين، ولكن بعمليات تفاوض منفصلة مع قطر، وليس من خلال المبادرة السعودية القطرية فقط”.
وعند التزام قطر بذلك سوف تحل المشكلة بكل سهولة، حيث انه ليسب بيننا وبين قطر أي خلافات وجودية أو مصيرية، فدول الخليج كلها شعب واحد وبلد واحد والإخوة القطريون يعتبرون امتداداً للمملكة والمملكة امتداداً لهم ولا يوجد أي مبرر للقطيعة الدائمة، ولكن سلوك حكام قطر وحكومتها يعتبر عثرة أمام المصالحة.
أتصور بأن الأمر لن يتم بشكل سريع، وإنما سيتضح أكثر أي الأطراف التي ستنضم للمصالحة بعد التطور الحاصل على الجهة القطرية-السعودية”. إن إعادة تطبيع العلاقات مع قطر بالنسبة إلى دول الرباعي قد تشهد تغيرًا في المواقف؛ بمعنى أن الأمر قد يشهد بداية تطبيع محدود من جانب الثلاثي الخليجي، السعودية والإمارات والبحرين، بينما تبقى مصر على موقفها”.
“لا أتصور أن التسوية الشاملة ستحدث دون أخذ الموقف المصري في الاعتبار.. يمكن أن نشهد بدايات للتطبيع بالنسبة إلى الثلاثي الخليجي مع قطر؛ لكن عندما تأتي مرحلة التسوية الشاملة سيتم الاهتمام بالجانب المصري دون شك، فالأزمة هي أن تعديل الموقف القطري لن يتم بمعزل عن تركيا التي لا تملك دول الرباعي نفس مساحة الخلاف معها؛ لدينا مثلًا البحرين التي ربما لا تجمعها أي خلافات مع تركيا، وكذلك السعودية والإمارات، بعكس الجانب المصري الذي لديه عدد من الملفات العالقة بينه وبين تركيا، والتي تحتاج إلى تسوية؛ لعل أبرزها قضية الإخوان المسلمين واحتضان أردوغان هذه العناصر على أراضيه”. ونستبعد أن تشهد الفترة المقبلة تسوية شاملة للخلافات بين الرباعي وقطر،
أن هناك إجراءات إعادة بناء ثقة لابد أن تتم أولًا قبل الشروع في التفاوض بشأن التسوية الشاملة، متابعًا: “ما أريد توضيحه هو أن الثلاثي الخليجي قد يسبق الجانب المصري بخطوة أو اثنتَين في ما يخص إعادة بناء الثقة، أما عندما تأتي مرحلة المصالحة الشاملة سيكون الجانب المصري حاضرًا وممثلًا ولن تحدث تسوية من دونه تحت أي ظرف، غير أن هذا لن يحدث خلال الفترة المقبلة”.
أن الثلاثي الخليجي، السعودية والإمارات والبحرين، لن يقوم بإجراءات مصالحة مع قطر دون مراعاة الجانب المصري، أن هناك 13 بندًا لابد لقطر أن توافق على بعض منها؛ كي تكون هناك بداية للتفاوض.
“علينا أن نتفهم أن هناك علاقات خليجية- خليجية، وعلاقات خليجية- مصرية، ولا نريد أن نرهن الأولى بالثانية؛ لأن العلاقات المصرية لن تعود تمامًا دون التزام قطر بوقف الاستهداف الإعلامي مثلًا، وكذلك عدم التحريض على الحالة المصرية”.
بأن وجود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في الإمارات حاليًّا، يجعلنا نتوقع أن هناك إجراءات تتم، بينما تقف الكويت وراء الستار لتحريك المشهد بعيدًا عن الأنظار، متوقعًا أن تختلف عودة العلاقات المصرية- القطرية عن الخليجية- القطرية التي ربما تتطور بصورة أسرع عن نظيرتها المصرية.
أن تشهد الفترة القريبة إجراء المصالحة مع قطر، منوهًا بأن الثلاثي الخليجي قد يسبق مصر في ما يخص تطبيع العلاقات مع قطر، مستشهدًا باشتراكه في بطولة “خليجي 24” المقامة حاليًّا في الدوحة. “الموقف الخليجي قد يسبق الموقف المصري؛ ولكن سيجتمع الرباعي للاتفاق حول متطلبات المصالحة الشاملة،
وهذا لا يعتبر تبدلًا في المواقف من جانب الثلاثي الخليجي؛ لأن هناك ضوابط أخرى تحكم المشهد، مثل هذه البطولة التي فرضت نفسها وكانت مناسبة لكسر الجليد مع قطر، وهذا يختلف عندما نأتي للحديث عن الجانب المصري”. بأنه سيتم السماح، قريبًا، بمحاولات إعادة العلاقات بشكل تدريجي وجزئي؛ تمهيدًا للمصالحة الشاملة التي ستشهد تنسيقًا رباعيًّا بين السعودية والبحرين والإمارات ومصر.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان