فريضة الحج هي الفريضة الجماعية الوحيدة التي لا تتم إلا في جماعة في زمن معين وفي مكان واحد فالجماعية فيها لا تصلح في أي مكان أو أي زمان وإنما في مكان واحد “عرفة” وزمان واحد يوم التاسع من ذي الحجة وبملابس موحدة في استثناء عن قاعدة الملبس في الإسلام غير المحدد بلون أو شكل وإنما ستر العورة فقط بالنسبة للرجال وستر جميع الجسد ما عدا الوجه والكفين بالنسبة للنساء بشرط ألا يصف الملبس أو يشف.
كما أنها فريضة هي الخامسة من أركان الإسلام وتسقط عن غير المستطيع لكنها تضم جميع فرائض الإسلام من صلاة وصوم وإنفاق وغير ذلك من شعائر الإسلام فضلاً عن أنها فريضة تحتاج إلي انتقال مؤديها أي سفره من مكانه إلي حيث المناسك وهو ما لا يوجد في أي من أركان الإسلام وشعائره.
إذن هي فريضة استثنائية بها ما بها من هجرة ومشقة وجماعية وإنفاق بل تجارة وتعلم إلي آخر المنافع التي قد يحصل عليها المشارك في هذه الفريضة كما أن بها طوافاً حول بيت الله الحرام الذي فسره بعض علماء العلم التجريبي بأن العبد يختم أركان إسلامه بسلوك أشبه بسلوك الكون بدءاً من ذراته وانتهاء بكوكبه ومجراته وهذا السلوك هو الطواف.. الدوران وفي الذرة الإلكترونات تدور حول النواة وفي المجموعة الشمسية الكواكب تدور حول الشمس والشمس تدور حول نفسها في انتظام دقيق لا يتخلف ولا يتوقف وكان المسلم وهو المختار فيما يفعل يصل إلي ذروة عبادته بالتشبه بالمخلوقات المجبولة علي الدوران فهو يدور حول الكعبة التي بمثابة النواة وما حولها من جموع غفيرة إلكترونات تدور حولها.
إذن الحج هو العبادة الأكبر كما سماها سبحانه وتعالي في قرآنه “وأذان إلي الناس يوم الحج الأكبر” نعم هو هجرة كبري إلي الله تتضمن كل آيات الخضوع والامتثال والتبتل والتضرع والرجاء في حالة من التخلي عن كل ما في الدنيا من متاع فيلبس الإنسان ما يشبه الكفن ويقف إلي ربه وكأنه يوم موقفه العظيم “القيامة” فيتجلي خالق السموات والأرض مباهياً ملائكته بعباده الذين جاءوه شعثاً غبراً من كل مكان بألوان شتي ولغات مختلفة فيقول سبحانه وتعالي: “اشهدوا يا ملائكتي إني قد غفرت لهم”.
إنها نهاية الرحلة الإيمانية الطويلة التي بدأت بالتسليم بالوحدانية “شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله” ثم تطبيق تبعات هذا التسليم من إقامة الصلاة للواحد الأحد وإيتاء الزكاة اعترافاً بفضله ونعمته وتخلصاً من انانية الكفر وأثرة عباد ذواتهم وعباد الدنيا ثم صوم رمضان امتثالاً لأمره سبحانه وتعالي وتمثلا بالملائكة الذين لا يأكلون ولا يشربون ثم النهاية الكاملة أو كمال العبادة بالهجرة إليه والفرار إلي عفوه وغفرانه عند بيته وفي ساحة تجليه سبحانه حتي يعود صاحب الرحلة هذه نقياً كما ولد.. صفحة بيضاء لم يكتب فيها إلا الغفران والرحمة.