أن جرائم الخطف من أكثر الجرائم بشاعة، خاصة إذا كان المختطف طفل، حيث تتسبب هذه الحوادث في ترويع الآمنين، وإرهاب قلوب الأمهات والآباء، وتعتبر جريمة الخطف من أسهل الجرائم بالنسبة للجناة، حيث أنها تستغرق وقت زمنى قليل، وجهود ضعيف، ويقابلها الحصول على أموال طائلة من أسرة الضحية، خاصة إذا كانوا أثرياء، لكن تكون العواقب وخيمة على الجناة بعد القبض عليهم.
إن حوادث الاختطاف حوادث قديمة، لكنها ظهرت بكثرة خلال فترة الانفلات الأمني بعد ثورة 25 يناير ثم بدأت في التراجع بشكل ملحوظ نتيجة جهود الأجهزة الأمنية المستمرة حيث أن الانتشار الشرطي في الشوارع، وتكثيف الحملات الأمنية بشكل متكرر ساهم في انخفاض معدل حوادث الخطف، كما أن أكثر من 99% من جرائم الخطف يتم القبض على مرتكبيها، وذلك يدل على مدى قوة جهاز الشرطة.
إن تلك الظاهرة لها أبعاد اجتماعية وأمنية، لا يمكن إنكارها، وفى نفس الوقت، لا يمكن أن ندفن رؤوسنا في الرمال كالنعام، ونطلق العنان لأنفسنا في استدعاء الظروف الإنسانية واستدعاء العواطف، من دون لفت الانتباه عمق القضية، فهي جرائم إرهابية بامتياز، كما أن مرتكبيها، لا يقل أي منهم عن توصيفه بالإرهابي، خاصة إذا علمنا أن التفسيرات ستذهب حتماً لأبعاد سياسية، تهدف النيل من الدولة ذاتها.. قطعا هي جرائم إرهابية بامتياز، لأنها تضر بسلامة المجتمع، فضلا عن تهديد أمنه واستقراره.
إن تنامى هذا النوع من الحوادث، يبعث على الصراخ، ليس في وجه مرتكبيها فحسب، بل في وجه كل من يتقاعس عن دوره لحماية المجتمع من العابثين باستقراره، ابتداءً من مؤسسة التشريع «مجلس النواب»، المنوط بها إصدار قوانين صارمة ورادعة، ضد كل من تسول له نفسه الأقدام على جريمة الخطف، وليس انتهاء بالمجتمع ذاته،
والمقصود هنا فئاته وشرائحه المتنوعة من مثقفين ونخبة وفنانين ومهنيين، كل على حسب دوره في التوعية بمخاطر تلك الجرائم على المدى البعيد، وتأثيراتها على المجتمع بصفة عامة. وتبين من التحقيقات أن الطفل المخطوف اعتاد مرافقة والدته صباح كل يوم لافتتاح المحل الذي يملكه والده، وأن الأسرة لا توجد خلافات بينها وبين أحد وليست بالثراء الكبير الذي يمكن أن يدفع الخاطفون لخطف الطفل طلبا لفدية مالية كبيرة.
وتتبعت أجهزة الأمن خط سير السيارة وحددت مواصفات الجناة التي رصدتها الكاميرات، حيث تأكد أن الطفل متواجد في نطاق قرية السجاعية حيث قامت القوات بمحاصرة مكان المتهمين حتى تم تحرير الطفل والقبض عليهم. وأصبحت الجريمـة بعد ذلك تتخذ صـورا جديدة حيث ظهرت جرائم اختطاف وقعت على أشخاص بالعين بهدف الابتزاز، وظهرت هذه الجريمة في صـورة خطف من يظن مرتكبي الجريمة أنهم ميسورين الحال ويمتلكون المال، وصارت ظاهرة الخطف من اجل طلب الأموال، أو الانتقام أو غير ذلك من أغراض باتت ظاهرة سيئة يتستر ورائها أيضا أصحاب بعض النوايا الأخرى، وقد يكون للأطماع المادية دور فيتعاظم الفكر الإجرامي لدى بعض الخاطفين، الذين يحاولون كسب المال إما من خلال فدية من أهل المخطوف، أو التسول بالمخطوفين أن كانوا صغار السن لاستعطاف المجتمع.
وظهرت في الفترة الأخيرة جرائم الاختطاف، وباتت تثير رعبا كبيرا بين أسر عدة خصوصا الفقيرة منها وسط اهتمام بالغ من الأجهزة الأمنية بهذه القضية لتركز عملها في ضرب بؤر المعروفين بإتيان هذا النوع من الجرائم حيث تقوم الأجهزة الأمنية بمهام ثقال في مكافحة هذه الجريمة وتداعياتها وكشف مرتكبيها.
نعم.. تعددت أسباب الخطف من حالة لأخرى، لكن الجريمة واحدة، فهناك حالات تتم للانتقام من أهل الطفل، جراء الخلافات العائلية بين ذوى الطفل أو الطفلة، وهى أمور معلوم أسبابها في المناطق الريفية، وغالبًا تقترن عملية الخطف بقتل المخطوف، وإخفاء جثته، وما أكثر تلك الوقائع، التي فكت أجهزة الأمن ألغازها، وكشفت النقاب عن أسبابها، فضلا عن أسباب أخرى متنوعة، منها إخفاء الضحية في مكان مجهول، لمساومة أهله،
بهدف الحصول على فدية مالية ضخمة، عقب تهديد ذويه بقتله، حال إبلاغ الشرطة، ولا يخفى على أحد أن كثيرًا من أهالي المخطوفين خضعوا مُكرهين للابتزاز، والانصياع لرغبة عصابات الجريمة، خاصة الجرائم المقترنة بالحصول على فدية مالية من عائلات وأسر ثرية، فضلا عن أن بعض العائلات لا تستطيع الإبلاغ، خشية الشماتة أو التقليل من وضعهم الاجتماعي في الريف.
نجد أن المشرع حدد في قانون العقوبات، عقوبة جريمة الخطف تفصيلا للخاطف أو من خطف بواسطة غيره طفل لم يبلغ 16 عاما أو أنثى، تصل إلى المؤبد في بعض الحالات، حيث جاء في المادتين 288، 290 من قانون العقوبات أن: “جريمتا اختطاف طفل ذكر لم يبلغ 16 سنة كاملة واختطاف أنثى تتفقان في أحكامهما العامة، وتختلفان في صفة المجنى عليه وتشديد العقوبة في الثانية عن الأولى”.
تطبيق المادة 288 عقوبات على واقعة خطف أنثى بالتحايل، المنطبقة عليها المادة 290/ 1 عقوبات خطأ لا تستطيع محكمة النقض تصحيحه ما دام لم يطعن عليه من غير المتهم، كما حددت المادتان 288 و290 فقرة أولى من قانون العقوبات المستبدلتان بالقانون رقم 214 لسنة 1980، أولاهما على اختطاف الأطفال الذكور الذين لم تبلغ سنهم 16 سنة كاملة بما نصت عليه من أن كل من خطف بالتحايل أو الإكراه طفلا ذكرا لم تبلغ سنه 16 سنة كاملة بنفسه أو بواسطة غيره يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة، بينما عاقبت الثانية على أن اختطاف الأنثى أيا كانت سنها خطف بالتحايل أو الإكراه أنثى بنفسه أو بواسطة غيره يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة.
وكان مؤدى هذين النصين أن هاتين الجريمتين وإن اتفقتا في أحكامهما العامة، سواء الركن المادي القائم على فعل الخطف، أو الركن المعنوي الذى يتخذ فيهما صورة القصد الجنائي العام من إرادة ارتكاب فعل الخطف والعلم المحيط بأركان الجريمة أو ما تتطلباه كلتاهما من تحايل أو إكراه، وكذلك كونهما جريمتين مستمرتين في إخفاء الغير أو إبعاد الأنثى، إلا أن المشرع باين بينهما في صفة المجنى عليه ومايز في العقاب بالتشديد في جريمة خطف الأنثى، فمحكمـة النقض المصرية في البداية قصـرت فعل الاختطاف على الأشخاص الذكور دون سن الـ 16 أو على الأنثى مهمـا كان سنها بشـرط استعمال الحيلة والإكـراه وذلك بهدف قطع صلة الضحية بأهله وذويه أو الذين لهم حق رعايتـه
وما يؤخذ على أحكام محكمة النقض المصريـة لمدة 50 عاما هو عدم تطرقهـا لخطف وسائل النقل واكتفت فقط بخطف الإنسان، وكذلك استبعدت أحكام محكمة النقض المصرية اختطاف الذكور الأكثر من سن الـ 16 واعتبرتها جريمة قبض أو حجز بدون وجه حق استنادا لنص المادتين 280-282 من قانـون العقوبات المصري، ولكن المشرع المصري أستدرك كل ذلك النقص في التشريع وذلك بسبب التعديل الصادر سنة 1992،
وهذا التعديل المتعلق باختطاف وسائل النقل الجوية، البرية، المائية، وتصل العقوبة فيها إلى المؤبد إلى أن جاء التعديل الأخير من منطلق التصدي لجرائم الخطف البشعة والتي لا تستقيم مع مجتمعنا والتي تمثل جرائم أقل ما توصف أنها توصم مرتكبيها بالخزي والعار مهددة في الوقت ذاته أمن الأسرة والمجتمع في آنٍ واحد
وتضمن التعديل استبدال نصوص المواد 283 و289 و290 من قانون العقوبات، بالتوسع في التجريم لمواجهة حالات الخطف دون تخصيص؛ نظرًا لما أدت إليه النصوص القائمة من إفلات بعض الجناة من العقاب، مع تشديد العقوبات القائمة ووضع ظرفًا مشددًا إذا كان الخطف مصحوبا بطلب فدية، ونصت المادة 283 أنه مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 7 سنوات كل من أخفى طفلا حديث العهد بالولادة أو أبدله بآخر أو عزاه زورا إلى غير أي من والديه،
ونصت المادة رقم 289 على أن كل من خطف بنفسه أو بواسطة غيره من غير تحيل ولا إكراه طفلا يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن 10 سنوات، أما إذا كان الخطف مصحوبًا بطلب فدية، فتكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 15 سنة، ولا تزيد على 20 سنة.
ونصت المادة 290 على أن: “كل من خطف بنفسه أو بواسطة غيره بالتحيل أو الإكراه شخصًا يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن 10 سنوات، وإذا كان الخطف مصحوبًا بطلب فدية تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 15 سنة ولا تزيد عن 20 سنة، أما إذا كان المخطوف طفلا أو أنثى فتكون العقوبة السجن المؤبد، ويحكم على فاعل جناية الخطف بالإعدام إذا اقترنت بها جناية مواقعة المخطوف أو هتك عرضه.
وقانونياً، وافق مجلس النواب على تعديل المادة “290” من قانون العقوبات، ويقضى التعديل بتغليظ عقوبة من يخطف أى شخص بالتحايل أو الإكراه بالسجن المشدد مدة لا تقل عن 10 سنوات ولو كان الخطف مصحوبا بطلب فدية تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن 15 سنة ولا تزيد عن 20 سنة. وأقر البرلمان، أنه فى حال إذا كان المخطوف طفلا أو أنثى تكون العقوبة السجن المشدد، وتكون العقوبة الإعدام إذا اقترن بالخطف مواقعة المخطوف أو هتك عرضه. وتنص المادة كما وافق عليها البرلمان: مادة 290، كل من خطف بنفسه أو بواسطة غيره بالتحايل أو الإكراه شخصا يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن عشر سنين، فإذا كان الخطف مصحوباً بطلب فدية تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 15 سنة ولا تزيد على 20 سنة، أما إذا كان المخطوف طفلاً أو أنثى فتكون العقوبة السجن المؤبد، ويٌحكم على فاعل جناية الخطف بالإعدام إذا اقترنت بها جناية مواقعة المخطوف أو هتك عرضه”.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان