عملية تطورنا فى العالم العربى الاسلامى – هو ما يمكن أن نسميه (بالامكان البشرى الذاتى ) . والامكان البشرى سواء على مستوى البناء الذاتى للفرد ، او القوة الاجتماعية – هو اقوى اساس نعتمد عليه فى عملية الاقلاع بسفينتنا الواقفة على شاطىء نهر الحضارة . ونحن فى غنى عن ان نستعين بالامثلة الحية على مدى الاعتماد على الانسان ( الحر المفكر ، المؤمن بحضارته وقيمه ، المتطلع الى غاية عليا عالمية ) . والقياس الموضوعى لاى نمو حضارى سواء فى عصرنا الحديث او قبله سوف يكشف ان الامكان الذاتى الانسانى هو اضخم واكبر اساس ، يتمتع برصيد ضخم ، من بين الاسس التى يعتمد عليها التطور . والأساس الثانى لعملية التطور هو الاعتماد على فلسفة وجودية بقائية ممتدة ، فلم تحدث فى التاريخ نهضة تطورية ، دون أن تكون هناك نهضة آفاقية طموحة فى الأرض والزمان . والاساس الثالث من اسس التطور هو الاساس الاخلاقى . واذا كانت الأمم كلها تقريبا قد وضعت لها قانونا يضبط حياتها فليس هذا القانون – أيا كان امره – الا التعبير الانسانى عن أهمية الاساس الاخلاقى للتطور . والاخلاق هى التعبير الاشمل والاقوى عن القانون .. لانها قانون داخلى وخارجى معا ، ويتدرج فى الاخلاق ما يعرف بالنظام والترابط والعمل الكامل والالتزام الادبى والخلقى والمسئولية الاجتماعية . وغير ذلك . ان التماسك بواسطة الاخلاق لمجتمع يحاول أن يصنع التطور – أمر ضرورى لتحقيق قدرته على صنع التطور وابداعه . ويبدو مؤشر الخلل فى تماسك المجتمع وفى بداية تحلله ، اذا هو احتاج الى ضوابط صناعية كثيفة من أجل استمرارية تماسكه وبقائه ، ولتكن هذه الضوابط الصناعية بوليسا أو عقوبات شديدة أو غير ذلك . أما المجتمع القادر على صنع التطور فهو المجتمع الذى فيه العقوبات والبوليس الدرجة الثانية ، بينما تحتل الأخلاق المتفائلة الطموحة الدرجة الاولى .. ولعلنا نستطيع فى ضوء حديثنا عن هذا الاساس الأخلاقى ادراك معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( انما بعثت لأتمم مكارم الأخــــــــــــلاق) . ويرتبط بالاساس السابق آخر من اسس التطور وهو ما يمكن ان نسميه بتوفر الحرية المسئولة . ولم يوجد بعد فى التاريخ أمة فقد أفرادها الشعور بالمسئوليــــــة واستطاعت أن تصنع حضارة وتحدث تطورا حقيقيا . وقد تتجسد هذه المسئولية فى عامل نفسى أو فى تربية روحية أو فى اقتناع بمستقبل أفضل ، المهم أن المسئولية التى تنطلق انطلاقا داخليا حرا بقناعة ذاتية هى من أبرز أسس التطور ، ومن الصعب ، بل من المستحيل ، الزعم بأن تطورا حقيقيا يمكن أن يحدث مع فقدان هذه المسئولية الحرة الفردية ، أو مع اللجوء الى مسئولية عمومية اجتماعية تقتل الحافز الفردى والمسئولية الشخصية ، ويستطيع المرء أن ينظر الى المعدل التطورى بين أمتين أرادتا التطور فى حقبة زمنية محددة ، وأستعانت اولاهما بالحافز الفردى والمسئولية الشخصية ، وتجاهلت ثانيتهما هذا الاساس . والاستدلال بالنموذج الذى قدمته الحضارة الاسلامية ، وكيف تحققت فى هذا الانسان . ابرز اسس الخلق والابداع والتطور الحقيقى … فهو انسان (حر) فى داخله .. رضى عقيدة وهب لها عمره دون ضواغط خارجية . وهو انسان مسئول .. مسئولية نابعة من ( داخله ) بتأثير ايمان قوى بواجبه نحو الانسان ونحو الكون . وهو انسان طموح ذو رسالة عالمية ممتدة فى الزمان والمكان .. يعمل باخلاص حقيقى على نشرها . وهو انسان أخلاقى يهدف الى تطوير الجانب الانسانى فى الحياة ، وتسخير الجانب المادى لخدمته ، واضفاء معنى كريم فسيح على الحياة البشرية المحدودة .
Fawzyfahmymohamed@yahoo.com