إن رسالة المثقف العربي في المجتمع ليست هامشية بقدر ما هي هامة حضورياً، وما يستتبع ذلك من مهام وأدوار ملقاة على عاتق المثقف في الانفتاح على الناس، والتفاعل مع قضايا الوطن وهمومه، وهذا الانفتاح المرغوب هو الذي يلغي الحواجز، ويسمح بإقامة علاقة ثابتة وصحيحة مع المجتمع تجعل منه مثقفاً صادقاً مع نفسه ومجتمعه، ويدرك بالتالي متطلباته الملقاة عليه، وغرس بذور الثقة والتفاعل الإيجابي بين المثقف وقضايا الوطن في عمومه، لاسيما قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تعد من المتطلبات الملحة في وطننا العربي.
فما نريده من المثقف العربي في هذا الصدد أن يكون حاملاً لمشعل الحرية الحافظ للثقافة الخلاقة المبدعة، الصائن لقيمتها الإبداعية، الهادف لبناء مفاهيم راقية من احترام الآخر وثقافته، والإسهام في بناء الحضارة الإنسانية.
إن من الخطأ الفادح أن يختزل المثقف الثقافة في جانبها الضيق، ودورها المحدود، ويجعلها أحادية في نظرتها وتعاطيها مع القضايا المختلفة. فالتاريخ والحاضر يعلماننا ـ كما يقول محمد محفوظ ـ أن حيوية الثقافة وفاعليتها مرهونتان بتوسيع قاعدتها الاجتماعية، وأما مقتلها الحقيقي يتجسد في خنقها في إطار نخبوي ضيق.
أن المتحقق فقط هو تمدد أجسام المجتمع المدني الثقافية التي بعضها بالتأكيد له دور جيد في النقاش وفي دعم موجة الوعي، لكن هذه الثقافة التي خضعت -بعد تحررها من الخضوع- للنموذج الثوري وبالأخص صورة البطل المسلح، وكانت فاعليته أفقية لكنها لا تحكي الأزمات وتقترح الحلول وتتحمل الضريبة القيمية.
إذا أردنا أن نعيد بناء الفكر العربي وتجديده، نحتاج أولا أن نعرف أين نقف الآن. وما الذى نسعى أن نصل إليه، في المفاهيم والقيم والمنظومات المعرفية، وفى كيفية الاستجابة للتحديات، وتحويلها إلى فرص. إن في المشهد الفكري السائد، الكثير ان من المأمول أن يكون المثقف العربي، الضمير الشقي الذى لا يرتاح للأمر الواقع، بل يسعى لتفسيره وتغييره،
لكنه اليوم قلق وحائر، وغالبا في حالة ذهول أمام التحولات المتسارعة حوله. من منَا كمثقفين توقع أن «بَجَعًا سوداء» من الشباب ستخرج بقوة إلى الشوارع العربية، تحتج ضد القبح والفساد والبطالة والتنمية المعاقة والمحاصصة والطوائفية والاستباحة الخارجية للأمن القومي.
كنا نعتقد أنه جيل سطحي، استهلاكي، لا يقرأ، وأنه جيل الجينز والفيس بوك… إلخ. لنعتذر للشباب، الذين قصرنا في فهمهم، وإدراك همومهم وتطلعاتهم، لقد أهملنا مائة مليون شاب عربي، ثروة هائلة لو توافرت لديها السبل، لفرزنا بينهم مئات الآلاف من العلماء والمبدعين والمبرمجين، ليُدخلوا الوطن في قلب الثورة التكنولوجية الرابعة، ليس كمستهلكين بل كمبدعين.. يحق لهذا الجيل أن يطلب من النخب الثقافية والسياسية والاقتصادية الاعتذار. السلبيات والنواقص.. ومن بينها الظواهر السلبية التالية:
جمود الخطاب الثقافي والفكري، في مضمونه ومشاغله، فضلا عن ضعف دوره كأداة للإنتاج النظري، وعجزه عن بلورة منظومة معرفية تتفاعل مع العصر، وتتعامل مع التحولات، وتُولد أسئلة جديدة، تتعلق بقضايا الإنسان العربي المعاصر، وعلاقته بالآخر المغاير والكون، وقضايا الديموقراطية والمشاركة والدولة الوطنية والمواطنة المتكافئة المتعاقدة، والثقافة النقدية والنهوض والتجديد الحضاري والحكم العصري الرشيد.
أن الأنشطة الثقافية كانت حاضرة بشكل خجول، وكان دورها وفاعليتها شبه غائبين تماما. فباستثناء الحضور الثقافي الشعبي الارتجالي الذي طفا من قاع المجتمع، وكذلك طبع بعض المطبوعات لعدد من الكتاب والمثقفين، وهو أمر لم يستمر، إضافة إلى تنظيم بعض الأمسيات الأدبية والعروض السينمائية الهاوية غير المنتظمة،
نجد أن كل ما تم تنظيمه من أنشطة بعد 17 فبراير، لا تعدو كونها أنشطة كرنفاليه استعراضية لا تتسم بالديمومة، وليست ذات فاعلية وجدوى في المجتمع بحيث تؤثر في عامة الناس ويؤثرون فيها.
الثقافة بحاجة إلى كيان يؤسسه المثقفون وأعني هنا «اتحاد الكتاب»، يكون ضاغطا في اتجاه المطالبة بتعزيز دور الثقافة وتكثيف حضورها في المشهد العام والمحافل المحلية والدولية. وكان لزاما أن يكون من بين منتسبي الاتحاد أعضاء مراقبون في البرلمانات المتعاقبة. والأخيرة بحاجة إلى وزير ثقافة يؤمن بدور الثقافة، وهو ما حاول وزير سابق فعله ولكن الأمر لم ينجح، وبالتالي لا يمكن للثقافة أن تنظم نفسها بنفسها في ظل تفاقم الأزمات.
المثقف الليبي بأنه هش، فقد هزمه الجهل، الذي أفسح المجال واسعا لغلبة السلاح على الفكر فمنذ أن عُسكرت الحياة وقف المثقف حائرا فيما يجب عليه فعله؟ وكيف عليه فعله؟ انتهى دوره كمثقف من منظوره هو، بينما من منظور آخر كان يجب أن يبدأ من هنا ما دام تأخر حتى هذا الوقت.
إنّ “الحالة العربيّة” الرّاهنة، ، تستوجب شرحا تفصيليّا، للمنطلقات و الوسائل و الغائيّات. ففهم هذه التحوّلات المتسارعة، و التي تدفع إلى إعادة النظر في كثير من المفاهيم، هو في النّهاية مسعى من أجل محاولة استكشاف مستقبل هذا التّغيير الذي يتداخل فيه الدّاخلي و الخارجي على قدر المساواة. فمن المهمّ في هذه المرحلة أن نسأل “العرب إلى أين؟” ومن المهمّ أيضا أن نسأل عن الغائيّات التي تقف وراء كل هذا الحراك، و التي يبدو أنّ المثقّف العربي، قد أفلت من يديه زمام الأمور، مبادرةً و قيادةً.
إنّ المطلوب في هذه المرحلة، هو بناء دولة وطنيّة عصريّة، يكون فيها الفرد مواطنا مكتمل المواطنة، و تكون فيها الدّولة خادمة للفرد، ملبيّة لمطالبه، ساعية به نحو السّعادة. لأن المواطن العربي، ليس أقل شأنا من بقيّة الشّعوب التي سبقته إلى التمدّن و إلى الحرّية و الدّيمقراطيّة و إلى الرّفاه الاجتماعي و الاقتصادي. و جملة هذه المفاهيم و المطالب، هي في صلب اهتمامات الفكر العربي طوال قرن من الزّمان.
وقد حان اليوم، زمن تحويل تلك الأفكار و الشّعارات إلى سياسات عمليّة في حدود الإمكانات المتاحة، و في حدود قدرة هذا المجتمع أو ذاك على هضم تلك الإصلاحات أو تقبلّه حركة التّغيير. ونحن على وعي تامّ بأنّ ممكنات التّغيير في الظّرف العربي الرّاهن أصبحت أكثر يسرا، لكنّ هذا لا ينفي وجود عوائق كثيرة مازالت قائمة، قد تجعل المثقّف غير قادر على القيام بوظائفه، حتى و إن رغب في لعب أدوار جديدة. و بما أنّ حركة التّغيير هي حركة طويلة و شاقّة، فإنّه من الطّبيعي أن تكون هناك عوائق تسدّ طريق الممكنات،
ومن الطّبيعي أيضا أن يسعى الفاعلون في هذه الحركة إلى منافسة المثقّف، و افتكاك صلاحياته، خاصّة أن الوسائط الجماهيريّة فتحت الأبواب، أمام المشاركة الجماعيّة الواسعة، في صياغة القرار و في ورشات التّفكير. ممكنات الفعل و حدوده و تأثير وسائط الاتصال الجماهير في تداخل الدوار و الوظائف،
لقد أثبتت التّجربة العربيّة الرّاهنة أنّ التّحول السّياسي، إذا لم يكن قائما على مرجعيّات معرفيّة و ثقافيّة واضحة، و إذا لم يكن مبنيّا على مشروع ثقافي له أهداف كبرى، فإن التحوّل السّياسي يمكن أن يتحوّل إلى “انسحاب نحو ماض مجهول “و يمكن أن يتحوّل إلى جملة “انفجارات اجتماعيّة”. و التّجربة أوضحت أنّ التّغيير السّياسي دون مرجعيّة فكريّة، يمكن أن يتحوّل إلى عمليّة هدم للدّولة و إلى عمليّة تخريب اجتماعي و اقتصادي و ثقافي، و في كثير من الحالات، إلى تدمير المكتسبات القليلة التي حقّقتها الدّولة الوطنيّة.
الدوافع والأهداف، الشرعية من أهم الأفكار والمفاهيم التي تتناولها المنظومة الفكرية في الحياة الثقافية المعاصرة، التي تبنى عليها العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي الأسس التي تعتمد عليها الهيئة الحاكمة في ممارستها للسلطة، وتقوم على حق الحكومة في ممارسة السلطة وتقبُّل المحكومين لهذا الحق،
ومفهوم المشروعية بمعنى خضوع نشاط السلطات الإدارية ونشاط المواطنين للقانون الوضعي، أي أن الشرعية مفهوم سياسي بينما المشروعية مفهوم قانوني. وبحيث تُعرَّف الشرعية بأنها “تقبُّل غالبية أفراد المجتمع للنظام السياسي وخضوعهم له طواعية، الشرعية
إذا هي القبول الجماعي أو الإرادة العامة وهي المعيار الذي يقاس عليه سلوك المجتمع من حيث القبول أو الرفض، أي أن محور القياس يجري على قواعد القبول، ومن هنا اختلفت المجتمعات الإنسانية في قبولها ورفضها وفقا لمقتضيات بيئتها السياسية ومصالحها، وعادة ما تُضمّن هذه القواعد في وثيقة تُعرف بالدستور،
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان