رب ضارة نافعة.. هذا ما أبدأ به افتتاحية مقالي المتواضع، الذي ربما أُصيب فيه وأُخطئ، لكن رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، كما قال سادتنا، فكثيرٌ من الناس ما زالوا يرون جائحة كورونا شيئاً بغيضاً سلبياً، لا يُمكننا تحمُّله أو التعايش معه ومضاهاته، ولكن من وجهة نظرى الأكثر تواضعاً أيضاً، أرى أن جائحة كورونا كانت إيجابياتها عديدة ومردودها طيبٌ؛ خاصةً على الاقتصاد العالمى، وكيف لا وقد رأيت جميع الخبراء والمُختصين، استخدموا بنات أفكارهم؛ كلٌّ يُدلي بدلوه؛ بحثاً عن ثقبٍ مُضيء للخروج من الأزمة التي يرونها حالكة السواد، بينما هي بيضاء.
كان البعض وما زال يفترض جائحة كورونا نقطة ضعفٍ له، إلا أنني أراها وقد تحوَّلت بقدرة قادرٍ إلى نقطة قوة؛ حين سعى الجميع، أفراداً، وجماعات، مؤسسات وقطاعات عامة وخاصة، حكومات ودولاً وقيادات، إلى التفكير والهيكلة في أشياءَ كثيرة كنا نُغمض أعيننا عنها إما سهواً وإما حتى عن عمدٍ؛ منها إعادة استخدام استراتيجية الموارد المتاحة؛ وهي تعليم الفرد كيفية استخدام الموارد المتاحة بأقصى شكلٍ ممكن، ففي ظل هذه الجائحة، بدأ الفرد يعمل على ترشيد استخدامه للموارد التي بين يديه، والمحافظة على كل ما هو متاحٌ له؛ إذ ساعدت هذه الجائحة هذا الفرد وذلك المخلوق الضعيف في تغيير نمط حياته القديم العشوائي، وتغيير فكره العقيم أيضاً، وبدأ يُفكِّر التفكير المنطقي، ومن جهةٍ أخرى، كانت الدولة تعمل على اتخاذ جميع الإجراءات والاحترازات؛ حتى تُعظِّم مردود الدخل القومي لديها، فحاربت الإهدار، وقضت على الكثير من الظواهر السلبية؛ ومنها منع المقاهي والشيشة خاصةً في بلداننا العربية كمصر، وكانت هذه الخطوة في مصلحة الدخل القومي؛ من حيث الوفر الذي حقَّقته الدولة من الإنفاق والتبذير دون عائدٍ، وعند فرض حظر التجوال وقفت بعض العادات المُبالغ فيها أحياناً؛ وهذا بالنسبة للتنزه والخروجات اليومية، كل هذا كان له مردودٌ إيجابي وأدى إلى وفرٍ اقتصادي على مستوى الاقتصاد القومي.
في ظل هذه الجائحة، بدأ ينشط جنباً إلى جنب مع العوامل السابقة، التفتيش في أدراج الجامعات عن الأبحاث المُهملة منذ عقودٍ ولم تستفد منها الدول لسببٍ ما، رغم أهميتها وما بُذل فيها من جهدٍ وعرق؛ وذلك بغية الوصول إلى حلٍ لهذه النكبة وتلك الجائحة العالمية، أما من ناحية القطاع الطبي، والقطاع الاقتصادي، والقطاع التعليمي، فقد بدأ استخدام التكنولوجيا الحديثة بكثرةٍ، واستُبدل بالتعليم المباشر التعليم عن بُعدٍ، وكانت هذه من الإيجابيات أيضاً.. وفي ظل هذه الجائحة أيضاً، لاحظ الجميع، نظافة المنشآت الحكومية والأماكن العامة والخاصة وغيرها من مؤسسات الدول المتنوعة، حتى أضحت سلوكاً معيشياً، على عكس الأول، وهذا كان مردوده صحياً يصب في عمق الاقتصاد القومي لأية دولة، بما يُحقِّقه من وفرٍ مالي، والذي حدث نتيجة الاهتمام بالصحة العامة، وعدم الإنفاق على الأوبئة والأمراض، كما منعت هذه الجائحة في بلادنا خاصةً، عادة العزاءات التي كانت تستمر لثلاثة أيامٍ ببعض المناطق، ما أدى لتوفير الكثير، وترشيد النفقات المُهدرة، وإذا كانت لجائحة كورونا سلبيات، فإن الإيجابيات أكثر، وأُقدِّرها، من وجهة نظري بـ%90، أما السلبيات فلا تتجاوز %10، وهذا بالطبع على مستوى الفرد والدولة معاً.
أما من الناحية العالمية، في ما يخص جائحة كورونا من فرض إصلاحات اقتصادية على الاقتصاد العالمي، فإن هناك دولاً بدأت تنشط صناعياً؛ مثل الولايات المتحدة الأميركية التي عملت على تصنيع اللقاحات والأمصال؛ لمقاومة هذه الجائحة، وأيضاً مصر والإمارات وغيرها من الدول، فانتشرت مثلاً صناعة الكمامات الطبية، والمواد المُطهرة كالكحوليات، والأمصال والأدوية، أضف للمحصلة قيام غالبية الدول بمنع السفر والهجرة منها وإليها، كما منعت التجارة الخارجية، وبدأت هذه الدول تعتمد على مواردها الداخلية؛ مثل دول الخليج، التي بدأت تعتمد على عنصرها البشري، الذي كانت تستعيضه من الخارج بأجورٍ مرتفعة، كلها أمورٌ بلا شك ويقيناً عادت على اقتصادات هذه الدول بالوفر، وفرضته فرضاً الجائحة، كما أن هذه الإجراءات الاحترازية عملت على تزويد الوعي بين الأفراد، وجعلت الفرد يُفكِّر في خطواته.
وقد انقسمت الدول في ظل هذه الجائحة إلى مجموعتين، الأولى؛ وهي دولٌ مُتطوِّرة تكنولوجياً، استفادت من هذه التجربة، وكان لها مردودٌ دخلٍ قومي هائل، واستخدمت هذا التطور وتلك التكنولوجيا في الأبحاث الدوائية؛ للخروج من هذه الأزمة، والمجموعة الثانية كانت دولاً نامية لا حول لها ولا قوة ما زالت تعاني حتى اليوم، وإذا ما عقدنا مقارنةً بين المكاسب والمنافع، فسنجد أن هناك دولاً كسبت وأخرى خسرت؛ فالأخيرة حظها سيئٌّ؛ لأنها استوردت اللقاحات والأمصال، أي علاجها بالمعنى الأدق، وإن هذا الأمر وتلك الكارثة، ربما تكون جرس إنذارٍ لها؛ لتبدأ إنشاء وصناعة هذه الصناعات، وتعمل على إعادة هيكلة اقتصادها وصناعتها وتجارتها، أما المكاسب التي تكون على المستوى العالم كله؛ فهي نوعان، الأول مكاسب مادية حقيقية تكون وقتاً وحالاً كما في بيع الدول المتقدمة للقاحاتها المُصنعة بمصانعها، والآخر مكاسب تُحقَّق على الأجل الطويل؛ وهي أن صاحبها بدأ يخلق الحلول ودراسة البدائل، وكل هذا يُساعده في صناعة استراتيجية على الأجل الطويل؛ حيث إن جائحة كورونا مستمرةٌ ومتحورةٌ ولم تنتهِ بعد، وأن هذه الجائحة نشَّطت الاهتمام بالأبحاث الدوائية، والنظافة العامة، وساعدت في تغيير السلوك أيضاً، فلماذا لا نُراجع أنفسنا.. ونأخذ العبرة والعظة، لنرى في المكاره إيجابيات تقتل سلبياتنا.