عاصفة كورونا ستنتهي. لكننا سنعيش في عالم مختلف. كثير من إجراءات الطوارئ سيصبح عنصرًا أساسيًا في الحياة. القرارات التي تستغرق سنوات من المداولات سيتم تمريرها في ساعات. نستخدم تقنيات لا نعرف أبعادها الكاملة، حتى الخطيرة منها، فعدم القيام بشيء يشكل خطورة أكبر.
عندما يعمل الجميع من المنزل ويتواصلون فقط عن بعد، وعندما تتصل مدارس وجامعات بأكملها بالإنترنت، ماذا يحدث؟ عند مراقبة “ما تحت الجلد” لوقف الوباء، يجب على المواطنين كلهم الامتثال للإرشادات. اليوم، ولأول مرة في التاريخ، تتيح التكنولوجيا مراقبة الجميع طوال الوقت.
قبل خمسين عامًا، لم يكن بمقدور أقوى أجهزة الاستخبارات مراقبة جميع مواطني الدولة طوال الوقت وعلى مدى 24ساعة متواصلة. الآن يمكن للحكومات الاعتماد على أجهزة الاستشعار والخوارزميات القوية بدلاً من أشباح اللحم والدم، العاملين بأجهزة الاستخبارات.
في المعركة ضد الوباء، نشرت عدة حكومات أدوات مراقبة جديدة. أبرز حالة هي الصين. مراقبة الهواتف الذكية، ومئات الملايين من كاميرات التعرف على الوجه، وإلزام الناس بفحص درجة حرارتهم وحالتهم الطبية والإبلاغ عنها، كل ذلك مكّن السلطات من سرعة تحديد حاملي الفيروس، وتتبع تحركاتهم وتحديد الذين تواصلوا معهم. وهناك تطبيقات تحذر من اقترابك من المرضى المصابين.
في تقرير لصحيفة الفاينانشيال تايمز، يقول يوفال نوح هراري: قد يمثل الوباء منعطفًا مهمًا في تاريخ المراقبة. ليس فقط لأنه يؤدي لتطبيع نشر أدوات المراقبة الجماعية، بل يمثل قفزة كبيرة، من المراقبة “فوق الجلد” إلى المراقبة “تحت الجلد”. عندما تلمس شاشة هاتفك الذكي وتنقر على رابط، فإن الحكومة تريد أن تعرف ما ينقر عليه إصبعك.
تخيل حكومة افتراضية تلزم كل مواطن بارتداء سوار يراقبٍ حرارة الجسم وضربات القلب على مدار 24 ساعة يوميا. يتم تخزين البيانات الناتجة وتحليلها. وستعرف الخوارزميات الحكومية أنك مريض حتى قبل أن تعرف أنت، وستعرف مكانك ومن قابلت، وبالتالي يمكن تقصير سلاسل العدوى، وحتى قطعها تمامًا.
هذا النظام قد يوقف انتشار الوباء خلال أيام. لكن المشكلة أنه يضفي الشرعية على نظام مراقبة جديد مرعب. إذا علمت أنني نقرت على رابط معين، فستعلم آرائي السياسية وربما شخصيتي. ولو عرفت ما يحدث لحرارة جسدي وضغط الدم وضربات القلب أثناء مشاهدة مقطع فيديو، فستعرف ما يجعلني أضحك، أو أبكي، أو أغضب.
لكن هناك مشكلة، فحتى عندما تنخفض إصابات كورونا إلى الصفر، يمكن لبعض الحكومات أن تطلب إبقاء أنظمة المراقبة الحيوية بدعوى أنها تخشى موجة أخرى من الوباء، أو بسبب ظهور سلالة جديدة من الإيبولا أو..أو.
ويقول هراري: “علينا الاستفادة من التقنيات الجديدة، لكن لا ينبغي استخدام البيانات لتصبح الحكومة فائقة القوة. يجب أن تمكنني البيانات من اتخاذ خيارات أكثر استنارة، وكذلك تحميل الحكومة المسؤولية عن قراراتها.”