يعتبر العمل الأهلي في مصر من الأعمال العظيمة التي تركت بصماتها على كثير من مناحي الحياة في مصر، وكانت تسهم في مؤازرة جهود الدولة في تلبية الاحتياجات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. إن القانون الجديد لتنظيم العمل الأهلي 149 لسنة 2019 فرصة جيدة لإعادة تنظيم عمل هذا القطاع بشكل يُسهم في عملية التنمية المستدامة من خلال شراكة حقيقية ومؤسسية مع مؤسسات الدولة، تقوم على المشاركة في صنع السياسات العامة منذ مراحلها الأولى
إن بناء الدولة الوطنية القادرة على مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها يستدعى تطوير علاقات صحية بين المجتمع السياسي (السلطة) وبين المجتمع المدني أو الأهلي (المواطنين) حيث يجب أن تتميز الأدوار بينهما بوضوح واحترام، ويجب العمل بجهد ودأب على تعزيز المواطنين الذين يرمز لهم برأس المال الاجتماعي الذى يمثل 40% من رأس المال المطلوب لتحقيق التنمية،
وتعتبر المنظمات الأهلية هي العمود الفقري لتعزيز رأس المال الاجتماعي وتشكيل مناخ يتبنى قيمة المواطنة ويكون لدى مؤسسات المجتمع المدني حرية العمل في المجال العام بإبداع وجرأه في تناول القضايا ومواجهة التحديات الهامة للمجتمع دون خوف أو تملق أو محاباة، كما أن المجتمع المدني يجب أن يعمل في إطار ضوابط الصالح العام في المجتمع ولا يخضع إلى الصالح الخاص..
إن بناء الدولة القومية في هذا الاتجاه يسهم في تبنى أن يكون له دور أساسي في بناء الدولة الحديثة، لذا نرى أهمية دور المنظمات الأهلية في بناء الدولة القومية وتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة باعتبار أن هذه المنظمات شريك فاعل وعمود أساسي مع أجهزة الدولة في مواجهة التحديات والقضايا الأساسية التي تواجهه الدولة
لعبت الجمعيات الأهلية في مصر دورًا رعائيًا كبيرًا منذ نشأتها، تطور بتطورها. فالعمل الخيري كان أحد الأهداف الرئيسة للجمعيات الأهلية في مصر تاريخيًا منذ نشأة الجمعية الخيرية الإسلامية 1878 وجمعية المساعي الخيرية القبطية 1881 وحتى يومنا هذا.
اهم مزايا القانون الاهلي
- توحيد الجهات المنوط بها الإشراف على مؤسسات المجتمع المدني في جهة إدارية واحدة.
- إلزام الجهة الإدارية المنوط بها الإشراف على مؤسسات المجتمع المدني، بإنشاء قاعدة للبيانات تقيد فيها جميع مؤسسات المجتمع المدني وأنشطتها وبرامجها ومصادر تمويلها.
- للجهة الإدارية التصريح للأشخاص الطبيعية أو الاعتبارية المصرية أو منهما معا بإطلاق أو تنفيذ مبادرة أو حملة لتنفيذ نشاط معين من أنشطة العمل الأهلي المصرح للجمعيات بتنفيذها وفقاً لأحكام هذا القانون. – بما لا يجاوز نسبه 25% من عدد الأعضاء، يحق لغير المصريين ممن لهم إقامة قانونية دائمة أو مؤقتة في مصر، الاشتراك في عضوية الجمعيات أو مجالس إدارتها.
- للوزير المختص الترخيص لأي من الجاليات الأجنبية في مصر إنشاء جمعية تعنى بشئون أعضائها، بشرط المعاملة بالمثل.
- بناءً على ترخيص الوزير المختص، بعد تقديم طلب، يجوز للجمعيات فتح فروع لها خارج جمهورية مصر العربية، وفقاً للضوابط التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
- بناء على ترخيص من الجهة الإدارية، للجمعيات أو لغيرها تخصيص أماكن لإيواء الأطفال والمسنين والمرضى بأمراض مزمنة وغيرهم من المحتاجين إلى الرعاية الاجتماعية والأشخاص ذوي الإعاقة.
- إلزام الجمعيات بفتح حساب بنكي في أحد البنوك الخاضعة لرقابة البنك المركزي.
- منح الجمعيات الحق في تلقي الأموال النقدية من داخل الجمهورية من أشخاص طبيعية أو اعتبارية مصرية أو منظمات أجنبية غير حكومية مصرح لها بالعمل داخل مصر.
- السماح لكل من وجه الدعوة للجمهور لجمع التبرعات النقدية والعينية بخلاف مؤسسات المجتمع المدني التصرف في هذه التبرعات بعد الحصول على تصريح بذلك من الجهة الإدارية.
- يحق قبول وتلقي الأموال والمنح والهبات من أشخاص طبيعية أو اعتبارية مصرية أو أجنبية من خارج البلاد أو من أشخاص طبيعية أو اعتبارية أجنبية من داخل البلاد، بعد إخطار الجهة الإدارية وعدم اعتراضها خلال المدة المحددة، وتعتبر موافقة إذا انقضت المدة.
- إلزام الجمعية بالنزاهة والشفافية والإفصاح والإعلان عن مصادر تمويلها وإتباع قواعد الحوكمة والإدارة الرشيد على أن يتم الإنفاق في الأغراض المخصصة لها، ولها أن تستثمر فائض إيراداتها على نحو يضمن لها الحصول على مورد مالي ملائم أو أن تعيد توظيفها في مشروعاتها الإنتاجية والخدمية لدعم أنشطتها. – يجوز للجمعية تأسيس أو المساهمة في تأسيس شركات وصناديق استثمار خيرية ترتبط بأنشطتها وبما يحقق الاستثمار الآمن لها، واستثمار العائد لتحقيق الاستدامة المالية لأنشطة الجمعية.
- للوزير المختص التصريح للمنظمات الأجنبية غير الحكومية بممارسة نشاط أو أكثر من أنشطة الجمعيات والمؤسسـات الأهلية الخاضعة لأحكام القانون المرافق وفقا للقواعد المقررة فيه لمدة محددة يحددها الوزير في ذات التصريح. ونصت المادة “17”من القانون على: مع عدم الإخلال بأية مزايا منصوص عليها فى قانون أخر، تتمتع الجمعيات والمؤسسات الأهلية والاتحادات المنشأة وفقاً لأحكام هذا القانون بالمزايا الآتية:
1- الإعفاء من رسوم التسجيل والقيد التى يقع عبء أدائها على الجمعية فى جميع أنواع العقود التى تكون طرفاً فيها كعقود الملكية أو الرهن أو الحقوق العينية الأخرى وكذلك من رسوم التصديق على التوقيعات. 2- الإعفاء من ضرائب ورسوم الدمغة المفروضة حالياً والتى تفرض مستقبلاً على جميع العقود والتوكيلات والمحررات والأوراق المطبوعة والسجلات وغيرها والتي يقع عبؤها على الجمعية.
3- إعفاء العقارات المبنية المملوكة للجمعية من جميع الضرائب العقارية، على أن يقتصر حق الجمعية فى تملك العقارات، على العقارات التى تمكنها من تحقيق أغراضها فحسب ولا يسمح لها بتغيير النشاط إلا بموافقة الوزير المختص.
4- اعتبار التبرعات التي تقدم للجمعيات تكليفاً على دخل المتبرع بما لا يزيد على (10%) من صافى دخله.
5- الاعفاء من الضرائب الجمركية والرسوم الأخرى المفروضة على ما تستورده من عدد وآلات وأجهزة ولوازم إنتاج وسيارات، وكذا ما تتلقاه من هدايا ومعونات من الخارج، وذلك بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير المختص وعرض وزير المالية، وبشرط أن تكون هذه الأشياء لازمة لنشاطها الأساسي.
ويحظر التصرف في الأشياء المعمرة منها التي تحدد بقرار من الوزير المختص بالاتفاق مع وزير المالية، وذلك قبل مرور خمس سنوات ما لم تسدد عنها الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة عليها.
6- أن تعامل بشأن استهلاك المياه والكهرباء والغاز الطبيعي معاملة الاستهلاك المنزلي بشرط استصدار شهادة من الوزارة المختصة بعدم ممارسة نشاط تجارى.
وقد بدأت كثير من الجمعيات التي تأسست بدافع العمل الخيري في العقود الأخيرة تغير من رؤيتها وتتجه إلى العمل التنموي أو تجمع بين الاثنين بدرجة أو بأخرى. وعلى أية حال، فإن الفكر التنموي الحديث يعول على دور فاعل للجمعيات الأهلية في التنمية في إطار شراكة مؤسسية مع الدولة والقطاع الخاص. وفى هذا الإطار يصبح السؤال المحوري الذي يطرح نفسه، إذا كنا نبحث عن هذا الدور الفاعل والمؤثر، والذى تمت الإشارة إليه بوضوح في رؤية مصر 2030،
وجدير بالذكر أن هذه الجمعيات تعمل في الغالب من خلال شبكة من الجمعيات القاعدية الصغيرة والمتوسطة، كما أنها تتمتع بمصادر تمويل متنوعة ومتدفقة سواء من الداخل عبر تبرعات رجال الأعمال والزكاة أو عبر التمويل من جهات مانحة دولية سواء حكومية أو غير حكومية.
وفي إطار السعي للتفكير في مستقبل الدور التنموي للجمعيات الأهلية عبر الشراكة مع الدولة لابد من النظرة النقدية لمنهجية الجمعيات الأهلية الكبيرة والتي تقدم خدماتها سواء الخيرية والرعائية أو التنموية في محافظات متعددة. والحقيقة أن أهمية ذلك ليس مرتبط بطبيعة النشاط من عدمه ولكنه مرتبط بقدرات هذه الجمعيات وامتداد تأثيرها والذى يجعلها تُمثل تيارًا رئيسًا في العمل الأهلي في مصر، يصبغ ما حوله بصبغته. ويمكن الإشارة إلى مؤشرات ذلك كالتالي:
اتساع النطاق الجغرافي لنشاط هذه الجمعيات ليشمل عدد من المحافظات مع تركيز أكبر على محافظات الوجه القبلي وهى المحافظات الأكثر فقرًا.
الموارد المالية الضخمة لهذه الجمعيات سواء كانت تبرعات داخلية من أفراد أو رجال أعمال أو منح من منظمات دولية وجهات مانحة حكومية وغير حكومية.
والتي تتمثل في وضع الأجندة تحديد الأولويات مرورًا بالتخطيط ثم التنفيذ وأخيرًا المتابعة والتقييم. إن النجاح في الوصول لمثل هذه الصيغة كفيل بإحداث ديمقراطية حقيقية في عملية صنع السياسة شريطة أن يكون الإطار المؤسسي للشراكة مفتوح لكل من يريد المشاركة، وأن يتم وضع معايير موضوعية لتشكيل مثل هذه الأطر المؤسسية للشراكة.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان