لم أصدق نفسى وأنا أسمع وأرى مذيع ” التوك شو ” الأمريكى يتحدث فى قناة أمريكية عن الجرائم التى ارتكبتها العصابات الصهيونية من أجل اغتصاب فلسطين وطرد أهلها الذين كانوا آمنين فى بيوتهم ومزارعهم وأوطانهم، لاشك أن هناك متغيرا جديدا جعل الرأى العام فى أمريكا وأوروبا يعيد التفكير فى المسألة الفلسطينية، ويعود بها إلى أصل الحكاية، إلى جريمة الاحتلال التى هى سبب الصراع ، ويتحرر ـ ولو جزئيا ـ من سطوة آلة الدعاية الصهيونية الرهيبة التى تعمل بدأب لطمس هذه الجريمة الأولى، وتضليل الناس بادعاء حق الصهاينة فى فلسطين، ولا شك أن هذا المتغير الجديد هو النصر الذى حققته المقاومة الباسلة فى غزة بقدراتها المتواضعة، وبصمودها وشجاعتها وإرادتها .
ومن العجيب أن يحدث هذا التحول فى أكبر الدول الداعمة لجرائم الصهاينة قديما وحديثا، بينما تعلو أصوات ناعقة فى بلادنا، تلتمس الأعذارللمجرم الصهيونى، وتجارى أكاذيبه، وتقدم غطاء عربيا وإسلاميا لمخططاته من أجل تقسيم المسجد الأقصى أو هدمه لإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه ، فلقد رأينا من أبناء جلدتنا من يشكك فى قدسية الأقصى، ومن يدعى أن المسجد الأقصى الوارد فى القرآن ليس هذا الذى فى فلسطين وإنما هو موجود فى السعودية، ومن يدعى أن مسجدا فى الكونغو أكثر قدسية من الأقصى المبارك، ومن يجاهر بأنه لايمانع فى إقامة معبد لليهود فى محيط المسجد الأقصى .
بالطبع .. لايمكن فصل هذه الأكاذيب عن مسار التطبيع المجانى، المصحوب بالود والموالاة للصهاينة وزعمائهم وأحبارهم، وربما يكون التحول الذى يحدث فى الرأى العام العالمى الآن رسالة إلى المطبعين العرب بأن الله سبحانه وتعالى قادرعلى أن يستبدل بهم قوما غيرهم، لايتخاذلون عن نصرة الحق الفلسطينى والأقصى، ولا يستسلمون للرواية الصهيونية، رغم أنهم ليسوا عربا وليسوا مسلمين، وبالمناسبة برامجهم متاحة على ” اليوتيوب “.
هذا مذيع أمريكى يرد على متصلة صهيونية تسمى “ميمى” تصف الفلسطينيين بالإرهابيين، وتؤكد حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها بلا حدود، فيقول لها :
دعينى أسألك: أنت لديك عائلة تعيش فى مينيسوتا لقرابة 100عام مثلا، وفجأة ظهرت أنا أمام بابك وبيدى مسدس أصوبه إلى رأسك وآمرك بأن تخرجى مع أسرتك من هذا المنزل فهو منزلى، ولماذا هو منزلى، لأن دينى يقول إن هذا منزلى وليس منزلكم، معتقداتى الدينية تقول إنه ملكى، ستقولين لا لا ليس منزلك، نحن هنا منذ مائة عام، فأقول لك عذرا أخرجى، فتخرجين لأنك تعلمين أنك إن لم تخرجى سأقوم بتفجير البيت والعائلة، وسترحلين إلى مخيم فى العراء لـ 60 عاما أو أكثر وأنت غاضبة جدا لأننى اغتصبت منزلك بقوة السلاح، وفى لحظة ما ستقررين المقاومة، ستبدئين بقذف الحجارة وتحطمين زجاج الشرفات، وساعتها سأوجه إليك ” آربى جى” وأطلق عليك طلقة لأنسفك وعائلتك ومخيمك، وكلكم تختفون، الآن : من منا الإرهابى بالضبط يا ” ميمى ” ؟! ..أخبرينى أنت “.
ــ وهذا أيضا مذيع بريطانى يردعلى متصل يهودى إسمه ” أليكس” من شمال لندن، يزعم أن لليهود حقا ممنوحا من بريطانيا فى فلسطين، لأنهم فقدوا ستة ملايين يهودى فى المحرقة ” الهولوكوست ” التى ساقهم إليها النازى، يقول المذيع : حسنا .. ولكن بأى صفة تمنحهم بريطانيا أرضا تخص أناسا آخرين ؟! .. أجبنى عن هذا السؤال أولا ، أنا لا أناقش جريمة المحرقة ومن ارتكبها ومن كان ضحيتها، أنا أسأل سؤالا واحدا واضحا : بأى حق تمنحك بريطانيا موطنا هو موطن شعب آخر ؟! .. لقد عانى اليهود من القتل والتمييز والعنصرية فى العديد من دول أوروبا، وفى بريطانيا ذاتها، هذه حقيقة غير قابلة للشك، والمكان الوحيد الذى لم يعذبوا فيه هو العالم الإسلامى .
ويكمل المذيع : فى الواقع لم تكن هذه هى الحقيقة كلها، فحينما استعادت المسيحية الأندلس وغادرها المسلمون غادر معهم اليهود، لأنهم خافوا أن ينتقم منهم المسيحيون ويطلقون عليهم عداوتهم للسامية، وعاش اليهود إلى الآن فى المغرب وساحل الشمال الإفريقى تحت حماية المسلمين، وفلسطين التى يراد محوها واغتصابها كان يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود معا طوال قرون دون أدنى تمييز، لكن الذى حدث أن أوروبا المعادية للسامية، والتى أحرقت 6 ملايين يهودى فى أسوأ جريمة شهدها التاريخ أرادت أن تدفع ثمنها، ليس بواسطة الدول التى مارست أو غضت الطرف عن جريمة معاداة السامية، وإنما بواسطة الشعوب البريئة تماما من هذه المحرقة، الذين لم يذبحوا اليهود، ولم يرتكبوا فى حقهم المجازر، وهذه جريمة أخرى فى حق هؤلاء الذين تم محو دولتهم وتشريدهم فى المنافى دون ذنب، ولم تكن تلك الجريمة بسبب “الهولوكوست “، فلقد ارتكبت قبل ” الهولوكوست “، عندما أصدر بلفور وزير خارجية بريطانيا عام 1917 وعدا لمجموعة صهيونية ملحدة بفتح الباب أمام المهاجرين الصهاينة الأوائل من أوروبا، ومن بريطانيا، لإقامة وطن لهم فى فلسطين، هؤلاء الصهاينة كانوا ملحدين ويزعمون أن هذا وعد توراتى، كما لو أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ كان متعهد عقارات، ولم يكونوا ممثلين لكل اليهود، بل كانوا مؤيدين للأحزاب الشيوعية والاشتراكية، منحتهم حكومة بريطانيا وعد بلفور دون استشارة بقية اليهود، ودون استشارة البريطانيين الذين تتحدث باسمهم، وبالطبع دون استشارة الفلسطينيين أصحاب الأرض، أليس هذا ظلما متعدد الجوانب يا ” أليكس ” ؟!
ترى.. هل يجد المتخاذلون العرب فى أنفسهم غيرة دينية أو قومية عندما يسمعون ويشاهدون مثل هذه البرامج تنتصر للحق الفلسطينى بينما هم ينكصون على أعقابهم ؟! إلا تنصروا فلسطين فإن الله ناصرها، “وما يعلم جنود ربك إلا هو” .