طغيان العاطفة على قضايا العالم الإسلامي فتحت سوقاً رائجة للقتل الذي حرَّمه الله على المسلمين إلا بالحق، وأي حق للقاعدة، وداعش وطالبان، وبوكو حرام في قتل المسلمين الآمنين في دور عبادتهم، ومدارسهم ومشافيهم؟ وما هو المنطق الذي يطيل أمد الحروب في دول العالم الإسلامي؟ إنه التخلّف لا غيره. ولأن الإسلام عقيدة وتنوير، فإنه من الظلم لهذا الدين العظيم أن يكون بأي حال من الأحوال مبرراً للتخلّف. المنطق والعقلانية تراجعا في قراراتنا و ممارساتنا لصالح العاطفة والكراهية والشقاق. إننا نوجه حروبنا على أساس من الدفع بخلافاتنا إلى أقصى مدى يمكن الوصول إليه. وفي نهاية المطاف نخسر كل شيء.
سيجادل من يهوى المؤامرة بأن هذه حبائل العالم المتقدِّم التي حاكها لنا لتعميق الخلافات، لنكون سوقاً لسلاحه المتطور يقتل به بعضنا بعضا. فليكن ذلك؛ فنحن سوق مفتوحة للفوضى، ومتعطِّشة للدماء، ولذلك فإن تزويدنا بأسلحة تلبي لنا هذه الحاجة المتزايدة إنما يساعدنا في المناجزة، وسفك المزيد من الدماء، ولذلك فمن مشاعر الوفاء أن نقدِّم لهم أسمى آيات الشكر على هذه المساعدة التي تجعلنا نقتل أكبر عدد منَّا بأسلحتهم المتطورة.
لو كان لدينا بعض المنطق، ولو كان العقل يحكم قراراتنا لكانت فلسطين اليوم في حال غير الحال التي هي عليه، وكذلك كشمير، وأفغانستان، وسوريا، والعراق وليبيا، واليمن، وبقية دول العالم الإسلامي التي تئن من جراحها ومآتمها التي لا تنتهي.
لا شك أن الكتابة في هذا الموضوع أمر شائك معقَّد؛ فثمَّة أشياء عديدة تطل برأسها في طريق الادعاءات والاحتجاجات وشواهد الحكايات والفرضيات والمؤامرات والنظريات، ونحن -بالطبع- لسنا معنيين بالإشارة إلى الوقائع والحقائق والإحصاءات؛ إذ ليس عدلًا تناوُل أيٍّ من هذه الضوابط الأساسية دونما نظرة شاملة لموضوع السيطرة على العقل ومراقبته وتوجيهه.
لابد الانتباه من الأيديولوجيات الكاذبة، التي تدعي أنها تتحري الحقائق ولكنها في الواقع تعمق الاستعباد الذهني؛ مما يولد الانقسام في النسيج الاجتماعي، وتفتيت الوطنية إلي قوميات متعددة، وعدم القدرة الفرد أو المجتمع علي الحلم أو حتي التفكير.
مثل تلك الأيدولوجيات لا تقدم أي دليل حقيقي لدعم ادعاءات العدو. ولذلك فإن علم هندسة النظم الاجتماعية، محاولة لحماية مجتمعاتنا من تلك الاختراقات الفكرية، ولاننا أصبحنا حقل تجارب وأرضية للصراعات العالمية وتصفية الحسابات، وأصبحت نفسيتنا الضحية والأكثر انهياراً في تلك الحروب الدافئة.
بدأت الحروب الدافئة بمجموعة من أعضاء تضم جي بي مورجان، وأسرة روكفلر، وروتشيلد من أوروبا، وأوربرغ من ألمانيا، وآخرين، والذين وضعوا خطة لإنشاء نظام عالمي من قبل القطاع الخاص للسيطرة المالية الكاملة والهادئة علي كل بلد والاقتصاد العالمي ككل. وتم تطوير الطرق اللازمة لإدارة الإدراك والسيطرة على الوعي الجماعي، وفيها هندسة الإعلام الاجتماعي لتحقيق السيطرة على وسائل الإعلام الرئيسية، لانها تعتبر أساس الوعي الجماعي. وسائل الاعلام الرئيسيّة لها دور مهم في التأثير وتعريف القيم التي يعمل بها المجتمع إلى حد كبير، وعلي المعايير الاجتماعية، وطريقة التفكير والخريطة المعرفية للمجتمع. لأن التصورات التي تخلقها تؤدي إلى اتخاذ قرار مدروس غير متعمد أو اتخاذ قرار عشوائي نابع من العقل الباطن، وذلك اسميه التفكير بدون تفكير، وهو يؤدي في نهاية المطاف إلى سلوكيات غير واعية وغير مدروسة.
وللاسف، كل ما عليهم القيام به هو الاستمرار في إرسال معلومات معينة ضمنية، ولا يهم إذا كانت المعلومات صحيحة أم لا، لان للاسف سيوافق المجتمع عليها، لان تم توصيلها بسهولة بوسائل الاعلام الحديثة وسلاسة بالافلام وبرامج الأطفال وبتكرار واخيراً بمرجعية بمواقع الانترنت والكتب.
إن التصورات السلبية تضخم الصورة إلى درجة تشويهها للواقع، ومثل تلك الممارسات تسمي نظام Divide و Conquer في الحروب النفسية، وسلاحها هو الرسالة التي تحملها، لان غالباً يستخدم فيها أسلوباً للانقسام، مثل “نحن” و”هم”.
سؤال يتردد على ألسنة كثير من الناس، بخاصة عندما يجدون أمامهم عواصف من الممارسات غير المعقولة وغير الإنسانية شاهدوها أو سمعوا أو قرأوا عنها تمثلت في حوادث وفتن وحروب.
وتزداد مأساة الإنسان السوي حين يتأكد أن ذلك العبث وتلك الهمجية لم يكن للعقل فيهما إطلالة أو حضور… بقدر ما كانت هناك أفكار سيطرت على تصرفات تلك المجتمعات وأفقدتها رؤية طريق الحق والصواب لتصبح مرتعا للفوضى والدمار.
يقول المفكر الصيني لاتسو «راقب أفكارك فإنها ستصبح أفعالا، وراقب أفعالك فإنها ستصبح عادات، وراقب عاداتك فإنها ستصبح طباعا، وهي التي تحدد حياة الإنسان».
ولهذا كان الفكر السلبي وأهله مصدر قلق وخطر على مسيرة الحضارة الإنسانية. وكلما كان الفكر خفيا كان خطره أشد لأنه خبيث البدء والمنتهى لا يستطيع أن يظهر في النور وأمام الناس.
بل يبقى فترة من الزمن في السراديب والأبواب الخلفية حتى تفوح رائحته العفنة، فيتهاوى عليه أصحاب النفوس الشيطانية من أهل التأثير بالخطابة والكتابة وفساد العقيدة ليقنعوا أهل الجهل والضلال والسذج من أناسهم بسلامة المقصد ونبل الهدف وتجتمع معها الأهواء والعواطف لتتغلب على العقل وتسدل ستائرها السود عليه ليبقى أولئك البشر في سكرتهم يعمهون، والعالم المتحضر منهم يضحكون.
وقد عرف بعض العلماء العقل أنه النظر في العواقب، وقيل: إن من سعادة الإنسان سلامة عقله.
اليوم يقف الإنسان المسلم العاقل وقد تملكته الدهشة يكاد يتميز من الغيظ حين يلفحه هجير أخبار خصام ودماء وغلو وانفصام ديني وتطرف ممقوت وجحود ونكران وكذب وتدليس في كثير من بقاع الأرض. وكلما خبت نار فتنة لوحت أخرى بألسنتها… نعم إنها فتن للأسف الشديد تكاد تتشابه مع فتنة «الحشاشين» في القرن الخامس الهجري الذين كانوا عارا ودمارا على بلاد المسلمين فقد ترعرعت تلك النبتة الشيطانية في ديار الشر فارس، وانطلقت من هناك على بلاد المسلمين نتيجة لأفكار ومعتقدات متخلفة حاقدة على كل المسلمين والحضارة والعقل والإنتاج والعلم.
وانتشروا في الأرض يهلكون الحرث والنسل من خلال الاغتيالات والقتل والسلب وإثارة الرعب وتصدير فكرهم السرطاني. وأجمع المؤرخون أن ولادة “الحشاشين”، نتيجة لأفكار صنعت وروج لها فأعمى الله بصرهم وبصيرتهم… وكانت نهايتهم مخزية وبعد فترة زمنية ليست بالقصيرة تم اجتثاثهم إلى غير رجعة.
نحمد الله، أننا في هذا الوطن الكريم وطن الإباء والشموخ المملكة العربية السعودية نعيش في عصر رغيد.. عصر البناء والعلم… يجب أن نتنبه لما يحدث من حولنا، وأن نحمد الله على نعمة الأمن والإيمان والرخاء وأن نلتف حول قيادتنا ونسخر إمكاناتنا وجهودنا كمواطنين للمساهمة في بناء السعودية العظمى.
يقول الأديب جبران خليل جبران«إن ما نراه بأعيننا ليس بأكثر من غمامة تحجب ما يجب أن نشاهده ببصائرنا».
الوعي قضية خطيرة ومهمة فى بناء المجتمعات ونهضة الأمم، فلا نهضة إلا من خلال وعى حقيقى للأفراد، لذا أصبح للوعى صناعة، يلجأ إليها لإعادة الأمور لنصابها السليم، ولتحصين الأفراد ضد أى سموم أو سرطانات مجتمعية تتغلغل وسط الناس فتشوه عليهم حياتهم، وتخلخل ثوابتهم الوطنية والأخلاقية والدينية
حدثت طفرة كبيرة فى التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعى التى أصبحت سلاحا ذا حدين، ففى الوقت الذى كان الغرض من هذه المواقع أن تكون وسيلة للتواصل بين المجتمعات، فإن هناك من يستخدمها لهدم للمجتمعات
الوعى قضية مجتمعية فى مواجهه أخطر حروب العصر،وهي حروب الجيل الرابع، لم تعد الدول تعتمد فى حربها على الأسلحة الثقيلة والقتال المباشر، ولكن أصبح احتلال العقول والتخريب الداخلى هو السلاح الفتاك الذى تستخدمه الدول فى حروبها فى الوقت الحالي.
الوعي أصبحت كلمة اساسية ورئيسية يرددها الرئيس عبد الفتاح السيسي دائما في كل تصريحاته ومداخلاته الإعلامية وخطاباته الرسمية للشعب المصري، وهذا دليل قاطع على أن الحروب في هذا الوقت الحالي هي “حروب الجيل الرابع“، وعلينا بمواجهته بالتوعية.
ماحدث في مصر من إنجازات خلال السنوات الماضية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يحدث منذ اكثر من خمسون عاماً مشروعات اقتصادية ضخمة عاصمة إدارية جديدة وفريدة من نوعها مدينة الفسطاط التاريخية التي يتم تطويرها الان وعلى مساحة خمسمائة فدان وغيرها من الانجازات التي لاحصر لها.
اهم من هذه الانجازات والتنمية هو الحفاظ عليها وعلى مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية والتماسك المدني والعسكري لتظهر قوة مصر العسكرية والمدنية أمام العالم قوة لا يستهان بها تواجه جميع الحروب الالكترونية والعسكرية، بالتوعية.
مصر واجهة حروب كثيرة سواء كانت حروب الجيل الأول ( الحرب المباشره ) او حروب الوكالة ومقاومة العصابات والمليشيات العسكرية، ومن ثم حروب المعلومات والشائعات وتوظيف وسائل الأعلام والتواصل الاجتماعي، لاستهداف الدولة في مكونها المدني، بعيدا عن قواتها المسلحة، ولكن الوعي المصري بجذوره الضاربة في التاريخ القديم نجح في التصدي حتى الأن وبفاعلية بدمج مؤسسته العسكرية مع مؤسساته المدنية وحمايتها من الاختراق.
حروب الجيل الرابع ليس لها نهاية إلا بنهاية العالم، لا تتوقف وربما تظهر حروب أخرى مثل الجيل الخامس والسادس، فعلينا أن مواجهة مثل هذه الحروب بالتوعية والثقافة فقضية التوعية ليست قضية وقتيه وإنما قضية دائمة لتحصين الشباب من أخطار حروب الجيل الرابع وما يجري من حولهم
“قرأت لك” يجب التنويه والاهتمام المستمر بقضية الوعي في مصر، لأنها قضية حيوية وفى غاية الأهمية بمساهمة كافة مؤسسات الدولة وفى المقدمة دور الفن في زيادة الوعي وحمايته وتحصينه بأعمال مسرحية وسينمائية ودرامية وبإنتاج ضخم تتحمله الدولة لان وعي المصريين مسألة أمن قومي.
حروب الجيل الرابع هي شكل جديد من إشكال الصراع يهدف إلي تفتيت مؤسسات الدولة الأساسية والعمل على انهيارها أمنيا واقتصاديا وتفكيك وحدة شعبها من خلال التآكل البطيء للدولة، وفرض واقع جديد على الأرض لخدمة مصالح العدو، وما يحدث حول العالم من انهيار الدول و التدخل في حرب مباشرة هو خير دليل تدخل حروب الجيل الرابع وبقوة. فعلينا بالوعي للحفاظ على الدولة وتحصين شبابها وحماية منجزاتها.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان