أنّ استراتيجيات احتواء التهديدات المجرّبة قدّ حقّقت النجاح في الماضي ستقلّ على الأرجح فعاليّتها تدريجياً مع تطوّر حركات المعارضة وتحوّل الشعوب. علاوة على ذلك، لجوء الأنظمة الزائد إلى القمع ليس مستداماً
ويمكنه أن يؤدّي إلى ردود فعل. ومع الوقت، الوعود غير المحقَّقة بالإصلاح والتنمية التي قطعتها هذه الأنظمة سترتدّ عليها وسينبغي عليها تكييف الطرق التي تتعامل فيها مع الفاعلين المعارضين ومع شعوبها، ولا سيّما أنّ اعتراضات شعبية أكثر وأكبر هي مسألة وشيكة.
آفة الرأي الهوى، فسر الخلاف دائماً بين المعارضة والنظام هو التمسك بمبدأ عدم قبول الآخر، وهو مبدأ يسود بين العامة من الناس، فمن تختلف معه في الرأي تصبح على الفور عدواً لدوداً له لا يطيق محادثتك، بل لا يتصور رؤيتك من قريب أو بعيد، ذلك على خلاف مايجب أن يكون، فهذا إنما هو معتقد خاطيء يذهب بنا إلى غياهب الجب، ويعود بنا كافة إلى عصور الجهل والظلمات، والصحيح أن خلاف الرؤى بين الأشخاص يجب أن يكون مثاراً لنقاش منتج ومثمر، ويجب أن ينطلق هذا النقاش وكلاً منهم يرتكز على عقيدة مؤداها أن رأيي صواب يقبل الخطأ، ورأي غيري خطأ يقبل الصواب،
فيستفيد الطرفان من نتيجة النقاش، واحسب أن اعظمهم مكسباً من يكتشف خطأ رايه، لأنه اكتسب معرفة لم يكن يملكها، على نقيض الآخر فبضاعته ردت إليه، فلا يجب شخصنة الخلاف، فأنا اختلف مع أفكارك وليس مع شخصك، وإن كان ذلك كذلك فيجب أن يطبق هذا ومن باب أولى بين الأنظمة الحاكمة والمعارضة، ففي كل أنظمة الدول النامية تجد النظام والمعارضة على طرفي نقيض، فكل ماتفعله أو تقوله المعارضة أو من ينتمي لها مرفوض ممن بيدهم مقاليد الأمور، فإن كان سيئاً فهو كذلك،
وإن كان حسناً فإنما هو الحسن الذي يحمل في طياته كل سوء، لذا يحدث الصدام دائماً لإعتناق هذه الأنظمة مبدأ أن المعارضة لا هم لها إلا إسقاطها، وسحب بساط الحكم من تحت أقدامها، فسجنت وعذبت بل وأعدمت كل من خالفها رأياً، أو ذكرها بسوء متناسية أن من أبسط حقوق الإنسان أن يعبر عن رأيه، مدحاً كان أو ذماً،
وأن من أهم المباديء الديمقراطية التي يعتنقها العالم الآن مبدأ تداول السلطات، فالسلطة الحاكمة والمعارضة يتناوبون إعتلاء عرش الحكومات واحدة تلو الأخرى، ويجب أن يتقبل الجميع ذلك، وأن يكون الهدف الأعظم الذي يسمو اليه الكل هو صالح البلاد والعباد، وأن يبين كلاً منهما للآخر مثالبه، وأن يوضح له أيضاً مزاياه بل وينزل على رأيه لو كان صائباً.
جرى على نحو متصل عسكرة المدن السورية التي تقع فيها المكاتب الإدارية، من خلال نشر فرق الجيش وإقامة القواعد العسكرية. المثل الساطع على ذلك هو مركز درعا في جنوب سورية الخاضع إلى النظام، حيث تم في 2012 تحويل ستاد رياضي إلى قاعدة عسكرية تنطلق منها الحوامات لشنّ الهجمات. وبالمثل، جرى على عجل تحويل مخيّم في إدلب استخدمته منظمة بعثية شبايبة (تُدعى رسمياً “طلائع البعث”) إلى قاعدة عسكرية.
إضافة إلى القوات العسكرية النظامية، نُشِرَت على نطاق واسع ميليشيات تم تجنيدها محلياً.7 كما سلّح النظام بشكل مباشر سكاناً محليين ونظّمهم في لجان شعبية محلية. وفي حين أن حافز العديدين يتمثّل في الرغبة بالدفاع عن أحيائهم أكثر من ربط أنفسهم إيديولوجيا أو سياسياً بالنظام، إلا أنهم يساهمون لامحالة في الجهود الأمنية للنظام.
في الوقت نفسه، أبقى النظام عملياً على ارتباط المناطق الخاضعة إلى سيطرة المعارضة بمؤسسات الدولة. وعلى سبيل المثال، يتعيّن على الأشخاص الذين يقطنون ضواحي درعا أن يتوجّهوا إلى مقرات مكاتب النظام في مركز المدينة للحصول على الأوراق الرسمية ومرتّبات الدولة.
كل هذا خلق اقتصاداً جزئياً غير رسمي، حيث ينقل أشخاص مرتّبات ووثائق من النظام إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة، في مقابل رشى وافرة. فكلٌّ من الوسيط وموظف الحكومة الذي يقوم على هذه الخدمات يتقاضيان عمولة، بما يخرق سياسة الدولة القاضية بضرورة حضور المستلم. وهذا ما يوفّر لهذين الطرفين ولمجتمعاتهما الصغيرة دخلاً إضافياً ودرجة من البحوحة النسبية.
المعارضة الحقة فلا يشترط لمن يريد خدمة وطنه أن يكون صوته عاليًا، ويظهر في الفضائيات ويكون نجمًا إعلاميًا (شو إعلامي) والأفضل أن يعمل في هدوء وصمت،ان الله توقف عن الحديث المباشر مع البشر منذ عشرات القرون! الأحلام لا تعنى بالضرورة رسائل إلهية! قد تكون أمنيات أو رغبات في العقل الباطن!
أو حتى نتيجة لعوامل فيزيقية! الإلهام السياسي مشروع، والطموح السياسي مطلوب، والرغبة في التميز والتفرد لحكم دولة مثل مصر أمر مغر لأى بشر! المهم أن نفهم أننا في النهاية بشر! وأن طموحنا ورغباتنا وأحلامنا وإلهامنا السياسي ما لم يكن مبنيا على قواعد للعبة، على حسابات تتمتع بالحد الأدنى من المنطقية والرشادة، على العلم والتعلم من خبرات التاريخ، فإنها في النهاية تكون سرابا بأثمان مؤلمة للجميع!
اليوم بلدنا تحت حكم أحزاب تدعي الإسلام وأخرى في بلدان عربية قومية واشتراكية وليبرالية ومعظمها تُبْعِد الشباب عن أي منصب سيادي أو غير سيادي أو مَواطن صنع القرار وحتى حق الترشيح وجعلوا سن الترشيح 30 سنة!! فلم يقتدوا بالعرب السالفين ولا بقادة الدين الإسلامي الحنيف.
لذا علينا التركيز على هذه الظاهرة واستغلال دورهم السابق والمغيب اليوم وبالتعاون مع المنظمات الدولية والمحلية ووضع خطة لهذا الأمر. والمجتمع الإفريقي والعربي يُعد مجتمعاً شاباً حيث يمثل الشباب النسبة الأكبر فيه، كما أن ما لا يقل عن 80% من هؤلاء الشباب غير منتمين لأى حزب أو جماعة سياسية ولا يمارسون السياسة الحزبية، رغم ارتفاع نسبة الوعى السياسي لبعضهم، وهذا في حد ذاته يعيد السؤال المطروح {{لماذا تبقى هذه المجموعة الأقدر على التعاطي مع العصر ومكوناته بعيدة عن مسرح الأحداث وبعيدة كذلك عن هياكل وأروقة السياسة والأحزاب}}؟؟!!والمشاركة السياسية في أي مجتمع هي محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية؛ تتضافر في تحديد بنية المجتمع المعني ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما،
وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ المشاركة الذي بات معلماً رئيسياً من معالم المجتمعات المدنية الحديثة، المجتمعات التي أعاد العمل الصناعي وتقدم العلوم والتقانة والمعرفة الموضوعية والثقافة الحديثة بناء حياتها العامة وعلاقاتها الداخلية، على أساس العمل الخلاق، والمبادرة الحرة، والمنفعة والجدوى والإنجاز، وحكم القانون، في إطار دولة وطنية حديثة، دولة الحق والقانون والمؤسسات.
في إيران وفي تركيا نظامان، يبدوان بلا وجهة استراتيجية واضحة المعالم، على الرغم من فائض النشاط وفائض القدرة على التخريب، تفضحهما الحاجة الدائمة لإجراءات يائسة علهما بها يستعيدان الشعبية والمشروعية.
تتأسس المشاركة السياسية كمفهوم عرفي على الاعتراف بالحقوق المتساوية للجماعات والأفراد في أدوار شؤونهم والتحكم بمصائرهم وعلى قبول الآخر واعتباره كامل الأهلية والإنسانية بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو العرق أو اللون ويشمل مفهوم المشاركة السياسية مجمل النشاطات التي تهدف إلى التأثير على صانعي القرار السياسي (كالسلطة التشريعية والتنفيذية والأحزاب) وتأتى أهمية المشاركة السياسية في هذه الأشكال المختلفة في مواقع صنع القرار ومواقع التأثير في كونها تمكن الناس من الحصول على حقوقهم ومصالحهم أو الدفاع عنها. الأمر الذى يعطيهم في النهاية قدرة للتحكم بأمور حياتهم والمساهمة في توجيه حياة المجتمع بشكل عام.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان