.. بقلم / سمر محمود…باحث دكتوراه
أهدى الدكتور خالد العناني ، وزير السياحة والأثار، الرئيس عبد الفتاح السيسي، تمثال مستنسخ لتوت عنخ أمون وهو يصطاد، وأضاف «العناني» : «توت عنخ أمون في هذه الصورة كان يحاول قتل قوى الشر لتأسيس دولة قوية، ولهذا السبب وجدناها هدية معبرة عن الرئيس عبدالفتاح السسيسي” .
ولكن ماهي رمزية هذا التمثال العظيم؟، فالفن ليس مجرد تسجيلًا أمينًا للواقع وللطبيعة المنظورة؟ وليس مجرد نقل أو محاكاة لعناصر الطبيعة؟، لكن الفنون وسيلة لإعلاء القيم ورفعة المبادئ، وانتصار الخير في ضمير المتفرج والمتذوق.
سيظل فن النحت المصري القديم من أعظم عناصر الحضارة المصرية وأكثرها ثراءً وهو إحدى معجزات الحضارة المصرية القديمة، خاصةً عندما يوضع في مقبرة ما، ليؤدي ما يطلب من المتوفى عمله في حياة الخلو، أو توضع في المعبد ، حيث كانت تماثيل الملوك ذات مقام أسمى في تلك المعابد التي كانت تملأ المكان ، فتوضع أمام الأبراج والصروح الخارجية أو الأفنية والردهات .
وبالحديث عن تمثال الملك “توت عنخ آمون” الأصلي ، الذي يرجع إلى منتصف عصر الدولة الحديثة الثامنة عشر، فقد تم اكتشاف هذا التمثال داخل مقبرة توت عنخ آمون بوادي الملوك بالبر الغربي بالأقصر، وهو مصنوع من الخشب المذهب والبرونز، يبلغ ارتفاع التمثال 70سم ، وعرض 18.5 سم ، والملك مصور على هيئة الإله حورس ابن الإلهة ايزيس، يرتدي التاج الأحمر، وهو تاج مصر السفلى/ الدلتا يعرف و باسم (دشرت)، وكان لونه أحمر كي يمثل الأراضي الحمراء على جانبي الدلتا الخضراء “كمت” الخصبة في وادي النيل .
كما أن اللون الأحمر يمثل الدم والنار، والذي يرمز إلى الحياة وعودة البعث والقوة التي لا يمكن السيطرة عليها، ويقف الملك على قارب صغير من البردي، وهذا النوع من القوارب المصنوعة من البردي كانت ترمز إلى حماية راكبها من الأذى، وترد عنه فتك التماسيح والأرواح الشريرة ، ويرفع بيده اليمنى ممسكا برمح طويل، ليسدد الضربة القاضية.
كما تحمل الصورة بين طياتها رمزية كامنة في قضاء الملك على قوى الشر التي تهدد أمن البلاد، وكان صيد فرس النهر بالرمح رياضة ملكية منذ عصر الأسرة الأولى، لإثبات قوة وشجاعة الملك الذي كان يقوم بصيد فرس بمفرده .
فكان الصيد وثيق الارتباط بهذه الحضارة ، وقد حظي باهتمام كبير من جانب المصري القديم ، فهي لم تكن مجرد حرفة يقتاتون منها طعامهم، او وسيلة ترفيهية يمارسوها الملوك والأمراء لإظهار قوتهم وبرهان دائم على تمتعهم بالقوة والشباب، ولكنها كانت تمثل طقسًا دينيًا وشعيرة من الشعائر التي يمارسها الملوك والأشراف كبرهان قوة ودعم للآلهة.
أخيرًا وبالنظر للحقبة التاريخية التي ينتمي إليها التمثال، فنجد أنه يرجع لفترة تاريخية جديدة ، وفيها أصبحت طيبة عاصمة مصر، تنطلق منها الجيوش وتقيم الحاميات والمعسكرات للجند في شرق البلاد وغربها وجنوبها ، وازدهرت صناعة السلاح والمعدات الحربية، وزاد الجندي المصري خبرة ومهارة ، وفيها بدأت مصر أعظم فترة عسكرية في تاريخها وأصبح لها جيش موحد ، على نقيض سائر العصور الأخرى .