أصداء واسعة اثارتها نسخة المصحف التى اهداها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر للرئيس عبد الفتاح السيسي خلال احتفالية المولد النبوي الشريف بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية.
النسخة الفريدة من مصحف الأزهر استغرق العمل فيها قرابة العشرين عامًا واستخدمت فيه الزخارف الهندسية المستوحاة من المخطوطات القرآنية النفيسة وطباعته باستخدام أجود أنواع الورق المصنوع من القطن الصافي والخالي من الأحماض للمحافظة على رونق الذهب والألوان، وتحضير غلاف المصحف من جلد البقر الطبيعي الصافي المدبوغ نباتيًّا.
الاهم في الموضوع والذي لفت كل الانتباهات انه تم استخدام نوع من الخط اسمه خط الملك فؤاد وهو الخط الذي استقر عليه الراي ان يكون خط طباعة المصحف الشريف وهو ما يعكس اهتماما كبيرا ومبكرا بوجود نوع متميز ومتفرد بخط مصري خالص لطباعة المصحف.اذن كانت هناك رؤية واضحة وجهود بذلت للعناية بطباعة المصحف واظهاره في صورة اجمل وابهى وانقى من حيث الشكل والافادة من جماليات الخط العربي وفنون الزخرفة البديعة بما يحفظ للمصحف مكانته وهيبته ووقاره في دنيا الطباعة ..لكن على ما يبدو فان تلك المحاولات توقفت او تجمدت ولم يتبق الا المحاولات الفردية لكبار الخطاطين في العالم الاسلامي العاشقين للحرف العربي ولغة القران ومن ارادوا ان يزينوا مسيرتهم الفنية والعلمية بشرف كتابة ايات الله وكلامه المجيد.
السرديات والمرويات التاريخية في قضية الاهتمام والعناية بالمصحف وكتابته بخطوط انيقة وزخارف راقية اكثر من ان تحصى وكان التنافس على اشده..كل خليفة او حاكم كان يخصص نسخا وقفية لمصحف كتب خصيصا له او في عهده وكان ينفق عليه ويتعهده بالحفظ والمراجعة من قبل ضمانا لعدم وجود اية هفوات وليس مجرد اخطاء بسيطة وكان الخلفاء يعينون حراسا ومشرفين على تلك النسخ سواء حفظت في المساجد او في مقر الولاية عند استخدامها في اللقاءات الجماهيرية في المساجد وفي المناسبات الدينية المتعددة..
لا اعرف على وجه الدقة لماذا لم يتطور نظام الوقف الخاص على المصحف وله وخاصة في طباعته ونشره وتوزيعه ولماذا تأخرنا في مصر بلد الازهر عن انشاء دار خاصة للمصحف او انشاء مؤسسة خصيصا لشئون القران طباعة وتسجيلا وتوزيعا وتكون هي المصدر الرئيسي لكل شيء يتعلق بالمصحف بمعنى ادق تكون كل الخطوات تحت السيطرة والهيمنة والاشراف للازهر بدلا من ان يقتصر الدور على اصدار تصاريح الطباعة والمراجعة لبعض النسخ ثم تقوم شركات الطباعة والنشر والتوزيع بممارسة مهامها التجارية الاخرى وتحدث الاخطاء الفادحة والمزعجة والتى لا يردعها الغاء تصاريح او وقف طباعة او سحب النسخ من الاسواق.
تأخرنا كثيرا في مصر الازهر عن انشاء دار للمصحف تتولى جميع شئونه وما يتصل بذلك من حركات وتحركات في العالم الاسلامي وفي العالم كله حتى فاجأنا التطور المذهل في التكنولوجيا وعالم الاتصالات بتحديات جديدة وفرض طلبا غير مسبوق على المصحف ليس فقط المطبوع بل المسموع والمرئي ايضا.. ليس بقراءة واحدة بل بالعديد من القراءات العشر المتواترة وهي مشهورة ومعتمدة في العديد من الدول واصبح لزاما تزويدها بحاجتها على هذا الصعيد ولم يعد الامر قاصرا على طباعة مصحف بقراءة واحدة حتى ولو كانت الاشهر في مصر مثل حفص او ورش خاصة مع الانتشار الكبير للاسلام وارتفاع اعداد المهتدبن الجدد بصورة كبيرة سواء في افريقيا او الدول الغربية والامريكتين واسيا واستراليا. يكفي ان نعرف على سبيل المثال يقرأ أهل إفريقيا القرآن الكريم بأربع روايات (رواية حفص عن عاصم ورواية الدوري عن أبي عمرو البصري ورواية ورش عن نافع ورواية قالون عن نافع) ولكنهم عاجزون عن توفير المصاحف للملايين من قراء كتاب الله..
من ناحية اخرى هناك التحدي الالكتروني وهو الاخطر نظرا لسرعة الانتشار وقوة التاثير وحرية التبادل والنقل والنسخ ووجود مئات بل الاف المنصات التى تجد في القران الكريم وسيلة لكسب الجماهير وزيادة نسب المشاهدة وعدد مرات التحميل وهي عمليات مؤثرة تجاريا وتدر ارباحا خيالية ..الامر الذي يزيد من صعوبة الامر خاصة عندما تدخل الجماعات اياها والقوى المعادية للاسلام والمسلمين على الخط وتتدخل مرات بشكل علنى صريح ومرات اخرى من وراء حجاب لتبث السموم وتمارس مهمها في العبث والتشويه والتحريف او التبديل حتى ولو في نقطة او حرف او كلمة وهوحلم طالما راود العديد من الجهات على هذا الصعيد الصعب وقد اعيتهم الحيل في ان ينالوا من كتاب الله ولو في حرف من اية ولم تتوقف محاولاتهم المريبة رغم علمهم ويقينهم ان القران محفوظ من قبل المولى سبحانه وتعالى.
ولايخفى على احد ما يمكن ان يحدث على صعيد عمليات النسخ وما تسببه اعادة التحميل للنسخ القرانية احيانا من اتلاف للنسخ او لضياع اجزاء منها وقد لا ينتبه اليها الكثيرون ممن لا يجيدون حفظ القران الكريم ..
كما لايخفى ما تم اكتشافه من محاولات للتزوير واللعب في تسجيلات باصوات كبار القراء والمشاهير وتنتشر بصورة رهيبة على المواقع المختلفة وتتم بصور شديدة الخبث والمكر لا يلحظها الا خبير.
ومعروف انه يتم الكشف بشكل دائم عن عمليات تلاعب في النسخ المطبوعة في المصحف خلافا للاخطاء المطبعية التى يمكن ايعازها لذلك او لعملية لخبطة في ترتيب صفحات غير مقصودة فان هناك حالات متعمدة مثل تحريف كلمات بعينها او كتابتها بمعناها او اضافة كلمة او حرف جر او اداة تعريف فينقلب المعنى تماما.وهناك توزيع مصاحف ناقصة سورة كاملة كما حدث في الكويت وكانت الواقعة محل تحقيق من وزارة الاوقاف والشئون الاسلامية بعد شكاوى عديدة من وجود نسخ من المصحف ليس بها سورة النساء..
دار مصحف مصر او مصحف مصر الازهر لن يتوقف دورها على طباعة المصحف وتلبية احتياجات الاقليات الاسلامية بل تلبية حاجات الدول العربية والاسلامية التى اضطرت الى طباعة المصحف بكميات كبيرة في الخارج بعد ان اعياها البحث عن مطابع حديثة تلبي حاجتها من المصاحف او في طباعة مصحف خاص بها باسمها مثلما حدث مع قطر وطبعت ما يزيد على 750 الف نسخة من مختلف الاحجام والمقاطع دفعة واحدة.
دار المصحف سيسمح لمصر بان تكون مصدرا للمصحف ومصدرة له ونسختها ستكون مما يشار لها بالبنان فانا احمل مصحفا من بلد الازهر وذلك بدلا من ان نوزع على ضيوفنا من العرب والاجانب طبعات مصاحف من انتاج الاخرين سواء في المناسبات الدينية او غيرها.. دار مصحف مصر الازهر فكرة جبارة وعمل عملاق تاخر تنفيذه كثيرا واصبح الان ضرورة ملحة وحاجة عصر ورغبة مؤمنين مخلصين.
والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com