أدرك المجتمع الدولي أن ظاهرة الإرهاب الدولي ظاهرة معقدة لها أسبابها العميقة والتاريخية بما في ذلك الظلم الاجتماعي، والتخلف، والتعصب والاحتلال، والنظام الدولي الجائر، والعولمة المتوحشة،
ولذلك فان كلا الوثيقتين الدوليتين المشار إليها سابقا قد تضمنتا الإجراءات المتوجب اتخاذها من قبل الدول منفردة ومن المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب من جذوره، وليس الاكتفاء بالإجراءات الامنية والعقابية فقد جاء في البند سادسا فقرة 148 الارهاب من تقرير لجنة الحكماء.
إن ظاهرة الإرهاب والتطرف الديني باتت تمثل أحد أهم التحديات الرئيسية أمام المتجمع الدولي، حيث انتشرت بمعظم المسارح الإقليمية، وامتدت إلى كافة المجتمعات دون التفرقة بين مجتمع نامي ومتقدم، و أنه في ضوء المخاطر والتهديدات التي تتعرض لها الدولة المصرية من موجات الإرهاب المنظم والمخطط المدعوم من الداخل والخارج، تتبنى القوات المسلحة ضمن أجهزة الدولة استراتيجية شاملة لمحاربة الإرهاب واقتلاع جذوره.
مصر تواجه الإرهاب. تلك حقيقة يمكن إثباتها ببساطة، ليس فقط من خلال الأحداث التي تقع في سيناء ومدن القناة، حيث يُقتل جنود الجيش وضباطه، وتستهدف قوات الشرطة، وتُطلق القذائف على الأمكنة والمواقع العسكرية والأمنية، ولكن أيضاً هنا في الوادي، حيث تُروع الدولة، وتستهدف سلطتها، وتُقطع الطرق، ويُفزّع الجمهور، ويتعهد «الإرهابيون» بشل الحركة، أو مهاجمة المدارس، أو «غلق مصر لحين عودة مرسى».
تريد الدولة أن «تواجه الإرهاب»، لأن هذا دورها، وتلك مسؤوليتها. ويريد الجمهور البسيط أن يعيش في أمان من دون تهديد ولا ترويع، وأن تستقر الحياة ليواجه مطالبها التي لا تنتهى، وذلك منتهى أمله. وتريد الجماعات السياسية المعارضة أن تصل إلى الجمهور وتستميله، وهذا حقها.
ويريد بعض النخب والسياسيين والحقوقيين والمثقفين أن يحافظوا على الوجه المدني للدولة، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، وآليات الديمقراطية، وهذا واجبهم. ويريد «الإرهابي» أن يقوض كل هذا ويشعل النار فيه، وهذه طبيعته.
لقد كانت مصر أول من دعت إلي عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب وكانت تلك المبادرة والتي أطلقها الرئيس السابق في حديثه أمام الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في 28 يناير 1986 تقوم علي قاعدتين أساسيتين :
القاعدة الأولى : أمنية ، وتقضي بملاحقة الخلايا الإرهابية وعناصرها في كل مكان وأن يقوم تعاون دولي بين الأجهزة الأمنية لهذا الغرض وأن تتم ملاحقة مصادر تمويل الإرهاب عبر الشبكة المالية الدولية .
القاعدة الثانية : فكانت تقضي بالبحث عن جذور الإرهاب واجتثاثها وقال الرئيس السابق في هذا الصدد بوضوح وثقة ” إن سيف الإرهاب سيطال الجميع ” . وقد طرح الرئيس مبادرته في جميع المحافل الدولية وأشار إليها في عدد كبير من أحاديثه ولقاءاته …
في 27 يناير 1987 , قال الرئيس السابق في كلمته أمام مؤتمر القمة الإسلامي الخامس في الكويت :
أ – أن مصر قد نبهت منذ ما يزيد علي عام إلى ضرورة التصدي لظاهرة الإرهاب والكشف عن دوافعها وآثارها السياسية والاقتصادية والنفسية .
ب – أن مصر قد دعت إلي التفرقة بين أعمال الإرهاب المستنكرة وبين النضال الذي تخوضه حركات التحرير الوطني للخلاص من الاحتلال الأجنبي والاستعمار والسيطرة .
فى12 مارس 1993 , أكد الرئيس السابق في حديثه لصحيفة الأنباء الكويتية على :
أ – أن الإرهابيين مجموعة من المجرمين الخارجين علي القانون .
ب- الغالبية العظمي منهم كانت في أفغانستان وكان الواحد منهم يتقاضى ألف وألف وخمسمائة دولار في الشهر وعندما انتهت العمليات العسكرية في أفغانستان بدأوا الحديث عن مصدر آخر للعمل والتمويل فوجدوا ضالتهم في إيران ولكن طهران لم تعطيهم الكثير وبالتالي فقد انتقلوا من إيران للسودان ومن السودان إلي مصر .
في 7 ديسمبر 1995 , مؤكداُ خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي -آنذاك- شيمون بيريز في القاهرة على أن …
أ – الإرهاب ليست ظاهرة خاصة بدولة معينة ولكنها ظاهرة دولية .
ب – لابد من التعاون بين جميع دول العالم حتى تتوقف عمليات الإرهاب عند حدودها .
فى13 مارس 1996 , جاء في تصريحات الرئيس السابق عقب اجتماعات قمة صانعي السلام بشرم الشيخ ” إن العمليات الإرهابية يمكن أن تحدث في أي وقت ولا يمكن منعها مائة في المائة ولذلك كان لابد من عقد هذا المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب على الأقل لكي يشعر الناس في كل مكان أن الإرهاب مدان من الأغلبية العظمي من زعماء العالم ” .
فى14 يناير 1998 , أكد الرئيس السابق في كلمته أمام المؤتمر الطارئ لاتحاد البرلمانيين العرب بالأقصر علي أن :
أ – الأنشطة الإرهابية تتعدي حدود الدول لنشر الرعب في المجتمعات الآمنة وتخرق القيم الإنسانية والقواعد الأخلاقية .
ب – الإسلام برئ من كل ما يعلق به من افتراءات فهو دين الرفق والمحبة واحترام إنسانية الآخرين .
ج – التضامن العربي يتيح تضافر جهود الدول العربية من أجل مكافحة قوى الظلام والتطرف ودعاة الخراب .
في 25 يناير 1999, أشاد الرئيس السابق في كلمته بمناسبة الاحتفال بعيد الشرطة ، بالشرطة المصرية وذلك لنجاحها في تطويق خطر الجماعات الإرهابية وتقويض تنظيماتها وشل فاعليتها .
فى12 فبراير 2000 , قال الرئيس السابق في حديثه لوكالة الأنباء الفرنسية ” إن مشكلة التطرف والإرهاب ليست مقصورة على مصر إنها مسألة إرهاب دولي كما أنها ظاهرة عالمية مثل ما يحدث من أعمال العنف التي جرت في أوروبا والولايات المتحدة وقد دعوت منذ عشر سنوات إلي عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب الذي يمثل ظاهرة عالمية ” .
في 25 سبتمبر 2001 , وبعد أحداث سبتمبر الإرهابية والتي أصابت نيويورك وواشنطن أكد الرئيس السابق في حديث لشبكة سي بي أس الإخبارية الأمريكية أن :
أ – جميع الدول في العالم دون استثناء ستعمل مع الولايات المتحدة ضد الإرهابيين فلا توجد دولة واحدة مقتنعة بمساندة الإرهاب .
ب – مصر عانت لسنوات من وطأة الإرهاب وأن عناصر حركة الجهاد الإسلامي المصرية ليسوا في مصر فهم مع بن لادن .
في 6 مارس 2002 , قال الرئيس السابق أمام مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي : أ – إن أحداث سبتمبر المأساوية تؤكد أن المجتمع العالمي يجب أن يعمل معاً في مواجهة الإرهاب بكل اشكاله .
ب – إن هذا الحدث أكد أن رفاهية البعض يمكن أن تكون رفاهية للجميع وأن الآلام والظلم الذي يتعرض له آخرون يجب أن تكون آلامنا ومظلامنا جميعاً .
ج – أن مصر تحركت للرد على قوى الظلام وتبذل مساعيها لاستئصال هذا السرطان الذي يهدد الجميع .
في 10 مارس 2003 , أكد الرئيس السابق في كلمته أمام المؤتمر السادس لوزراء الإعلام العرب أن :
أ – الإرهاب جريمة عالمية منظمة تهدد الاستقرار والأمن في العالم كله لا دين ولا وطن ولا جنسية .
ب – الإرهاب خنجر مسموم يرتد إلى قلب من يحميه .
ج – مصر طالبت العالم بالتكاتف للتعرف على أسباب الإرهاب والقضاء عليها واجتثاث جذور وتجفيف متابعة من خلال مواجهة عالمية شاملة تحت مظلة الأمم المتحدة وفي إطار مؤتمر دولي .
موقف الولايات المتحدة من الأحداث في مصر:
حاولت الحكومتان الأميركية والمصرية، خلال الشهر الماضي، تجاوز التشنّجات التي طبعت العلاقات الثنائية بينهما منذ تموز/يوليو 2013، وذلك عبر إعادة تركيز العلاقات الأميركية-المصرية حول المصالح المتبادلة الملحّة، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب. على الرغم من أن هذه المقاربة تبدو منطقية، يستمر التوتّر لأن تعريف “الإرهاب” يختلف بين الطرفَين.
وحتى في الوقت الذي تتعاون فيه الولايات المتحدة مع السلطات المصرية من أجل التصدّي للتهديدات في سيناء وسواها من المناطق الحدودية المصرية، ستظل العلاقة بين البلدَين مشحونة – ومن غير المرجّح أن تتدفّق المساعدات بحرية وسهولة – بسبب إصرار الحكومة المصرية على تصنيف المعارضة السياسية في خانة الإرهاب أيضاً.
تواجه مصر تهديداً إرهابياً حقيقياً وخطيراً داخل شبه جزيرة سيناء التي تشكّل أيضاً منطلقاً للهجمات الإرهابية في أجزاء أخرى من البلاد، ومما لاشك فيه أن التصدّي لهذا التهديد يشكّل أولوية أمنية مشتركة. بحسب مصادر الحكومة المصرية، بلغت حصيلة القتلى في الهجمات الإرهابية منذ اندلاع الانتفاضة في العام 2011، أكثر من 700 شخص في صفوف الجنود والشرطة والمدنيين، مع الإشارة إلى أن حوالي 500 منهم لقوا مصرعهم منذ الانقلاب في تموز/يوليو الماضي. وقد سقط العدد الأكبر من الضحايا في سيناء أو على أيدي أفرقاء يتخذون من سيناء قاعدةً لهم.
في معظم الحالات، عندما تنفجر عبوة ناسفة عند قارعة الطريق، وهذا يحدث بصورة شبه يومية، أو تتعرّض آليات الأجهزة الأمنية لإطلاق نار، لا تتبنى أي جهة المسؤولية؛ فالإرهابيون يتبنّون عادةً التفجيرات الضخمة التي يسقط فيها عدد كبير من الضحايا. المجموعة الأكثر نشاطاً التي تتبنّى هذه الهجمات هي أنصار بيت المقدس، كما أنه التنظيم الوحيد في سيناء الذي يُعلن مسؤوليته عن هجمات خارج شبه الجزيرة.
على الرغم من أن اسم التنظيم، أنصار بيت المقدس، يُشير إلى أن إسرائيل هي المستهدفة، تحوّلت المجموعة، في أقل من ثلاث سنوات على تأسيسها في مطلع العام 2011، من مهاجمة إسرائيل ومحاولة تعطيل العلاقات المصرية-الإسرائيلية إلى التركيز بطريقة شبه حصرية على حربها ضد الجيش المصري، لاسيما منذ صيف 2013.
وقد تبنّت عمليات عدة بدءاً من الهجمات بالصواريخ على إسرائيل مروراً بالتفجيرات في شمال سيناء وجنوبها وصولاً إلى محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري محمد ابراهيم في 5 أيلول/سبتمبر الماضي والهجمات على الشرطة ومديريات الأمن في محافظات القاهرة والدقهلية والإسماعيلية والشرقية.
وفي 25 كانون الثاني/يناير الماضي، أسقطت جماعة أنصار بيت المقدس مروحية تابعة للجيش المصري في سيناء بواسطة صاروخ أرض-جو محمول على الكتف؛ وفي 16 شباط/فبراير الماضي، نفّذ التنظيم هجوماً انتحارياً استهدف حافلة تقلّ سياحاً كوريين في طابا، في أول اعتداء مباشر على السياح منذ انتفاضة 2011. على الرغم من طموحات أنصار بيت المقدس ودعمهم لفكر تنظيم القاعدة، لا تربطهم أية صلات رسمية بالقاعدة، ولا تشكّل هذه المجموعة التي تتخذ من سيناء قاعدة لها تهديداً مباشراً لأمن الولايات المتحدة.
لكن نظراً إلى أن أنصار بيت المقدس تنظيم جهادي يتمركز في الأراضي الحدودية بين دولتَين حليفتَين للولايات المتحدة ويشنّ هجمات ضدهما، فهو يشكّل تهديداً مباشراً لثلاث مصالح مرتبطة بالأمن القومي الأميركي: الاستقرار المصري، والأمن الإسرائيلي، والحفاظ على الهدوء عند الحدود بين الدولتَين. وقد صنّفت وزارة الخارجية الأميركية جماعة أنصار بيت المقدس في خانة التنظيمات الإرهابية في 9 نيسان/أبريل 2014.
خلال الأشهر القليلة الماضية، حقّقت القوات المسلحة المصرية نجاحاً أكبر في التصدّي للتهديد القادم من سيناء عبر تطبيق إجراءات أمنية مشدّدة في شبه الجزيرة. عندما أسقطت جماعة أنصار بيت المقدس المروحية العسكرية في كانون الثاني/يناير الماضي، ثم شنّت الهجوم على حافلة السياح في شباط/فبراير، بدا وكأنه من المستحيل وضع حد لزخم العمليات التصاعدية التي يشنّها التنظيم.
إلا أن هذه الهجمات سمحت للقوات المسلحة المصرية بتركيز جهودها. فإصرار الحكومة المصرية على أن جماعة الإخوان المسلمين تقف خلف الهجمات التي يشنّها أنصار بيت المقدس – فضلاً عن أن الإخوان كانوا يشكّلون خصماً سياسياً وجودياً – دفع بالقوى الأمنية إلى التركيز على الإخوان أكثر منه على أنصار بيت المقدس. لكن في الأسابيع التي تلت إسقاط المروحية، قصف الجيش المصري، بواسطة مروحيات أباتشي، مواقع يُشتبَه بأن الجهاديين يختبئون فيها خارج مدن العريش ورفح والشيخ زويد شمال سيناء.
من الناحية العملانية، كان استخدام المروحيات في هذه الهجمات الطريقة الأكثر فعالية – وعشوائية – للقضاء على الجهاديين، لكنه كان مؤشراً واضحاً أيضاً بأن هجوماً واحداً بواسطة صاروخ أرض-جو لا يكفي لتعطيل تفوُّق الجيش في القوة النارية على الأرض.
حتى خلال تعليق المساعدات الأميركية بين تشرين الأول/أكتوبر ونيسان/أبريل الماضي بسبب حملات التضييق الشديد على الإخوان المسلمين وسواهم من الناشطين السياسيين، تابع الجيش المصري هجومه في سيناء.
تُفضّل مصر عدم الكشف على الملأ عن تعاونها مع إسرائيل، بيد أنهما تنسّقان معاً عمليات الجيش المصري في سيناء منذ العام 2011. وكذلك يتباحث المسؤولون الأميركيون باستمرار مع نظرائهم المصريين حول سبل معالجة التهديد في سيناء. وعمليات الجيش المصري في سيناء هي أيضاً من مصلحة الولايات المتحدة، وقد نوّهت الحكومة الأميركية بتكثيف السلطات المصرية جهودها في هذا الإطار.
وأتى المسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية على ذكر هذه العمليات – فضلاً عن الإقرار بالتهديد المشترك الذي يمثّله تنظيم أنصار بيت المقدس – لدى الإعلان في نيسان/أبريل الماضي عن قرار إرسال عشر مروحيات أباتشي جديدة إلى مصر. فيما تركّز القوات المسلحة والشرطة على التهديد الإرهابي في سيناء، أكثر من أي وقت مضى منذ اندلاع الانتفاضة في العام 2011، استتبّ الهدوء إلى حد كبير في شبه الجزيرة، على الأقل في الوقت الحالي. لكن وفي حين نجحت القوات المسلحة في كبح الهجمات الكبرى التي تنطلق من سيناء، سُجِّل ارتفاع في أعداد الهجمات الصغيرة، التي لا علاقة لها على الإطلاق بالمجموعات المتمركزة في سيناء، والتي تستهدف دوريات للشرطة وحواجز تفتيش وأفراداً في المدن المصرية، وتُنفَّذ رداً على ممارسات الشرطة التعسّفية
، كما توصَف، منذ عزل مرسي. هذه الهجمات هي أيضاً أعمال إرهابية، ولا يجوز الصفح عن مثل هذه الممارسات العنيفة أو تبريرها؛ لكن الولايات المتحدة ترى أن النزاع السياسي الراهن في مصر – والقمع الذي تمارسه السلطات المصرية بحق المعارضة المصرية وهكذا تنظر الولايات المتحدة موقف مصر ضد الارهاب يزيد من حدة المخاطر التي تحدق بالبلاد جرّاء التهديد الإرهاب.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان