الأخذ بالثأر ظاهرةٌ قديمةٌ ومتجذرةٌ في مجتمع صعيد مصر، وفي الأعراف والعادات والتقاليد التي تسيّر شؤون الحياة فيه، بل تحوّلت إلى نمط حياةٍ متكاملٍ منذ مئات السنين، وثقافةٍ اجتماعيةٍ لا يجوز التنازلُ عنها بين العديد من العائلات، ورغم ذلك فهو ينظر إليه من وجهة النظر القانونية على أنه جريمة قتل عمد ويتعامل القاتل وفقا لأحكام قانون الإجراءات الجنائية في مثل هذه الحالات.
ويترتب على ذلك ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال الشخص مرتكب جريمة القتل العمد بغرض الأخذ بالثأر الأمر الذي يترك وراءه وجود ضحية بلا ذنب هي أسرة الجاني الذي يحكم عليه بالسجن لمدة طويلة مما يسبب الكثير من المشكلات لأسرة السجين سواء مشكلات اجتماعية تتمثل في المشكلات التي تتعلق ببناء الاتصالات داخل وخارج النسق الأسري أو المشكلات التي تتعلق بالقيم الأسرية وإعادة بنائها أو المشكلات التي تتعلق بإعادة بالتوازن الأسري أو غيرها من المشكلات الاقتصادية والأخلاقية والنفسية التي تؤثر علي الزوجات والأبناء علي حد سواء في أسرة سجين الأخذ بالثأر.
ولا تستطيع الأسرة مواجهة هذه المشكلات أو التخفيف من حدتها حتى تسير بها عجلة الحياة حتى يحين موعد الإفراج عن رب الأسرة السجين الأمر الذي يتطلب ضرورة تدخل العديد من المؤسسات والمهن المختلفة لمساعدة الأسرة علي مواجهة هذه المشكلات ولعل مهنة الخدمة الاجتماعية من بين هذه المهن التي تسعي للعمل مع الفرد والجماعة والمجتمع ويدخل أيضًا ضمن نطاق اهتماماته السجين وأسرته. إن الثأر نتيجة وليس سببا، حيث تكون هذه الجريمة الباعث على رد الفعل من أولياء دم القتيل بأخذ الثأر بدافع الرغبة في الانتقام ولشفاء صدورهم، وغالبا ما تتم في حالة انفعال وسيطرة لمشاعر الغضب على الإنسان، فيغيب العقل وتنعدم القدرة على التفكير.
ولفتت إلى أن الثأر قد يقتصر على قتل شخص واحد مقابل القتيل، وقد يتجاوز إلى قتل عدد أكبر كما هو الشائع في معظم قضايا الثأر اليوم، وهذه الصورة تعد امتدادا لثقافة الثأر التي سادت المجتمع الجاهلي وارتبطت بشخصية الإنسان القائم على العصبية والتفاخر بالكثرة والانتقام بأعلى قدر من الشدة والقسوة. وأضافت البنا، أن الإسلام دعا إلى تهذيب وإزالة الكثير من عادات وأعراف الجاهلية فإن ثقافة الثأر تظل أكثر قيم ثقافة الجاهلية حضورا وتأثيرا في المجتمع العربي والإسلامي حتى يومنا هذا، وقد تستمر مستقبلا إن لم نتصد لها بطرق عقلانية.
تُعد ظاهرة الثأر أحد العادات الاجتماعية السلبية الخطيرة على المجتمع المصري التي تتركز في الصعيد، وتزداد كلما ازدادت مظاهر العصبية القَبَليّة. وهي من بقايا عادات الجاهلية التي كانت منتشرة بين الناس قبل الإسلام، وجاءت تعاليم الإسلام لتجرمها وتشرِّع القَصاص.
وتحصد هذه الظاهرة أرواحا تصل إلى المئات كل عام، إذ تطالعنا الصحف بشكل شبه يومي بجرائم قتل للثأر، في بعض شرائح المجتمع رغم القضايا الثأر بأنها بالغة التعقيد من حيث طبيعتها ومضاعفاتها وأسباب حدوثها ولذلك فإن معالجتها والقضاء عليها يحتاجان إلى الكثير من الوقت والجهد والإمكانيات وتعاون كافة شرائح المجتمع بما في ذلك منظماتُ المجتمع المدني لمحاربة هذه الظاهرة السلبية باعتبارها ظاهرةً تهدد بشدة الأمان الاجتماعي .
كذلك لابد من ضرورة غرس ثقافة الحوار والمناقشة ورفض أساليب الاستعلاء والكبرياء والتسلط من ناحية وتعلم وتثقيف الشباب حول مخاطر الإجرام بشكل عام وجرائم الثأر بشكل خاص .
أن ظاهرة الثأر من العادات السيئة، ومن بقايا الجاهلية التي كانت منتشرة في الناس قبل الإسلام ، فلما أشرق الإسلام بتعاليمه السمحة ، قضى على هذه الظاهرة وشرع القصاص، حيث يطبق بالعدل، ويقوم به ولي الأمر، وليس آحاد الناس حتى لا تكون الحياة فوضى .
في النهاية يظل الثـأر شرخ متجدد في جدار الوطن ، لذا لابد من التصدي لهذه العادة الاجتماعية المتخلفة التي تهدر القانون وتنافى قيم التحضر والإنسانية من خلال تضافر كل الجهود المخلصة من الحكومة والجامعات المختلفة والقضاء على الأسباب التي أدت إلى انتشارها ، كما لابد من أن نهتم بالتعليم الجاد وخلق فرص عمل وتنمية المجتمعات المحلية وتطوير الخطاب الديني بشكل فعال ومشاركة الإعلام مشاركة فعالة في القضاء على هذه الظاهرة .
و ضرورة القضاء على تجارة السلاح ، ففي غياب هذه التجارة تنحصر هذه الظاهرة ، كما لابد من وجود امني مكثف لسرعة القضاء على أي خلاف ينشب بين العائلات حتى لا تتطور الأمور إلى القتل ، لان اغلب المصالحات تنجح بنسبه كبيرة ، وهناك حالات تفشل فيها المصالحة بسبب تجاهل اللجان للمرأة . لان المرأة هي السبب الرئيسي في انتشار الظاهرة ،
لذلك من الضروري التركيز علي أهمية تعليم المرأة حيث أن تعليمها بمثابة تعليم أسرة بل جيل بالكامل وخاصة أن المرأة في حالة أميتها تلعب دورا كبيرا في أثارة حمية الرجال في الإسراع بالأخذ بالثأر.هود الأمنية التي تبذل للقضاء عليها.
ان دور المؤسسات الاجتماعية في القضاء على هذه العادة الذميمة من حيث دور أجهزة الشرطة في المساهمة على وئد هذه العادة وحل المشكلات التي تنبثق منها هذه الظاهرة، بالإضافة إلى دور رجال الدين وأعضاء لجان المصالحات العرفية، والمثقفين الذين يجب أن يكون لهم الدور الأكبر في عملية التوعية والإشارة الى النتائج الكارثية التي تتعاقب على الأسرة والفرد جراء هذه العادات التي عفى عنها الزمن وأصبحت حجر عثر أمام تقدم بلادنا نحو مزيد من السلام بين أفراد المجتمع.
وظاهرة الثأر من أقسى أنواع الجرائم، ومن أسوأ الظواهر وأخطرها، إذا تفشَّت في مجتمع أو انتشرت في بيئة أوردت أهلها موارد الهلاك. إنها تفتح أبواب الشر، وتحوّل حياة الناس إلى صراعات لا تنتهي إلا بترمل النساء، ويُتْم الأبناء، والقضاء على الروابط الإنسانية، وتحويل الحياة إلى سلسلة من الاغتيالات على مذابح الأضغان العائلية.
كما ينتشر الثأر في المجتمعات ذات الصبغة القبلية، ويرتبط بمجموعة من العادات والتقاليد والموروثات التي تدعم انتشاره وتدعم وجوده في هذه المجتمعات كأحد العادات اليومية العادية، أي التي اعتاد عليها سكان هذه المجتمعات، وينتشر بصورة ملحوظة في مصر، وخاصة في منطقة الصعيد.
فالثأر في الصعيد هو قيمة وممارسة اجتماعية لها مكوناتها وتقاليدها؛ حيث إنه مستقر في معظم أرجاء الصعيد، وهو الوجه الآخر لهيبة العائلة وكرامتها داخل مجتمعها، وأن العائلة بجميع أفرادها مسئولة عن الأخذ بالثأر.
والعائلة في الصعيد تحتل مكانًا متقدمًا على أي انتماء آخر؛ فهي تأتي قبل الفرد وقبل الدولة؛ فالعائلة هي المرجع الرئيس لأفرادها بغض النظر عن الوضع الاقتصادي والوظيفي. ويلاحظ أن العائلة في الصعيد تشير إلى الانتماء للأب فقط وليس الأم، إلا إذا كانت من العائلة نفسها، كما أن العائلة في الصعيد تجمع فروعًا صغيرة، فالعائلة هي الانتماء إلى الجد الأكبر، ومن ينتمي إلى الجد الأكبر يصبح من العائلة، الواجب نصرته ومساندته، وتجمع من ينتمي إلى هذا الجد الأكبر التزامات واحدة تجاه العائلة بنفس درجة القرابة المباشرة، حيث تعد العائلة في الصعيد المرجعية الوحيدة التي تحدد العلاقات مثل الزواج وشراء الأراضي والمساكن.. وغيرها.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان