تتواصل تفاعلات التحرك التركي ضد نشاط قيادات جماعة “الإخوان” المعادي لمصر في التفاعل، وسط تقارير متطابقة عن اعتزام أنقرة فرض مزيد من الإجراءات ضد الجماعة الإرهابية، في ضوء مطالبة قوى معارضة في تركيا بمضي أنقرة في تحسين علاقاتها مع مصر وتنقية الأجواء بين البلدين.
“الإخوان” يستعدون للفرار من تركيا إلى ملاذات آمنة تشمل بريطانيا وكندا والسويد والنرويج وماليزيا ودول شرق آسيا فرضت التغيرات التي تشهدها العلاقات الدولية بين تركيا وبعض دول المنطقة ومن ضمنها مصر، نفسها على أوضاع أعضاء تنظيم الإخوان الإرهابي في الدول التي يتمركزون بها، واستعدادهم لمغادرتها والانطلاق إلى ملاذاتهم الآمنة في الخارج، خصوصا أوروبا.
تغير وضع الإخوان الهاربين في تركيا تماما، ليشهدوا قيودا صارمة على القادة والقنوات الإعلامية، بسبب رغبة أنقرة في المصالحة مع مصر، حيث أصدرت الحكومة التركية قرارات صارمة ضمن مساعيها لتخفيف التوتر مع القاهرة وعودة العلاقات، وفرضت قيودا حادة على قنوات الإخوان المعادية لمصر، ووجهت بوقف الانتقادات للقاهرة، مهددة بالترحيل إذا لم يتم الاستجابة لتلك التعليمات.
إن قادة الجماعة بدأوا الإعداد للهرب من تركيا إلى الخارج، على أن تكون وجهتهم الاضطرارية إلى بريطانيا أو كندا، باعتبار الدولتين بمثابة ملاذات آمنة لهم.
أن قيادات التنظيم داخل تركيا تفكر في هذا الاتجاه منذ فترة لعلمها المسبق بتغييرات عديدة ستشهدها المنطقة وستكون تركيا في القلب منها.
أن سياسة التقارب التي لجأت إليها تركيا مؤخراً ستغير لغة خطاب نظامها السياسي، كما ستغير توجهات وسائل الأعلام التي تبث من تركيا، خصوصا تجاه الدول العربية.
أن جماعة الإخوان ومن ينوب عنها متواجدون بشكل واضح في المجتمع الكندي، وهم لیسوا فقط في الشرق الأوسط وأوروبا وجنوب آسیا، بل إنهم من الفئات الأكثر صخبا، ويظهر أثرهم بوضوح في المدراس الإسلامية المتواجدة هناك.
إن تنظيم الإخوان لديه خطة توسعية كبيرة، عن طريق نشر أعضائه في أكثر من دولة في شرق آسيا ودول جنوب أوروبا منذ عام، كما يتمددون بشكل كبير في دول كالسويد والنرويج وماليزيا فضلاً عن كندا.
أن جماعة الإخوان تستغل هامش الحريات التي تقدمه تلك الدول لرعاياها والمقيمين فيها من أجل زيادة رقعة نفوذهم، خاصة أن الإخوان ينجحون في استثمار الأوضاع الداخلية للدول لصالحهم، وأنهم على دراية بأن تركيا لن تكون ملاذاً آمنا لهم طوال الوقت.
“منذ خروج أعضاء تنظيم الإخوان من مصر وهم يسعون للحصول على حقوق لهم كلاجئين في أوروبا تحديداً، أو الحصول على جنسيات تلك الدول لضمان استمرار تواجدهم الآمن في الخارج”.
وقد أقدمت تركيا بالفعل على اتخاذ عدة خطوات مهمة في هذا الشأن كنوع من إظهار حسن النية وتأكيد الرغبة في بدء مرحلة جديدة من التعاون مع مصر والدول العربية، من بينها إلزام القنوات التلفزيونية التابعة لـ”الإخوان”، التي تبث من الأراضي التركية وتنفث سمومها يومياً لإثارة الفتنة والتوترات داخل مصر وفي المنطقة، بوقف انتقاداتها وتجنب الشأن السياسي المصري والتهجُّم على الدولة المصرية وقياداتها ورموزها، والتخلي عن أسلوب التحريض والإساءة لمصر ودول الخليج. كما تحدثت وسائل إعلامية عن قيام السلطات التركية بوضع عدد من قيادات جماعة “الإخوان” تحت الإقامة الجبرية.
أهمية هذه الخطوة التي أكدتها قيادات وعناصر إخوانية عدة وقيادات قنوات التحريض الإخوانية في أنقرة، تكمن، في تقديري، في اعتبارين مهمين: الأول، هو أهمية تركيا نفسها بالنسبة لجماعة الإخوان، التي تتخذها عناصر الجماعة وقياداتها الهاربون من مصر والمنطقة كملاذ آمن ونقطة انطلاق لبث خطابهم المليء بالكراهية والحقد والتحريض على الفتنة وإثارة التوترات. فهذا التحول في الموقف التركي يعني، إذا ثبت بالفعل وتأكد في المستقبل، أن الإخوان قد فقدوا أحد أهم ملاذاتهم الآمنة في المنطقة، وهو ما سيشكل خطوة مهمة بلا شك في جهود تصفية هذه الجماعة وخطرها.
الاعتبار الثاني يتعلق بالإدراك التركي المتأخر، ربما، لحقيقة أن هذه الجماعة الإرهابية أضرت بتركيا مثلما وربما أكثر مما أضرت بباقي دولة المنطقة، فإيواء عناصر هذه الجماعة وتقديم الدعم لها، كلّف أنقرة خسارة علاقاتها مع دول جوارها العربي بشكل أضر بالاقتصاد التركي وبسمعة تركيا في المنطقة. في المقابل لم تجنِ تركيا أي مكاسب من دعمها لهذه الجماعة أو من توظيفها سياسياً لخدمة أجندتها الإقليمية، فالنتيجة الواضحة حالياً لأنقرة هي أن تركيا لم يعد لديها أصدقاء في المنطقة سوى هذه الجماعة الإرهابية، التي نبذتها جميع الشعوب، وأصبح استمرار الرهان عليها نوعاً من العبث السياسي.
ومع ذلك، ينبغي أخذ هذا التطور بقدر من الحذر والتريث حتى تتضح ملامح المشهد كاملة ويتأكد صدق الرغبة التركية في فتح صفحة جديدة من التعاون مع دول المنطقة، والسبب في ذلك هو أن النظام التركي معروف بتناقض سياساته وسرعة تحولها من النقيض للنقيض، بحسب تغير الظروف القائمة، فتركيا اليوم تواجه ضغوطاً من جميع الجهات؛
فهناك إدارة أمريكية جديدة تتبنى سياسات متشددة تجاه أنقرة، وهناك علاقات تركية متوترة مع أوروبا، وفي الوقت نفسه تشهد علاقاتها مع الدول العربية تدهوراً كبيراً بسبب سياساتها التدخلية السلبية في الإقليم، ويعاني اقتصادها من التراجع، وكل هذه العوامل تدفع أنقرة باتجاه مراجعة حساباتها، والعودة لسياسة التعاون والانفتاح الإيجابي السابقة التي تبنتها قبل اضطرابات عام 2011. ولكن من غير المعروف بعد إذا كان ذلك سيكون تغييراً تكتيكياً مرحلياً أم تغييراً استراتيجياً حقيقياً.
بيد أن الأمر المهم في التطور الراهن هو حالة الذعر التي أصابت قيادات جماعة الإخوان المسلمين وعناصرها ليس فقط في تركيا ولكن حول العالم، ولا سيما مع المخاوف التي عبّر عنها بعضهم بشأن إمكانية قيام أنقرة بتسليم عناصر الإخوان المتورطين في أعمال عنف للقاهرة.
وسر حالة الذعر هذه هو أن فقدان الجماعة ملاذها الأهم في تركيا، سيجعل عناصرها وقياداتها مشردين ومضطرين للبحث عن ملاذات آمنة جديدة لهم تؤويهم بدل الأوطان التي باعوها وحاربوها، وهي مهمة ليست سهلة حالياً بعدما اتضح للعالم كله، شرقاً وغرباً، خطر هذه الجماعة الإرهابية على الدول التي تؤويها قبل غيرها.
مع تنامي حالة الانقسام في صفوف الوسط بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، ما بين عناصر غاضبة من السياسات التي قامت بها القيادات في الشهور الأخيرة، وترى تلك العناصر أنه على القيادات تحمل مسؤولية تلك القرارات الخاطئة، التي وصلت بالتنظيم الإرهابي إلى حافة الانهيار، أما الرأي الآخر داخل الجماعة الإرهابية تمثلت في استراتيجية التواصل مع دول أخرى ليست حليفة لتركيا، ليضمن بذلك تعدد الملاذات الآمنة لعناصر التنظيم تحت أي ظرف.
وبسبب تلك الأزمات المتلاحقة وتفاقم مخاوف الإخوان من الترحيل، لذلك شكل التنظيم الدولي لجنة خاصة لإدارة الأزمة، وتحديد مصير المقيمين في تركيا ممن لم يحصلوا على الجنسية، ومستقبل العاملين في فضائيات إسطنبول، حال قررت السلطات التركية إغلاقها.
كما وجهت بمنع تدشين أي أحزاب سياسية إخوانية داخل تركيا، حيث أبلغت قيادات الجماعة بضرورة الالتزام لتجنب الترحيل، وأن النشاط الإعلامي لقنواتهم بإسطنبول سيكون مشروطا وبتصريح، وفي المقابل وافقت قيادات الجماعة الإرهابية مطالبة السلطات بعدم مداهمة القنوات.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان