إنَّ واقع الشَّباب في العالم العربي يعاني من جملة أزمات ، فقد أدَّت التغيرات الاجتماعية في العصر الحديث إلى خلل في الأسرة العربية والإسلاميَّة ، بعد أن غزت الثقافات الوافدة من خارج الإسلام إلى أبناء الإسلام فأدَّت إلى بعض التصدعات داخل الأسرة ، الأمر الذي غيَّر من شكل العلاقات الأسرية والاجتماعيَّة حيث اهتزَّت بعض القيم والمبادئ لدى الشباب
يعاني العديد من الشباب من كثير من المشاكل والقضايا التي تواجههم في حياتهم العلميّة، والعمليّة، والاجتماعيّة، ويقومون بمواجهة هذه القضايا بشتى والوسائل لإزالتها من طريقهم، إلّا أنّ طريق الشباب دائماً هو مليء بهذه المشاكل والقضايا
رغبة المراهق ومحاولته التخلص من جميع القيود التي تفرضها الأسرة عليه، حيث تزداد رغبته بالتمتع باستقلال تام. شعور المراهق أنّه لم يعد محتاجاً إلى مشورة والديه، وأنّه قادرٌ على اتّخاذ مختلف قراراته بنفسه دون مساعدة أي شخص.
الفشل في انتقاء الأصدقاء، فيقع العديد من المراهقين فريسة لأصدقاء السوء، فيتأثرون بسلوكياتهم، وعاداتهم، الأمر الذي قد يؤثّر على مستقبلهم الأكاديمي بطريقة سلبية.
الرغبة الكبيرة في فرض السيطرة على الإخوة والأصدقاء، واللجوء إلى استعمال العنف في التعامل. سوء استغلال الإنترنت، من خلال تصفح مختلف مواقع التواصل الاجتماعي لساعات طويلة، الأمر الذي يؤثر سلباً على مهاراتهم في الاتصال والتواصل مع الآخرين.
التعرض للإصابة بأنواع عديدة من الاضطرابات النفسية، مثل: الاكتئاب، والرغبة في الانطواء والعزلة، والابتعاد عن الحياة الاجتماعية.
اضطرابات في الشهية تجاه الأكل، فتزداد رغبة البعض بتناول المزيد من الطعام، أو على العكس بتقليل كمية الطعام المتناوَلة، أو حتى الإضراب عن تناوله. التدخين في عمر مبكر، وغالباً ما يكون ذلك اقتداء بأصدقاء السوء، وتقليداً لهم في سلوكيّاتهم، وقد تتطور عملية التقليد حتى تصل إلى السرقة، أو تعاطي المخدّرات.
العصبية الزائدة، ذلك أنّ المراهق يظنّ نفسه على حقّ في كلّ تصرفاته، كما أنّه يكون شديد الحساسية في كثير من الأحيان تجاه انتقادات الآخرين فيقابلها بعصبية وغضب.
تشكّل البطالة مشكلة رئيسيّة من مشاكل الشباب، فتعدّ مهمّة البحث والحصول على وظيفة مهمّة حاسمة بالنسبة للشباب باعتبارها الخطوة الأولى لقبولهم في عالم الكبار، بالإضافة لكونها إحدى مهارات العيش والحفاظ على الحياة؛ فهي تشكّل المصدر الرئيسيّ للحصول على الدّخل والاستقلال المالي،
كما تشكّل خطوّة أساسيّة في تعلّم المسؤوليّة، وتنظيم الوقت والجهد، وتساعد على تكوين خبرة عمليّة مهمّة أيضاً، ويُذكر أيضاً أنّ الحصول على وظيفة خلال مراحل الدراسة الثانوية يشكّل قفزة إيجابيّة في حياة الشباب؛
إذ من شأن هذا الأمر التأثير إيجاباً بما يخصّ موضوع التسرّب من المدارس، وتحسين مستوى المعيشة للشباب ذوي الدّخل المنخفض، والمساهمة أيضاً في تحسين ظروف العمل الماديّة مع مرور السنوات، فيحصل الشّاب على معدّل أجر أعلى بعد عدّة سنوات من عمله رغم صغر سنه مقارنة بغيره.
تعتبر مرحلة الشباب من أهم المراحل العمرية التي يمر بها الفرد والتي يشعر بها الإنسان بالاستقلالية، حيث يبدأ الشخص بالاعتماد على نفسه في تأمين مختلف احتياجاته والسعي للحصول على حياة أفضل، ولا بد من الاهتمام بهذه الفترة اهتماماً كبيراً؛ حيث يعتبر الشباب اللبنة الأساسية في بناء المجتمعات والمحافظة على مستواها العلمي والاجتماعي، ويمثلون كذلك السبب الرئيسي في تقدم المجتمعات ورقيها على كافة الأصعدة.
وتتميز هذه الفترة كذلك بأنها ذات خصوصية حيث تمر فيها مراحل النمو الجسدي والذهني والتي تظهر فيها بشكل واضح الكثير من المشاكل، ولا بد من التعامل معها حتى يستطيع الشباب القيام بأدوارهم في المجتمع على أكمل وجه.
أهم المشكلات:
1ـ تحديد المسار الفكري والأخلاقي: ومن أهم المشاكل التي تواجه الإنسان في هذه المرحلة هي تحديد مساره الفكري والأخلاقي، والذي يترتب عليه بصفه رئيسية سلوكياته في المجتمع، ويتحكم في هذا السلوك ما يفكر به الإنسان وخياله، فقد يكون ذا تفكير سلبي مما ينتج عنه الأخلاق السيئة. أما إذا كان تفكيره ايجابياً يترتب عليه الصفات الحسنة والأخلاق الحميدة، وما يتحكم في نوع التفكير سواء كان إيجابياً أم سلبياً هو مدى الارتباط بالله والتعلق بالمبادئ الدينية التي تنظم السلوك وتقّوم الأخلاق.
2ـ ترك الدراسة: تشكل الدراسة أحد أهم العوامل التي تؤدي بالشباب إلى تحديد أهدافهم ومعرفة طريقهم، واذا ما تم ترك الدراسة فلا بد من تشتت الأفكار والتوجه إلى السلوكيات المنافية للأخلاق حيث تزداد معدلات الجريمة بسبب عدم وجود ما يملأ أوقات فراغهم بما يفيد، بالإضافة إلى ذلك فقد يتعرض الشباب لمشاكل نفسية اذا ما كانت الرغبة في الدراسة موجودة ولكن لأسباب مختلفة تم ترك الدراسة، وتؤدي هذه العوامل لزيادة الاضطرابات النفسية والتي تؤدي بالضرورة إلى مشاكل اجتماعية مختلفة منها العنف المجتمعي.
3ـ المخدرات والتدخين: ومن المشاكل الأخرى التي يواجهها الشباب هو انتشار المواد المخدرة، والتي تعتبر من أبرز المشاكل التي يعاني منها الشباب في أي مجتمعات كثيرة، حيث تعاني الكثير من هذه المجتمعات من زيادة أعداد المتعاطين لأسباب مختلفة، وكذلك الإدمان على تناول الكحوليات والمسكرات أصبح من الأمور الخطيرة التي تنتشر بين الشباب؛ لذلك لا بد من وجود حلول جذرية لمثل هذه المشكلات والتي تتسبب حكماً في انهيار البناء المجتمعي الذي يشكل الشباب العامل الرئيسي في تكوينه.
ويشكل الشباب المدخن نسبة عالية في المجتمعات، وتظهر مشكلة التدخين بنسب عالية بين الشباب، وهو من مدمرات البناء الصحي، وسبب كثير من الأمراض خاصة ما يتعلق منها بالجهاز التنفسي، وسبب لكثير من السرطانات: كسرطان اللثة والرئة، والمريء، وغيرها.. وهذا كله يعود بالضرر على الفرد وعلى المجتمع ككل.
4ـ الهجرة إلى الخارج: تعتبر الهجرة والسفر إلى الخارج من وجهة نظر الكثير من الشباب أحد الحلول الجذرية لمشكلاتهم المادية، حيث يستبسل الشباب في البحث عن فرص عمل وعقود عمل خارج بلدانهم، الأمر الذي يؤدي الى انتقال الكفاءة واحتكار الإبداع مقابل المردود المالي المغري الذي تقدمه الكثير من الشركات في الخارج.
لابد من حلول:
يتضح مما سبق أن الشباب الذي يعول عليه كثيرا في تقدم المجتمعات وتطور الأمم ورقيها يعاني عديدا من المشكلات وعلى مختلف الأصعدة، فلا بد من إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلات، وليس حلولا للتخدير وتناسي هذه المشاكل.
كما أنه ولا بد من الحوار مع الشباب ومناقشتهم، والاستماع إلى آرائهم ونظرتهم إلى كيفية إيجاد الحلول المناسبة لهم وإسداء النصائح لا الأوامر، والإقناع لا الاستبداد بالرأي، وإحسان التوجيه بطرق مناسبة حتى يستطيع الشباب قبول الحلول وتطبيقها دون تحقيرهم وعدم الثقة بمستوى قراراتهم.
وظهرت هموم ومشكلات نبرز من أهمها ما يلي :
1- الفراغ التربوي :
أصبحت العلاقات بين الأسرة الواحدة ضعيفة جداً وهامشيَّة أنَّ العلاقة بين الأسر وأعضائها أصبحت علاقة جوار وقتي عند النوم ، وأحياناً عند الطَّعام ، فمثلاً توجد علاقة تربط الأبناء بالآباء والأزواج بالزوجات كما رسمها الدين الإسلامي ، فقد نقلنا عن الغرب كل ما يُهدِّد الأسرة المسلمة ، والشباب هم أكثر فئات المجتمع العربي تأثيراً بالفراغ التربوي ممّا انعكس على بنيتهم النفسية والعقلية وتوجهاتهم الثقافية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والقومية ، ولعلَّ ذلك من مظاهر الفراغ التربوي لدى الشباب .
2- أزمة التعليم وظاهرة الأميّة الحضاريَّة :
ويقدَّر عدد الطلاب في العالم العربي لكافَّة المراحل بأكثر من 60 مليون طالب عام 1990م ، وقد يتجاوز العدد 75 مليون ، إنَّ هذا العدد الضخم سلاح ذو حدين فإنْ استطعنا أنْ نحقِّق تعليماً فعّالاً يتفق مع حاجات المجتمع ويلبي طموحات خطط التنمية ، ويُساير التغيرات والتطورات العالمية ، فإنَّ كل ذلك سيُحدِث ثورة اجتماعية واقتصادية في غضون سنوات محدَّدة ، بشرط أن لا يبقى حال التعليم في العالم العربي على وضعه الرَّاهن ، فالعالم العربي يعيش تراجعاً مستمراً في دخله القومي ، ويُتوَقَّع له مزيداً من التراجع بسبب عوامل عديدة داخلية وخارجية ، اذ أن خريجي التعليم على مختلف مستوياتهم سيشكلون مزيداً من العبء على المجتمع بكامله ،
وبدلاً من أن يقودوه إلى الأمام فإنَّهم سيكونون عائقاً لتقدُّمه وتطوُّره وبخاصَّة وأنَّ عدد خريجي الجامعات يزداد بصورة كبيرة، إنَّ أهمَّ ما يُعيق التعليم هو ضعف الإنفاق عليه في العالم العربي ، لذلك لابدَّ من إعادة ترتيب الأولويات في الإنفاق ووضع العملية التعليمية في المراتب الأولى حتى يصبح للتعليم دلالته القيميَّة إذا أصبح هو هدف الشباب في ظل الفراغ التربوي ، هو الحصول على الشَّهادة ، وبذلك أصبح الأسلوب السَّائد هو أسلوب الحفظ والتلقين ، وغياب النقاش والحوار ، ومن هنا ظهرت أميَّة الحضارة إن لم يكن التخلُّف الحضاري .
3- البطالة:
يرتبط مفهوم البطالة بوصف حالة العاطلين عن العمل وهم قادرون عليه ويبحثون عنه ، إلا أنَّهم لا يجدونه ، ويعتبر مفهوم البطالة من المفاهيم التي أَخذت أهميَّة كبيرة في المجتمعات المعاصرة من البحث والتحليل ، لذا استحوذ موضوع البطالة بشكل رئيسي على اهتمام أصحاب القرارات السياسية ، وكذلك على اهتمام الباحثين الاجتماعيين أو الاقتصاديين ، بوصفه موضوعاً يفرض نفسيه بشكل دائم ومُلِح على الساحة الدولية ، لهذا لا تكاد تصدر دورة علمية متخصِّصة ذات علاقة بعلم الاقتصاد والاجتماع والجريمة إلّا وتتعرَّض لموضوع البطالة .
4- حجم البطالة ونسبتها :
يتحدد حجم البطالة من خلال احتساب الفارق بين حجم مجموع قوَّة العمل وحجم مجموع المشتغلين ، أمّا نسبة البطالة فتحسب بقسمة حجم البطالة على إجمالي قوَّة العمل مضروباً في مئة ، وذلك وفقاً للمعادلة التالية :
نسبة البطالة =(حجم البطالة /إجمالي قوَّة العمل) × 100
إن نسبة القوى العاملة في العالم العربي هي من النسب المتواضعة مقارنة مع الدول المتقدمة التي تتراوح فيها نسبة القوى العاملة 50% من مجمل السُّكان ، بينما في العالم العربي لا تتجاوز 26.5% من مجمل السكان .
أثر البطالة على الشباب والمجتمع:
1- الجانب النفسي:
تؤدي البطالة عند الشباب إلى التعرُّض لكثير من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي ، إضافة إلى أنَّ كثيراً من العاطلين عن العمل يتصفون بحالات من الاضطرابات النفسية والشخصية ، فمثلاً يتَّسم كثير من العاطلين بعدم السعادة وعدم الرِّضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة ، ممّا يؤدِّي إلى اعتلال في الصحَّة النفسية لديهم ، كما أنَّهم يتعرَّضون للضغوط النفسية أكثر من غيرهم بسبب معاناتهم من الظروف الماليَّة الصعبة التي تنتج عن البطالة .
2- الجانب الأمني:
هناك علاقة بين البطالة والجريمة ، فكلَّما زادت نسبة البطالة ارتفعت نسبة الجريمة ، ومن أهمِّ ما ورد في تلك الدراسات :
تعد جريمة السَّرقة من أبرز الجرائم المرتبطة بالبطالة.
السطو – الإيذاء: حيث أكَّدت دراسة أمريكية أنَّ ارتفاع البطالة بنسبة 1% يؤدِّي إلى ارتفاع نسبة جرائم القتل بـ 6.7% ، وجرائم العنف بنسبة 3.4% .
3- الجانب الاقتصادي:
الإنسان هو المورد الاقتصادي الأول ، وبالتالي فإنَّ أي تقدم اقتصادي يعتمد على الإنسان بإعداده علمياً حتى يُحقِّق دوره في الإسهام في نهضة المجتمع ، وتُضعِف البطالة من قيمة الفرد كمورد اقتصادي وتعمل على إهدار الطاقات البشرية .
البطالة المقنعة:
هي من أسوء أنواع البطالة وأكثرها حِدَّة في الدول المتخلفة ، وتعرف بأنَّها مقدار قوة العمل التي لا تعمل بشكل فعلي في النشاط المنتج ، ويمكن أن نرى ضمن إطار البطالة المقنَّعة ثلاث نماذج مختلفة وهي :
1- شباب دخلوا مجالات عملهم غير راغبين فيها ، بل مُجبرين وذلك بسبب ضيق مساحة الاختيار أمامهم ، خصوصاً في ظل سياسة معدلات القبول الجامعي من جهة ، والنظرة الاجتماعية لبعض التخصصات من جهة ثانية ، ومثال على ذلك المعلمون .
2- شباب أُجبروا على القيام بأعمال ليست من اختصاصهم لعدم وجود حاجة لاختصاصاتهم ، مثل خريجي التربية وهم يمارسون أعمال مالية أو حسابية .
3- شباب دخلوا أعمال تتوافق مع اختصاصاتهم ، لكنَّهم لا يقومون بأعمالهم على أكمل وجه والسبب هو الفراغ التربوي الذي يعيش في ظلِّه الشباب ، وهو أخطر الأنواع وأكثرها انتشاراً في القطاعات الإنتاجيَّة العامَّة في العالم العربي .
فإذا كانت البطالة المقنَّعة هي السبب الرئيسي في تدني الإنتاجية ، فهي أيضاً تستنزف قسماً كبيراً من الموارد المالية دون أن تنتج حيث تحوِّل العمل ليس كمقابل للأجر المقبوض لكنَّها وسيلة سهلة له ، ممّا يساعد بشكل خطير على تراكم الموظفين العاملين والمقنَّعين لدى الدوائر العامة والحكومية .
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان