بعد كل دورة أولمبية تثور الأقلام وتخرج ألسنة النقاد والمفكرين والمحللين لتكرر ما قاله الأجداد والأقدمون عن ضرورة محاسبة المتقاعسين عن الأداء والفاسدين في اختيار عناصر للمنتخبات والفرق واللعبات واعتمادهم على الكوسة والواسطة وليس على البطل الحقيقي.. ما يجعل النتائج مخيبة غير مرجوة وغير واعدة ولا تتناسب مع حجم مصر وعدد سكانها.
نفس الكلام مكرر حتى إننا لو أحضرنا ما كُتب وقيل ونُشر بعد دورة ألعاب سيدني 2000 أو في أثنيا 2004 أو بكين 2008 أو في لندن 2012 وريو 2016 سنجد نفس الكلام ونفس المطالب ونفس الدعوات بالتخطيط ثم التخطيط ثم التخطيط.
إنه التخطيط ولا شيء بعده، ولكنه يحتاج إلى مئات القرارات قبله.
والتخطيط لدورة أولمبية مقبلة مثل التخطيط في الصناعة والزراعة والسكان ورصف الشوارع والتعليم والصحة.
الدعوات متلاحقة ومتكررة، وهناك من المسئولين من يستجيب، وهناك من يعتبر الدعوات “كلام جرائد” أو يجعل “ودن من طين وودن من عجين” فلا يقيم الدنيا ولا يحاسب الفسدة ولا ينهي صلاحياتهم، وإنما يقعد مخذولًا كسولًا.. وأحيانًا يعيد تعيينهم والاستعانة بهم، مثلما نشاهد من إعادة اختيار نفس المدربين بعدما أثبتوا فشلهم.
إعادة إنتاج النصائح وإعادة تطنيش المسئول ليست في الرياضة فقط.. في التعليم والصحة والطرق والصناعة أيضاً؛ عندك مثلًا دعوات لصناعة سيارة مصرية كاملة.. كل مكوناتها تكون مصرية مئة بالمئة.. الدعوات هذه أسمعها منذ جئت إلى الحياة أو منذ بدأت ذاكرتي في الاستيعاب.. وقرأت أنها كانت منتشرة قبل وجودي في هذه الدنيا.. فما الذي ماذا حدث؟!.. لا شيء.. ما الذي تغير؟! لا شيء.. مازلنا نستورد السيارات ومازلنا نكتب؟!
كأنها معادلة للحياة عندنا أو ميزان لها.. إذا رجحت كفة كان على الكفة الاخرى أن تظل عالية.. الكتاب والصحفيون لا يتوقفون عن الكتابة.. وفي نفس اللحظة رجال الأعمال والمستوردون لا يكفون عن الاستيراد بدلًا من التصنيع.
عرفنا قديمًا أن “شراء العبد أسهل من تربيته” وعرفنا حديثًا بنفس المنطق أن “الإستيراد يدر أموالًا طائلة أكثر من التصنيع المحلي”.
طفلًا، كنت أشاهد العامل الفني الذي يأتي لإصلاح المروحة في بيتنا في الشرقية، بالمناسبة اسمه برغوت، وأقف أمامه منبهرًا بقدرته على إعادة تصليح موتور المروحة، وإعادة لفه في حالة الاحتراق.. وأتساءل بسذاجة الطفولة، هل يمكن أن تستعين مصانع السيارات بهذا العامل أو بمن مثله ليصنع لهم موتور بدلا من استيراده؟!
كنت أعتقد أن مشكلة إنتاج سيارة مصرية تنحصر في تصنيع موتور أما باقي الأشياء من الفرش والكاوتش والأسلاك الكهربائية والمصابيح فلا تحتاج إلى عبقرية فهي موجودة عندنا.
ولو حللنا مشكلة تصنيع الموتور فقد حللنا أهم مشكلة.. والحل كان موجودًا عند المعلم “برغوت”.. وعندما كبرت عرفت أن آلافًا من طلاب كلية الهندسة يمكنهم تصنيع الموتور لو أتيحت لهم الفرصة.. بل عرفت أن آلافًا من الصنايعية في الورش وخصوصًا في المخارط يمكنهم تصنيعه بكل سهولة.. لكن هناك مسئول وراء مسئول يرفض هذا التصنيع المحلي.
لماذا حتى هذه اللحظة لا يوجد موتور مصري؟! ليس في السيارات وفقط، ولكن في ألعاب الأطفال وفي المراوح والثلاجات والغسالات.
عندنا عباقرة كثر يمكن لرجال الأعمال الاستعانة بهم، قبل المسئولين. في أحد المرات قمت بتغطية صحفية لأحد الفنيين داخل ورشته يقوم بتعديل ماكينة الري إلى عربة وماكينة ري ويعملان مع بعضهما البعض.. والغريب أن هذه العربة كانت لا ترخص في المرور.
هذه الماكينة تذكرني بحال التوكتوك الآن.. إذا قمنا باستيراده يتم ترخصيه في بعض المدن وإذا قمنا بتصنيعه لا يرخص.. أمر غريب!
على العموم لن نكف عن الكتابة ولا تكرار المطالبة بإعمال العقل والتخطيط والاستفادة من الصغير والكبير والمراكز البحثية.. فهل يقفون هم ويستمعون إلينا مرة واحدة؟!