وسحابات من وهج متوهج لايقدر عليه ولا يدركه الا العارفون الواصلون ممن يتمتعون بملكات نورانية وتحيطهم اطياف من الصدق وتجللهم قوى الحق والجمال والجلال..وما اكثر اسرار الاقصى وما ابهى انواره وما اعظم رسالاته لكل البشر..لكن على ما يبدو فان كل الغزاة والمحتلين لم يستوعبوا الدرس ولم يدركوا معنى الاقتراب من عتبة الأقصى وكأنهم لم يطلعوا على تلك النهايات الخاصة جدا بكل محاولات قوى الاغارة والعدوان وحتى تلك التى ادعت وصلا بليلى ..لقد نسوا ان للأقصىقوى سحرية قدرية تسحق وتمحق تعز وتذل كل متكبر متغطرس متجبر مهما ادعى من نسب ونسبة وانتساب حتى ولو الى السماء!
عواصف عاتية من الالام والمواجع والافكار والتواريخ والمواجهات والمحطات المفصلية في الصراع مع الكيان الصهيوني فجرتها انتفاضة الاقصى الاخيرة.منذ ان كان الاحتلال الصهيوني فكرة وحلما للعصابات الصهيونية المجرمة وحتى صار لهم كيان قلق ومزعج لليهود وللعالم.
تاريخ طويل ومشين من المذابح الدموية والتهجير القسري والقتل العمد والتنكيل والاغتصاب للأرض والعرض لم يتوقف وان توارى اعلاميا فقط تحت مزاعم واوهام ورغبات ان ذلك ربما يدعم اي حديث عن سلام.
مجريات الاحداث وخاصة في القدس ومحيطها تؤكد ان الاحتلال لم يشبع بعد من سياسة ومنهج التهجير القسري والاستيلاء بالقوة الجبرية على الأراضي وهدم البيوت وطرد سكانها الاصليين واعدامهم في كثير من الاحيان وتمليك الاراضي والبيوت للمستعمرين الجدد شذاذ الافاق الذين جلبهم العدو من كل حدب وصوب تحت اغراء الجنة الموعودة وبحثا عن فردوس غير مفقود.
اسرائيل استمرأت سياسة التهجير والضم بالقوة والابادة الجماعية ولم تتوقف يوما رغم صرخات العرب المستمرة وشكاويهم الى طوب الارض.لم ترتدع قوات الاحتلال لسبب واحد وهو انها لم تحاسب ولو لمرة واحدة عن جرائمها المستمرة سواء كانت مذابح علنية في وضح النهار او سرية بل ان العدو في كل مرة كان يخرج فائزا ويقع اللوم على الضحية.
راجعوا تاريخ المواجهات بين العرب والصهاينة وحتى التى تدخل فيها مجلس الامن والامم المتحدة كلها لم تزد العدو الا صلفا وغرورا وتجبرا.وانظروا كم ابتلع من قرى ومدن فلسطينية منذ قرار التقسيم ويوم النكبة حتى الان.
تؤكد المصادر التاريخية المعتبرة ان اسرائيل في عام النكبة وحده نجحت في احتلال وطرد سكان 531 قرية ومدينة فلسطينية وقد طهرتها عرقيا ودمرتها خلال العام 1948 .
فمن اليوم الاول اعتمدت قوات الاحتلال سياسة التهجير والاستيلاء على الاراضي والبيوت بالقوة خاصة وهي تسعي لفرض سيطرتها على القدس تحديدا.ولا يغيب عن الاذهان تلك التواريخ القاسية والتى تظل محفورة في تاريخ البشرية ولا يمكن ان يمحوها اي توجه او حديث عن سلام مزعوم اوغيره ففي مثل هذه الايام التى بدأت معها انتفاضة الاقصى الاخيرة ضد العدوان الهمجي على المسجد الاقصى كانت تمر ذكرى النكبة و ذكرى مذبحة دير ياسين التى ظن العدو انه قد مهد بها طريقا لاحكام الحصار على المدينة المقدسة في اطار عملية التهويد المسعورة والتى لا تتوقف ليل نهار.
ففي فجر التاسع من إبريل 1948 كانت قوات عصابات “اتسيل” اليهودية تتقدم نحو القرية الفلسطينية وقتلت في غضون عدة ساعات أكثر من 150 فلسطينيا من بينهم نساء وأطفال ومسنين عزّل في عملية ترهيب انتهت بتهجير جميع سكان القرية الذين كان عددهم قبل المجزرة يزيد عن 600.وتم هدم الجزء الأكبر من مباني القرية بعد ارتكاب واحدة من أبشع المجازر الإسرائيلية فيها.
وقد أرعبت الجريمة باقي السكان العرب ففرّ آلاف الفلسطينيين خوفا إثر الحدث الذي هز الرأي العالم العالمي حتى أن حكومة إسرائيل اضطرت الى استنكار العمل.
وقد حوّل الاحتلال اسم “دير ياسين” العربي إلى “جفعات شاؤول”وهكذا يفعل مع كل البلدات التى يستولي عليها وخاصة حول القدس الشريف حتى اسماء الشوارع والميادين.
دير ياسين كانت تقع على المنحدرات الشرقية لتل يبلغ علو قمته 800 متر وتطل على مشهد واسع من الجهات كلها.وكانت تواجه الضواحي الغربية للقدس التي تبعد عنها كيلومترا واحدا ويفصل بينها واد ذو مصاطب غرست فيها أشجار التين واللوز والزيتون”.
وبعد عدة أسابيع من مجزرة دير ياسين وتحديدا في منتصف مايو أُعلن عن إقامة دولة إسرائيل بعد تهجير نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم وما زالوا حتى الآن (هم وذرياتهم) “لاجئين” في مخيمات ومدن تقع في الضفة وغزة والأردن ولبنان، وسوريا وبقية دول العالم.ويرفض الاحتلال منحهم حق العودة!
يبدو ان حي الشيخ جراح على طريق دير ياسين والامر يدبر بليل ونهار ودون خجل وتتم عملية التمييز العنصري والطرد المستمر والمضايقات للسكان والعائلات وتسليط الارهابين المستوطنين على السكان وزرعهم في البيوت حتى تتم عملية الطرد بعد اعتقال الشباب والشيوخ وترك الاطفال والنساء في المواجهة للطرد على الارصفة ونقلهم الى احياء اخرى خارج القدس في افضل الاحوال ..
ما يحدث في حي الشيخ جراح الان يكاد يكون صورة طبق الاصل لما حدث للاحياء العربية بعد مذبحة دير ياسين وما تلاها من هجوم كاسح على أحياء القدس اذ انه بعد نفاذ الذخيرة والأسلحة من يد المدافعين عن المدينة تهاوت الدفاعات فسقط في قبضة الاحتلال 38 حيا من أحياء المدينة وتم تهجير أهلها قسرا إلى الشطر الشرقي وإلى سائر الدول العربية الأخرى وبذلك سيطرت العصابات الصهيونية على ما مجموعة 82% من مساحة القدس في حين احتفظ المدافعون على 18% من مساحة المدينة بما فيه البلدة القديمة في القدس والتي تحتوي على المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة والأماكن التاريخية الهامة.
لعل الذي ازعج قوات الاحتلال هو صحوة المقدسيين ومواجهتهم بضراوة للخطة الصهيونية ورفضهم الانصياع لها حيث ظنت قوات الاحتلال تحت اوهام القوة ونشوة الغرور بالمساندة اللامحدودة للادارة الامريكية السابقة وباتفاقات التطبيع الهلامية بعيدا عن الفلسطينين بانها قادرة على فرض ما تريد وتمريره بسهولة الا انها وجدت نجدة لها في صواريخ غزة فتشبثت بها وحولت دفة الامور كلها الى غزة وحماس لتواري سواءاتها وجرائم الحرب التى ترتكبها ضد الفلسطينين وضد المقدسات الدينية سواء الاسلامية او المسيحية في القدس.
ادهشني موقف القوى الدولية التى يسمونها الكبرى والتى تدافع عن الاحتلال وجرائمه في كل محفل حتى في الامم المتحدة ومجلس الامن تنسى هذه القوى بمواقفها المنحازة والمساندة العمياء للاحتلال ضد الحقوق الاصيلة للشعوب العربية انهم بذلك يخلقون “هتلرا جديدا”في المنطقة يمارس الارهاب نفسه ويمارس الابادة الجماعية لتحقيق طموحات واوهام اليمين المتطرف تحت غطاء من المنظمة الدولية والعصابات الصهيونية واتباعها..والغريب انهم يتحدثون بعد ذلك عن امن وسلام واستقرار ومصالح عليا وعلاقات استراتيجية والاغرب ان يجدوا من يصدقهم.
الاحداث الاخيرة كشفت بالفعل الكثير من الاوراق واجرت عمليات فرز طبيعية للحقائق والاوهام والاكاذيب وتفرض بجدية ضرورة اعادة ترتيب الاوراق العربية والاسلامية والعلاقات مع الاصدقاء الحقيقين قبل الاعداء ومن يريدون بالمنطقة خيرا ومن يخططون لان تتسع دوائر الشر والتخريب والدمار حتى لا تصحو شعوب المنطقة وتظل محصورة منكوبة غارقة في الازمات بعيدا عن احلام الامن والرفاهية والاستقرار.
قديما قالها أبو ذؤيب الهذلي:
أرضى ويغضب قاتلي فتعجبوا..
يرضى القتيل وليس يرضى القاتلُ!
والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com