اتسم الاقتصاد المصري بقدرة كبيرة على الحد من الآثار السلبية لتلك المتغيرات، حيث حقق نمواً في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2018 بنسبة 1.7%، وفي الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي للعام ذاته بنسبة 1.3%.
أن اقتصاد الدولة اليوم لا يزال أحد أكثر اقتصادات المنطقة تنوعاً، مع مساهمة القطاعات غير النفطية بأكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، يُعَد برنامج الإصلاحات الهيكلية البرنامج الأول من نوعه الذي يستهدف القطاع الحقيقي بإصلاحات هيكلية جذرية وهادفة. كما يُمثل إحدى الركائز الأساسية لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة لمواجهة التحوّلات الجذرية التي طرأت مؤخرًا، بما يُمكّن مصر من تعظيم الاستفادة من تلك التطوّرات والتحوّلات.
وتتركّز الأهداف الرئيسة للبرنامج في زيادة مرونة الاقتصاد المصري، وزيادة معدلات التشغيل، وخلق فرص العمل اللائقة، فضلًا عن رفع قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات الخارجية والداخلية، وتحويل مسار الاقتصاد المصري إلى اقتصاد إنتاجي يتمتع بمزايا تنافسية، وبالأخص الصناعات الموجّهة للتصدير، وذلك بما يدعم قدرة الاقتصاد على تحقيق النمو المتوازن والمستدام.
أن مصر تتبوأ اليوم المركز السابع عربياً 21 عالمياً في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال وفقاً لتقارير البنك الدولي، وكذلك المركز الأول عربياً و27 في مؤشر التنافسية العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي،
وكذلك الرابع عربياً و36 عالمياً في مؤشر ريادة الأعمال والتنمية العالمي. وساهمت الإصلاحات الاقتصادية في زيادة مرونة وقدرة الاقتصاد المصري على احتواء الآثار السلبية والصدمات الخارجية الناجمة عن الأزمة المترتبة على جائحة كوفيد-19 العالمية، مع تعزيز قدرة الدولة على إيجاد فرص في إطار اقتصاد عالمي جديد تشكّلت ملامحه في إطار تلك الأزمة، وارتبط بتحديّات وفرص غير مسبوقة على المستوي الدولي,
وقد أصبح ذلك مُمكنًا بفضل اعتماد الدولة سياسات مالية ونقدية جيدة التنسيق، وإجرائها إصلاحات مؤسسية وتشريعية مدروسة، فضلًا عن اتخاذ العديد من السياسات الاستباقية لمواجهة تلك الجائحة.
أن القدرة والمرونة العالية التي يتمتع بها الاقتصاد الوطني، هما نتيجة لما حققه اقتصاد الدولة من إنجازات وتطورات عبر السنوات الماضية بفضل دعم وتوجيهات القيادة الرشيدة، حيث تم تعزيز مقومات التنوع والاستدامة والتنافسية العالمية وفق مبادئ الابتكار والمعرفة مدعومة بسياسات حكومية ذات كفاءة عالية سواء في الجوانب الاقتصادية أو المالية أو النقدية أو التجارية، فضلا عن قوة القطاعات الخاصة في الدولة والتطور الذي يشهده قطاع ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدولة، إضافة إلى مستوى الريادة المتميز للشركات الوطنية والأجنبية العاملة في أسواق الدولة وقدرتها العالية على التكيف وتطوير آليات ونماذج الأعمال، والمكانة المرموقة للدولة كمركز إقليمي وعالمي للتجارة والأعمال والاستثمار والسياحة.
إن ما أظهره الاقتصاد المصري من متانة وصلابة في وجه تداعيات هذه الجائحة العالمية، عدا أنه يؤكد أهمية ما تم إنجازه طوال الأعوام الأربعة الماضية من إصلاحات هيكلية، فإنه يؤكد أيضا أهمية الاستمرار في إنجاز بقية مستهدفات تلك الإصلاحات وبرامج التطوير، وأن يخضع أيضا جميع البرامج التنفيذية والسياسات الاقتصادية لمزيد من المراجعة والتطوير، بالصورة التي تؤهلها لتحقيق مزيد من التقدم والعوائد المجدية للاقتصاد والمجتمع على حد سواء،
ذلك أن ما أحدثته الجائحة العالمية الراهنة من تداعيات وتغييرات جذرية على مستوى الاقتصاد العالمي وجميع أسواقه ولا تزال حتى تاريخه، يقتضي بدوره مزيدا من العمل وبذل كثير من الجهود التي لا تقف عند حد ثابت، تستهدف في مجملها إضافة التغييرات اللازمة إليها في مواجهة الأوضاع المستجدة للاقتصاد العالمي عموما، والاقتصاد الوطني خصوصا.
وأن يتم العمل على زيادة كفاءة تلك البرامج والسياسات بالصورة التي تؤهل الاقتصاد الوطني نحو التعافي السريع في الأجلين القصير والمتوسط، ومن ثم النمو بوتيرة أسرع لاحقا في الأجل الطويل، وهذا بكل تأكيد سيتطلب نهجا جديدا من آلية رسم ووضع تلك البرامج والسياسات،
لعل من أهم سماته أن يتركز جهد التفكير وتصميم تلك الاستراتيجيات والبرامج في مركز أعلى للتفكير والابتكار الشامل والمتكامل لجميع متغيرات الاقتصاد والمجتمع، وتنحصر مهام التنفيذ وترجمة تلك الاستراتيجيات على أرض الواقع لدى الأجهزة الحكومية التنفيذية، وهو أحد أهم التطورات التي سيحدث العمل بها نقلة نوعية كبيرة جدا،
ستصب عوائدها الكبيرة في مصلحة الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، وعدا أنها ستسهم في المحافظة على ما تم تحقيقه من منجزات، بحمد الله حتى تاريخه، فإنها ستسهم أيضا في تحقق مزيد – بمشيئة الله وتوفيقه – بفارق أكبر وأوسع على طريق الارتقاء والتنمية المستدامة والشاملة،
إن مهمة تطوير القدرة التنافسية للاقتصاد المصري من أبرز التحديات التي تواجه مملكة البحرين خاصة في ظل ازدياد حدة المنافسة على الصعيد العالمي والإقليمي، وارتفاع معدلات المشاركة للقوى العاملة الوطنية على الصعيد المحلي، ولزيادة قدرته التنافسية لا بد من الدعم المستمر للقطاع الخاص بتوفير بيئة مناسبة من السياسات المحفزة لنموه وتعزيز قدرته على تحمل أعباء هذه المسئولية الكبيرة،
وخاصة فيما يتعلق بإيجاد الوظائف وفرص العمل ذات القيمة المضافة العالية، وإزالة العوائق البيروقراطية التي تعيق نشوء ونمو قطاع الأعمال بصورة سليمة، وتعزيز الشراكة الاجتماعية بين الدولة والقطاع الخاص في صياغة ومتابعة تنفيذ السياسات الاقتصادية ومن ضمنها سياسات سوق العمل، كما يتطلب ذلك تقديم الدعم المناسب لتمكين مؤسسات وشركات القطاع الخاص من الحصول على عمالة وطنية عالية المهارة والكفاءة، تساهم في تقليص الحاجة إلى العمالة الوافدة، وذلك من خلال برامج التدريب والتأهيل للموارد البشرية الوطنية.
إن نظرية التنمية المتوازنة تتحقق في ظل بنيان اقتصادي متماسك متين يكون بمثابة محصلة لما تم اتخاذه من قرارات استثمارية وما تم تنفيذه من مشروعات تنموية عبر مراحل متلاحقة في أوقات سابقة.
لذا يتعين وفقًا لأسلوب التنمية المتوازنة البدء بإنشاء صناعات استهلاكية وإنتاجية تضع المملكة على خارطة الدول الصناعية في مختلف الصناعات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة تحفز على الاستفادة من التقنيات الحديثة وتقليل التكلفة لمنافسة المنتجات الاستهلاكية المستوردة،
وأن مصر قادرة على حماية الصناعة الوطنية وتوطينها وتحريرها من المعوقات من خلال وضع الضوابط لسياسة الإغراق والجودة والأسعار.
ويمكن استشراف بعض العوائق والصعوبات التي تواجه تحقيق أهداف التنمية في بعض المناطق أن هناك عرضًا وافرًا من الموارد وأن القيد الرئيسي لاستخدامها إنما يتمثل في الأسواق وعدم توفرها، كما أن بعض المشروعات قد تنشأ بحجم صغير ربما يقل عن الحجم الأمثل للوحدة الإنتاجية الأمر الذي قد تنخفض معه الكفاءة الإنتاجية لهذه المشروعات نظرًا لضياع الوفورات التي يحققها الحجم الأمثل للمشروع.
يتمثل أهدافه الفرعية، الحد من الفقر بجميع أشكاله والقضاء على الجوع، توفير منظومة متكاملة للحماية الاجتماعية، تعزيز الإتاحة وتحسين جودة وتنافسية التعليم، تعزيز الإتاحة وضمان جودة الخدمات الصحية المقدمة، تعزيز الإتاحة وتحسين جودة الخدمات الأساسية، إثراء الحياة الثقافية، تطوير البنية التحتية الرقمية.
يتمثل أهدافه الفرعية في، تحقيق المساواة في الحقوق والفرص، تحقيق العدالة المكانية وسد الفجوات التنموية الجغرافية، تمكين المرأة والشباب والفئات الأكثر احتياجًا وضمان حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، دعم المشاركة المجتمعية في التنمية لكافة الفئات، تعزيز روح الولاء والانتماء للهوية المصرية وتنوعها الثقافي، تعزيز الشمول الرقمي.
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان