في صباح يوم 2 أبريل لعام 2025 استيقظ العالم على خبر صادم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطوة جديدة تعكس عودته القوية إلى الحمائية الاقتصادية حيث أعلن عن فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على الواردات المصرية إلى الولايات المتحدة ضمن حزمة تعريفات شملت 185 دولة حول العالم ، هذا القرار الذي أطلق عليه ترامب اسم ” يوم التحرير التجاري ” لم يكن مجرد إجراء اقتصادي عابر بل رسالة واضحة إلى العالم بأن سياسة أمريكا أولاً عادت بقوة أكبر من أي وقت مضى بالنسبة لمصر التي بدأت تشهد انتعاشاً ملحوظاً في صادراتها إلى الولايات المتحدة حيث قفزت قيمتها إلى ما يقارب 2.2 مليار دولار في الأشهر الـ10 الأولى من عام 2024 مقارنة بـ 1.95 مليار دولار في عام 2023 .
هذا القرار الذى أطلقه الرئيس الأمريكى يمثل تحدياً غير مسبوق فكيف ستتعامل مصر مع هذه الضربة ؟ وهل يمكن أن تحول هذا التحدي إلى فرصة لإعادة هيكلة اقتصادها ؟
وقبل أن نجيب على تساؤلاتنا لنفهم قرار ترامب الأخير ، يجب اولا أن نعود إلى الوراء قليلاً خلال ولايته الأولى مابين عامي ( 2017 – 2021 ) حيث اشتهر ترامب بتبني سياسات تجارية حمائية أبرزها فرض رسوم بنسبة 25% على الصلب و 10% على الألمنيوم في عام 2018 مما أثار حربًا تجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي تلك السياسات التي قال عنها إنها ستعيد أمريكا إلى عزها كانت تعتمد على فكرة أن تقليل الواردات ودعم الإنتاج المحلي سيحققان التوازن التجاري ، ففي عام 2025 وبعد عودته إلى البيت الأبيض يبدو أن ترامب لم يغير فلسفته لكنه هذه المرة وسّع نطاق الرسوم لتشمل دولاً لم تكن في دائرة الاستهداف سابقاً مثل مصر ، والدوافع هى مزيج من الضغط الداخلي من اللوبيات الصناعية الأمريكية التي ترى في المنتجات المصرية منافساً رخيصاً والرغبة في إثبات أن أمريكا لا تزال القوة الاقتصادية الأولى ، في خطابه يوم الإعلان قال ترامب لن نسمح لدول أخرى باستغلالنا بعد الآن هذه بداية عصر جديد .
لكن لماذا مصر تحديداً على عكس الصين أو الهند لا تمثل مصر تهديداً تجارياً ضخماً لأمريكا لكن نمو صادراتها السريع خاصة في مجال المنسوجات والمنتجات الزراعية جعلها هدفاً ضمن استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل التجارة العالمية ، كما أن العجز التجاري الأمريكي وفقاً لتقرير مكتب الإحصاء الأمريكي لعام 2024 بلغ العجز التجاري مع العالم 820 مليار دولار بزيادة 5% عن 2023 ترامب يرى أن الواردات الرخيصة ، والقادمة من مصر ودول نامية أخرى تُضعف الصناعات المحلية على سبيل المثال المنسوجات المصرية التي تُباع بأسعار أقل بنسبة 20 إلى 30% من نظيرتها الأمريكية أصبحت تشكل ضغطاً على مصانع الجنوب الأمريكي ، كما أن الرسوم ليست مجرد أداة اقتصادية بل سلاح سياسي فالرئيس ترامب يستخدمها للضغط على الدول لإعادة التفاوض على اتفاقيات تجارية ، في حالة مصر تحديدا قد يكون الهدف دفع القاهرة لتقديم تنازلات في مجالات مثل الاستثمار أو التعاون العسكري كما أن ترامب يعتمد على شعبيته بين الطبقة العاملة الأمريكية التي ترى في الواردات تهديداً لوظائفها وفي خطاب ألقاه في أوهايو قبل أيام من الإعلان قال : ” كل دولار ننفقه على منتجات أجنبية هو وظيفة نفقدها هنا ” ، وبالرغم من أن حجم التجارة بين مصر وأمريكا ليس ضخماً مقارنة بالصين التي تصدر بقيمة 500 مليار دولار سنوياً فإن نمو الصادرات المصرية بنسبة 15% في عام 2024 أثار انتباه واشنطن فالمنسوجات التي تشكل 40% من هذه الصادرات والموالح التي باتت تغزو أسواق كاليفورنيا جعلتا مصر هدفاً رمزياً ضمن الحزمة مما سمح له بفرض رسوم بنسبة 10% يعني أن كل سلعة مصرية تصل إلى أمريكا ستكون أغلى بنفس النسبة على سبيل المثال قميص قطني مصري يُباع بـ10 دولارات سيصبح سعره 11 دولاراً ، فمثلا طن من البرتقال المصري الذي كان يكلف 500 دولار سيرتفع إلى 550 دولاراً هذا الارتفاع قد يدفع المستوردين الأمريكيين إلى البحث عن بدائل من دول مثل المكسيك أو تركيا مما يقلل الطلب على المنتجات المصرية .
وفي عام 2023 بلغت قيمة الصادرات المصرية إلى أمريكا 1.95 مليار دولار وارتفعت إلى حوالي 2.2 مليار دولار في عام 2024 حتى أكتوبر ، فإذا انخفض الطلب بنسبة 20% بسبب الرسوم فقد تخسر مصر مايقدر ب440 مليون دولار سنوياً هذا الرقم قد يتضاعف إذا استمر الاتجاه على المدى الطويل والمنسوجات تشغل حوالي 1.5 مليون عامل في مصر فإذا انخفض الطلب قد يؤدي إلى تسريح العمالة أو تقليص الإنتاج والمزارعون في الدلتا الذين يعتمدون على تصدير الموالح قد يواجهون خسائر كبيرة ، فالصناعات البتروكيماوية وارتفاع التكاليف قد يقلل من قدرتها التنافسية والخسائر الاقتصادية لن تقتصر على الأرقام ستؤدى إلى فقدان الوظائف وتراجع دخل الأسر قد يزيدان من الضغط على الحكومة المصرية التي تواجه بالفعل تحديات مثل التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية .
وللتعامل مع هذه الأزمة يمكن لمصر اتخاذ عدة إجراءات
أولها : التفاوض مع أمريكا عبر إرسال وفد تجاري إلى واشنطن لمناقشة استثناءات أو تخفيضات للرسوم .
ثانياً : دعم المصدرين عبر تخصيص 5 مليارات جنيه من صندوق التنمية لتعويض الخسائر
ثالثاً : تعزيز التصدير إلى أسواق بديلة مثل الصين وروسيا .
أما على المستوى الابتكاري فمن الممكن إنشاء منصة ” صنع في مصر الرقمية ” كسوق إلكتروني عالمي يستهدف المستهلك الأمريكي مباشرة متجاوزاً الوسطاء والرسوم كذلك يمكن تطوير منتجات ذكية مثل الأقمشة المقاومة للماء أو مضادة للحريق لتعزيز التنافسية بالإضافة إلى ذلك يمكن لمصر اتباع نهج اقتصاد المقايضة بحيث يتم تبادل المنسوجات مع دول مثل الهند مقابل التكنولوجيا كما يمكن إنشاء مستودعات في الولايات المتحدة لتخزين المنتجات قبل فرض الرسوم وبيعها محلياً داخل السوق الأمريكية .
ولنأخذ مثالًا عمليًا على تضرر الأقتصاد المصرى من فرض الرسوم الجمركية ، إذا كان سعر طن القطن المصري الخام 1800 دولار فإن الرسوم ستضيف 180 دولارًا إضافيًا مما يجعل السعر النهائي 1980 دولارًا في المقابل يمكن للمستورد الأمريكي أن يشتري قطنًا من الهند بسعر 1700 دولار بدون رسوم إضافية مما يجعل الخيار الهندي أكثر جاذبية ، هذا الانخفاض في التنافسية قد يؤدي إلى تراجع حصة مصر السوقية في الولايات المتحدة التي كانت تشكل حوالي 8 بالمئة من إجمالي صادراتها في عام 2024 .
ووفقًا لبيانات وزارة التجارة المصرية شكلت الولايات المتحدة ثالث أكبر سوق تصدير لمصر في عام 2024 بعد الاتحاد الأوروبي والسعودية بقيمة تقارب بنحو 22 مليار دولار حتى أكتوبر كما أن المنسوجات وحدها ساهمت ب900 مليون دولار تليها المنتجات الزراعية 350 مليون دولار والبتروكيماويات 300 مليون دولار ، فإذا افترضنا وحدث انخفاض فى الطلب بنسبة 15 إلى 20 بالمئة بسبب الرسوم فإن الخسائر المباشرة قد تتراوح بين 330 و 440 مليون دولار سنويًا هذا الرقم ليس مجرد خسارة مالية بل يعكس تراجعًا في النمو الاقتصادي الذي كان متوقعًا أن يصل إلى 45 بالمئة في عام 2025 وفقًا لتوقعات البنك الدولي قبل القرار .
إن مصر تُعتبر من أكبر منتجي القطن طويل التيلة في العالم وهو ما يمنحها ميزة تنافسية في صناعة الملابس الجاهزة ففي عام 2024 صدّرت مصر حوالي 450 ألف طن من القطن والمنسوجات إلى أمريكا بقيمة 900 مليون دولار الرسوم قد تقلل هذا الحجم بنسبة 20 بالمئة أي حوالي 90 ألف طن مما يعني خسارة 180 مليون دولار على الأقل هذا التراجع سيؤثر على مصانع الغزل والنسيج في المحلة الكبرى والإسكندرية حيث يعمل أكثر من 12 مليون شخص بشكل مباشر وغير مباشر المنتجات الزراعية مثل البرتقال والفراولة المجمدة والخضروات التى شكلت حوالي 16 بالمئة من الصادرات إلى أمريكا وفي عام 2023 صدّرت مصر 120 ألف طن من الموالح إلى الولايات المتحدة وارتفع هذا الرقم إلى 150 ألف طن ، فالرسوم قد تقلل الطلب بنسبة 25 بالمئة أي حوالي 37500 طن مما يكلف المزارعين حوالي 20 مليون دولار سنويًا هذا التأثير سينعكس على مزارعي الدلتا الذين يعانون بالفعل من ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب زيادة أسعار الأسمدة بنسبة 40 بالمئة وفقا لتقارير أقتصادية .
عام 2024 مصر صدّرت حوالي 200 ألف طن من المنتجات البتروكيماوية مثل البولي إيثيلين والأسمدة إلى أمريكا بقيمة 300 مليون دولار ، الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى خسارة 15 بالمئة من هذا السوق أي حوالي 45 مليون دولار مما يضع ضغطًا إضافيًا على شركات مثل ” سيدي كرير وموبكو ” فالخسائر لن تتوقف عند الشركات الكبرى كذلك العاملون في هذه القطاعات وهم غالبًا من الطبقات المتوسطة ومحدودى الدخل سيواجهون مخاطر فقدان وظائفهم على سبيل المثال إذا أغلقت مصانع المنسوجات خطوط إنتاج بسبب تراجع الطلب فقد يفقد 50 إلى 100 ألف عامل وظائفهم في غضون عام هذا سيرفع معدل البطالة إلى ما قد يتجاوز 8 بالمئة في عام 2025 كما أن تراجع إيرادات التصدير سيقلل من احتياطي النقد الأجنبي الذي بلغ 45 مليار دولار في نهاية عام 2024 مما قد يضعف الجنيه المصري أمام الدولار ويزيد التضخم الذي وصل إلى 12 بالمئة في مارس لعام 2025 .
إذا لم تتخذ مصر إجراءات فورية فقد تفقد مكانتها كمورد رئيسي لأمريكا في بعض القطاعات على سبيل المثال : إذا تحولت الشركات الأمريكية إلى موردين آخرين مثل تركيا أو بنغلاديش فقد يصبح استعادة هذه الأسواق مكلفًا وطويل الأمد كما أن الرسوم قد تدفع الشركات المصرية إلى تقليص استثماراتها في التوسع مما يعيق خطط الحكومة لزيادة الصادرات إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 فالمنسوجات هي العمود الفقري للصادرات المصرية إلى أمريكا وفي عام 2024 صدّرت مصر حوالي 450 ألف طن من القطن والمنسوجات بما في ذلك الملابس الجاهزة والمفروشات بقيمة 900 مليون دولار والشركات الأمريكية مثل ” والمارت وتارجت ” تعتمد بشكل كبير على الملابس المصرية بسبب جودتها العالية وأسعارها التنافسية ، لكن مع الرسوم قد تنخفض هذه الصادرات إلى 360 ألف طن مما يعني خسارة 180 مليون دولار ، المناطق المتضررة قد تشمل المحلة الكبرى التي تضم أكثر من 500 مصنع والإسكندرية حيث تتركز شركات التصدير وهنا يمكن للحكومة المصرية تخصيص من 5 إلى 7 مليارات جنيه حوالي 100 إلى 140 مليون دولار من ” صندوق تنمية الصادرات ” لتقديم إعانات للمصدرين مما يخفف من تأثير الرسوم كما يمكن تعزيز التصدير إلى الاتحاد الأوروبي الذي استورد 35 مليار دولار في عام 2024 والصين 2 مليار دولار عبر اتفاقيات تجارية جديدة كما إن إنشاء منصة إلكترونية عالمية تتيح للمستهلك الأمريكي شراء المنتجات المصرية مباشرة ويمكن أن تتضمن المنصة ملابس ذكية منتجات زراعية عضوية وحرف يدوية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي كما يمكن تخصيص العروض لكل عميل مما يعزز الطلب بدلاً من تصدير القطن الخام ويمكن أيضا لمصر تطوير أقمشة ذكية مثل الأقمشة المضادة للبكتيريا أو المقاومة للحريق التي تلبي احتياجات السوق الأمريكي وهذا يتطلب استثمارًا في البحث والتطوير بقيمة 50 مليون دولار على الأقل لكنه قد يرفع قيمة الصادرات إلى 15 مليار دولار في غضون 5 سنوات .
كما إن إبرام صفقات مع دول مثل الهند والبرازيل ضمن منظمة ” البريكس ” من تبادل للمنسوجات والموالح مقابل التكنولوجيا أو المواد الخام يقلل الاعتماد على الدولار يجعل مصر تتجنب الرسوم كذلك إنشاء مستودعات في ولايات مثل فلوريدا وتكساس لتخزين المنتجات المصرية قبل فرض الرسوم ثم بيعها محليًا كمنتجات مخزنة في أمريكا يقلل التكلفة الإضافية بالإضافة إلى تشكيل تحالف مع دول عربية مثل السعودية والإمارات لإنشاء سوق مشتركة تستهدف أمريكا يعزز القوة التفاوضية ويقلل التأثير الفردي للرسوم .
الحكومة المصرية قد تستند إلى علاقاتها الاستراتيجية مع أمريكا خاصة التعاون الأمني في ملفات مهمة فى المنطقة وذلك للضغط من أجل تخفيف الرسوم بينما يرى الخبراء أن التأثير سيكون محدودًا نسبيًا لكنه قد يدفع مصر لإعادة تقييم استراتيجياتها التجارية فلا ينبغى ان تقدم تنازلات مرتبطة باستيراد القمح والسلع الأخرى وفي حال نجاح هذا السيناريو من المتوقع تحقيق مكسب سنوي قدره 50 مليون دولار لكن الخسارة الإجمالية في السنة الأولى ستكون 472 مليون دولار أما في السيناريو المتشائم فسيستمر الوضع دون أي تخفيضات بعد 12 شهرًا وهو ما يعني خسارة قدرها 880 مليون دولار دون تعويضات ما سيؤدي إلى استمرارية في إغلاق المصانع وتفاقم الأزمة في بعض المناطق مثل المحلة والدلتا ومن الخيارات الأخرى المطروحة أمام مصر هو اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية حيث يتوقع أن تحقق هذه الخطوة مكاسب أكبر على المدى الطويل في حال تمت المفاوضات بنجاح .
ومع دخول القرار الأمريكي حيز التنفيذ يمكن توقع عدة سيناريوهات أخرى لمستقبل العلاقات الاقتصادية بين مصر وأمريكا ولكل منها تداعيات مختلفة ففي السيناريو الأول : هو أن تنجح مصر في التفاوض مع الولايات المتحدة للحصول على استثناءات لبعض القطاعات الحيوية مثل المنسوجات أو المنتجات الزراعية قد يشمل ذلك تقديم بعض التنازلات التجارية أو الاستثمارية مثل منح تسهيلات أكبر للشركات الأمريكية العاملة في مصر هذا السيناريو سيؤدي إلى تقليل الخسائر لكنه قد يفرض على مصر تقديم تنازلات قد تؤثر على سيادتها الاقتصادية .
وفي السيناريو الثاني : إذا قررت مصر عدم انتظار نتائج المفاوضات فقد تتجه إلى تسريع خطط تنويع أسواقها التصديرية يمكن تعزيز الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي والاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة مع الدول الأفريقية وزيادة التعاون مع الصين والهند هذا السيناريو قد يتطلب وقتًا أطول لتحقيق نتائج ملموسة لكنه سيقلل من الاعتماد على السوق الأمريكية على المدى البعيد .
أما في السيناريو الثالث : فترد مصر بفرض رسوم على بعض الواردات الأمريكية مثل المنتجات الزراعية أو المعدات التكنولوجية وهو ما قد يؤدي إلى تصاعد التوترات التجارية لكن نظرًا لحجم التبادل التجاري غير المتكافئ بين البلدين فقد يكون لهذا الخيار تأثير محدود مقارنة بالخسائر التي قد تتكبدها الصادرات المصرية .
وفي السيناريو الرابع : إذا استمر القرار الأمريكي لفترة طويلة دون حل فقد تضطر الشركات المصرية إلى تعديل استراتيجياتها الإنتاجية والتسويقية من خلال تقليل تكاليف الإنتاج وتحسين جودة المنتجات والتركيز على الأسواق الأقل تأثرًا بالرسوم الجمركية .
بالإضافة إلى تأثير القرار على المصدرين المصريين فإن بعض الشركات المحلية التي تعتمد على استيراد المواد الخام من أمريكا قد تواجه ارتفاعًا في التكاليف كما قد ينعكس ذلك على المستهلك المصري إذا لجأت الشركات إلى رفع الأسعار لتعويض الخسائر من ناحية أخرى قد يمثل القرار فرصة لصعود بدائل محلية في بعض الصناعات التي تعتمد على المنتجات الأمريكية مما قد يعزز الإنتاج المحلي ويخلق فرص عمل جديدة .
وهناك العديد من الدروس المستفادة من هذه الأزمة في أهمية تنويع الأسواق لتقليل الاعتماد على سوق واحدة وهو ما يعرض الاقتصاد للمخاطر كما أن تعزيز القيمة المضافة بدلاً من تصدير المواد الخام أو المنتجات الأساسية يمكن أن يساعد في تعزيز تنافسية مصر بالإضافة إلى ذلك فإن الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة سيكون له دور كبير في تحسين قدرة الصناعات المحلية على المنافسة عالميًا .
ورغم التحديات التي يفرضها القرار الأمريكي إلا أنه يمكن أن يكون دافعًا لمصر لإعادة هيكلة استراتيجياتها التجارية والاستثمارية فإما أن تتحول الأزمة إلى نقطة ضعف تُثقل كاهل الاقتصاد أو أن تُستغل كفرصة للنمو والابتكار .
ففي السيناريو الأمثل يتوقع أن يتم إلغاء الرسوم الجمركية بالكامل خلال 18 شهرًا مع تعويضات تصل إلى 200 مليون دولار لكن مع تكلفة قانونية قد تقدر بـحوالى 15 مليون دولار وتراكم خسائر تصل إلى 1.044 مليار دولار ومع ذلك سيعود المكسب السنوي إلى 700 مليون دولار إضافة إلى تعويض 200 مليون دولار ليصبح صافي المكسب 885 مليون دولار بينما في السيناريو المتوسط من المتوقع أن يتم تخفيض الرسوم إلى 50% خلال 21 شهرًا مع تعويض قدره 100 مليون دولار ولكن مع خسارة متراكمة تبلغ 1.218 مليار دولار ورغم ذلك سينخفض حجم الخسائر في المحلة والدلتا مما يساعد في تحسين الوضع على المستوى المحلي أما في السيناريو المتشائم فيتوقع فشل اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية في نهاية المطاف مما سيكلف الاقتصاد المصري خسائر تصل إلى 1.407 مليار دولار ، كما تتضمن الخيارات التقليدية فرض رسوم مضادة وهو خيار تفضله بعض الأوساط الاقتصادية رغم مخاطره ففي السيناريو الأمثل يتم توقع مكسب قدره 86 مليون دولار خلال 3 أشهر إلا أن التضخم المتوقع بنسبة 10.5% سيتسبب في زيادة تكاليف أخرى غير مباشرة قد تصل إلى 100 مليون دولار مما يعني أن المكسب الفعلي سيكون صفرًا أما في السيناريو المتوسط فتتوقع تحصيل نفس المكسب لكن مع تضخم بنسبة تقدر بحوالى 14% مما يسبب زيادة في تكلفة الاقتصاد بسبب التضخم بنحو 333 مليون دولار وبالتالي فإن الخسارة الصافية ستكون حوالي 247 مليون دولار ، أما في السيناريو المتشائم الأخر فيتوقع أن يؤدي التصعيد التجاري إلى فرض رسوم أمريكية تصل إلى 30% ما سيؤدي إلى تكبد الاقتصاد خسائر مضاعفة تصل إلى 1.25 مليار دولار ومن حيث التأثيرات طويلة الأمد فإن التفاوض الدبلوماسي في حال نجاحه قد يُحقق مكاسب تراكمية تصل إلى 1.125 مليار دولار خلال 5 سنوات لكن تجدد الرسوم الجمركية بنسبة 30% قد يفرض خسائر سنوية تقدر بـ 1.05 مليار دولار مما يعني أن المكاسب ستكون غير مستدامة أما اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية ففي حال النجاح فإنه سيُحقق استقرارًا تجاريًا على مدار 10 سنوات مع مكاسب تراكمية تصل إلى 7 مليارات دولار وبالرغم من الخسائر المتراكمة التي قد تصل إلى 1.407 مليار دولار والفشل في هذا الخيار سيتسبب في خسائر كبيرة قد تصل إلى 1.407 مليار دولار دون تعويضات ما سيؤثر بشكل مباشر على الثقة في الاقتصاد المصري ويؤدي إلى تأخير الاستثمارات الأجنبية ، أما فرض الرسوم المضادة على المدى الطويل فإنه قد يُكلف الاقتصاد المصري ما يعادل من 2 إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي أي ما يقارب 8 إلى 12 مليار دولار على مدى 5 سنوات مع تأثير كبير على التضخم الذي قد يصل إلى 14% مما يؤدي إلى تراجع القوة الشرائية بنسبة ملحوظة ويُتوقع أن يؤدي ذلك إلى تراجع الاستثمارات الصناعية بنسبة 7% مما يعكس تأثيرًا سلبيًا طويل الأمد على جميع القطاعات المحلية وبالنسبة للموازنة العامة فإنه يتوقع أن يُؤدي التفاوض إلى زيادة العجز بنحو 180 مليون دولار سنويًا في حال لم تنجح المفاوضات ، أما في حال نجاح المفاوضات فقد يتحقق تحسن بنحو 225 مليون دولار سنويًا لكن في حالة اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية في حال فشل القضية قد يزيد العجز إلى 1.407 مليار دولار بينما في حال النجاح سيُحقق مكاسب تقدر بنحو 685 مليون دولار سنويًا أما الرسوم المضادة فإنها قد تُسهم في مكاسب تقدر بـ 86 مليون دولار لكن مع تأثير التضخم الذي قد يقلل من فائدتها إلى نحو 69.3 مليون دولار سنويًا .
أما التقييم العام تظل المفاوضات الدبلوماسية الخيار الأكثر توازنًا على المدى القصير لكنه قد لا يكون مستدامًا إذا استمر فرض الرسوم الجمركية بينما تُعد منظمة التجارة العالمية الخيار الأكثر فائدة على المدى الطويل رغم الوقت المستغرق للوصول إلى حل ، أما الرسوم المضادة فيبدو أنها أقل فاعلية بسبب المخاطر التصعيدية المحتملة وتأثير التضخم في مواجهة الرسوم الجمركية التي تُهدد الصادرات المصرية بخسائر تتراوح بين 420 و700 مليون دولار سنويًا ، وتدرس الحكومة المصرية ثلاثة مسارات تقليدية للرد التفاوض الدبلوماسي وهو اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية (WTO) وفرض رسوم مضادة هذه الخيارات رغم كونها تقليدية تمثل أدوات متاحة ضمن الإطار الدولي والمحلي للتعامل مع الأزمات التجارية ، وهناك عدة مسارات ففي المسار الأول يهدف التفاوض الدبلوماسي إلى تقليص الرسوم الجمركية من مستوياتها الحالية إلى حوالي 10% أو الحصول على استثناءات لقطاعات حيوية مثل المنسوجات التي تُشكل حوالي 40% من الصادرات المصرية المتأثرة ( ما يعادل 1 مليار دولار من إجمالي 2.5 مليار دولار في عام 2024 ) وفي حال نجاح هذا المسار يمكن تقليص الخسائر السنوية من 700 مليون دولار إلى 295 مليون دولار أي خسارة تقدر بحوالى 405 ملايين دولار سنويًا ، هذا التقليص سيُحافظ على 58% من الإيرادات المتوقع خسارتها مما يُخفف الضغط على القطاعات الرئيسية مثل الغزل والنسيج والزراعة .
إن التفاوض ليس مجانيًا من المحتمل أن تطلب الولايات المتحدة كشرط لتخفيض الرسوم تنازلات تجارية مثل زيادة استيراد القمح الأمريكي بنسبة 10% ، وفي عام 2024 حيث استوردت مصر حوالي 6 ملايين طن من القمح بقيمة 1.8 مليار دولار ( بمتوسط 300 دولار للطن ) كما أن زيادة الاستيراد بنسبة 10% تعني استيراد 600 ألف طن إضافي سنويًا بتكلفة 180 مليون دولار هذه التكلفة ستُضاف إلى الموازنة العامة مما يُقلل صافي المكاسب من التفاوض إلى 225 مليون دولار سنويًا (405 ملايين دولار مكاسب مطروحًا منها 180 مليون دولار تكاليف) كذلك قد تُطلب تنازلات أخرى مثل فتح السوق المصرية للسلع الأمريكية (مثل السيارات أو المنتجات الإلكترونية) بنسبة 5% إضافية مما قد يُكلف 50 مليون دولار سنويًا في شكل تراجع مبيعات للصناعات المحلية .
إن التفاوض الدبلوماسي عملية تتطلب وقتًا تُقدر بين 6 و 12 شهرًا هذه المدة تشمل جولات المفاوضات منها إعداد الدراسات الاقتصادية والتنسيق بين الوزارات ( مثل التجارة والخارجية ) خلال هذه الفترة ستستمر الخسائر بمعدل 58 مليون دولار شهريًا مما يعني أن الخسارة المتراكمة قبل التوصل إلى اتفاق قد تتراوح بين 348 و696 مليون دولار هذا التأخير سيُفاقم الضغط على القطاعات المتأثرة خاصة في المحلة الكبرى حيث قد تُغلق 10% من المصانع الصغيرة ( حوالي 50 مصنعًا ) خلال هذه الفترة وتُقدر احتمالية نجاح التفاوض بنسبة 65% بناءً على العلاقات التجارية التاريخية بين مصر والولايات المتحدة والاتفاقيات السابقة مثل TIFA لعام 1997 لكن النجاح يعتمد على مرونة واشنطن التي قد تكون محدودة في ظل أولوياتها الداخلية مثل حماية الصناعات المحلية أو تقليص العجز التجاري فالمخاطر قد تشمل فشل المفاوضات مما يعني استمرار الخسائر الكاملة تقدر بحوالى 700 مليون دولار مع تحمل تكاليف التنازلات دون عائد كذلك قد تُؤدي التنازلات إلى ضغوط داخلية من القطاعات المتضررة مثل المزارعين المحليين الذين قد يواجهون منافسة أقوى من القمح الأمريكي .
أما في المسار الثاني يهدف هذا المسار إلى الطعن في الرسوم أمام منظمة التجارة العالمية مستندًا إلى اتفاقية TIFA لعام 1997 التي تُلزم الطرفين بتسهيل التجارة والرسوم قد تُعتبر انتهاكًا لمبادئ التجارة الحرة مما يُتيح لمصر المطالبة بإلغائها أو الحصول على تعويضات فالهدف هو استعادة ما لا يقل عن 50% من الخسائر أي حوالي 350 مليون دولار سنويًا مع تعويضات محتملة تصل إلى 200 مليون دولار عن الخسائر المتراكمة .
إن اللجوء إلى الـ WTO يتطلب نفقات قانونية وإدارية كبيرة تشير التقديرات إلى أن تكلفة الاستشارات القانونية الدولية قد تصل إلى 5 ملايين دولار تشمل توظيف خبراء تجارة وإعداد الوثائق القانونية و النفقات الإدارية مثل السفر وتنظيم الجلسات قد تُضيف 10 ملايين دولار أخرى ليصبح إجمالي التكلفة 15 مليون دولار هذه التكاليف ستُخصم من الموازنة العامة مما قد يُقلل الإنفاق على مشاريع أخرى مثل البنية التحتية بنسبة 0.5% أي حوالي 300 مليون جنيه سنويًا ، فعملية التقاضي في الـ WTO تتطلب من 18 إلة 24 شهرًا قد تشمل تقديم الشكوى فى جلسات الاستماع والحكم النهائي خلال هذه الفترة ستستمر الخسائر بمعدل 58 مليون دولار شهريًا مما يعني أن الخسارة المتراكمة قد تتراوح بين 1.044 و 1.392 مليار دولار قبل صدور الحكم هذا التأخير سيُفاقم الأثر على القطاعات المتأثرة حيث قد يرتفع معدل إغلاق المصانع في المحلة إلى 15% حوالى 75 مصنعًا وتزيد الهجرة الريفية من الدلتا إلى 75 ألف نسمة .
وتُقدر فرصة الفوز بنسبة 50% بناءً على سوابق قضايا مماثلة في الـ WTO حيث تعتمد النتيجة على قوة الأدلة القانونية ومدى التزام الولايات المتحدة بالرد في حال الفوز قد تُلغى الرسوم جزئيًا أو كليًا مع تعويضات تتراوح بين 100 و200 مليون دولار لكن المخاطر تشمل خسارة القضية مما يعني تحمل التقاضي (15 مليون دولار) والخسائر المتراكمة تقدر بحوالى 1.392 مليار دولار دون عائد كذلك قد تُؤدي العملية إلى توتر العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة مما يُهدد أى اتفاقيات مستقبلية .
وفي المسار الثالث يهدف هذا المسار إلى استهداف أى سلع أمريكية مثل السيارات تقدر بحوالى 250 مليون دولار والأدوية بـ180 مليون دولار برسوم 20% لتقليص الفارق التجاري لـ 86 مليون دولار سنويًا أى حوالى 20% من 430 مليون دولار والهدف هو ردع الولايات المتحدة أو تعويض جزء من الخسائر عبر إيرادات الرسوم .
إن فكرة الرسوم المضادة ستُولد إيرادات بـ 86 مليون دولار سنويًا لكنها ستُؤدي إلى ارتفاع أسعار المستهلك المحلي بنسبة 5 إلى7% ففي عام 2024 بلغ معدل التضخم حوالى 9.2% وقد يرتفع من 14 إلى 16% مما يُقلل القوة الشرائية بنسبة 10% أي حوالي 15 مليار جنيه سنويًا هذا الارتفاع سيُؤثر على القطاعات المحلية مثل تجارة التجزئة بنسبة 5% أي خسارة 200 مليون جنيه فالتنفيذ فوري لكن التأثير قد يستغرق من 3 إلى6 أشهر للظهور مع مخاطر تصعيد تجاري خلال 12 شهرًا فالنجاح المتوقع بنسبة 70% في تقليص الفارق التجاري لكن المخاطر تشمل حربًا تجارية تُضاعف الخسائر إلى 1 مليار دولار سنويًا إذا ردت الولايات المتحدة برفع الرسوم إلى 30% .
في عالم التجارة الدولية لا تأتي القرارات الاقتصادية بمعزل عن السياسة وبالنظر إلى توقيت فرض الرسوم الجمركية يطرح العديد من المراقبين تساؤلات حول ما إذا كان الهدف الحقيقي هو اقتصادي بحت أم أن هناك أبعادًا أخرى تتعلق بالضغط السياسي على مصر ، ففي ظل التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط قد تسعى الإدارة الأمريكية إلى توجيه رسائل غير مباشرة للقاهرة بشأن مواقفها الإقليمية سواء فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا والصين أو موقفها من القضايا الإقليمية مثل الملف الفلسطيني أو الأزمة السودانية ، كما أن ترامب المعروف بتفضيله للضغط التجاري كأداة تفاوض قد يستخدم هذه الرسوم لفتح المجال أمام إعادة التفاوض على اتفاقيات تجارية أو استثمارات أمريكية داخل مصر بشروط جديدة تصب في مصلحة واشنطن أكثر ، أما الحكومة المصرية فلم تصدر بعد ردًا رسميًا حاسمًا على القرار لكن مصادر مقربة تشير إلى أن هناك اتجاهات رئيسية يجري دراستها لمواجهة الأزمة ، منها الاتصالات الدبلوماسية فمن المتوقع أن تبدأ مصر مفاوضات مع الجانب الأمريكي عبر القنوات الرسمية لمحاولة تخفيف أثر القرار أو الحصول على استثناءات للقطاعات الأكثر تضررًا كما يمكن لمصر اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية WTO للطعن في القرار خاصة إذا كان يتعارض مع الاتفاقيات التجارية الموقعة بين البلدين وقد تلجأ مصر إلى فرض تعريفات جمركية مماثلة على بعض الواردات الأمريكية رغم أن ذلك قد يكون له تأثير محدود نظرًا لضعف حجم الواردات الأمريكية مقارنة بالصادرات المصرية .
وبالرغم من أن القرار يمثل تحديًا للاقتصاد المصري إلا أنه قد يدفع مصر إلى اتخاذ خطوات إصلاحية ضرورية لتعزيز قدرتها على المنافسة عالميًا مثل دعم التصنيع المحلي وتعزيز سلاسل الإنتاج المحلية بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية
والاستثمار في التكنولوجيا بتطوير المنتجات ذات القيمة المضافة مثل الأقمشة الذكية أو المنتجات الزراعية المعالجة والتوسع في الأسواق البديلة وتعزيز العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي وأفريقيا وأسواق آسيا الناشئة .
إن قرار ترامب بفرض الرسوم الجمركية على مصر هو بلا شك تحدٍ اقتصادي لكنه أيضًا فرصة لمراجعة السياسات التجارية وتعزيز مرونة الاقتصاد المصري ما سيحدث خلال الأشهر القادمة سيعتمد على قدرة الحكومة ورجال الأعمال على التكيف بسرعة وابتكار حلول تقلل من الأثر السلبي وتحول الأزمة إلى فرصة لتعزيز الاستقلالية الاقتصادية ويبقى السؤال المطروح هل سيكون هذا القرار بداية مرحلة جديدة من الضغوط الاقتصادية على مصر أم مجرد عثرة مؤقتة يمكن تجاوزها بذكاء استراتيجي ؟ الأيام وحدها ستحدد الإجابة لكن الأكيد أن الاقتصاد المصري أمام اختبار جديد قد يثبت قدراته على الصمود والتكيف أمام تلك الأحداث .