في حديث المفكر الفيلسوف محمد فريد وجدي مؤلف الكتاب”السيرة النبوية تحت ضوء العلم والفلسفة” يتحدث عن النبوة والوحي فيتساءل هل في الوجود الحيوي ما يدل على حدوث معرفة لبعض الكائنات من غير طريق الحواس ومستقلة عن المحاولات العقلية أي أن الله يوحي إليها هذه المعرفة فلا تتعلمها من غيرها ؟
وهل توجد حوادث إنسانية يقرها العلم نفسه تثبت وجود اتصال باطني بين النفس وبين عالم ارقي منها؟ وهل يمكن أن يعترف العلم بوجود عالم روحاني فوق عالم المادة يسوغ اعتبار النبوة والوحي أمرا ممكنا؟
يقول المؤلف أن العلم أثبت أن كثيرا من الحشرات الصغيرة تولد قبل أن ترى امها فمن علمها كيف تعيش ومن علم امها كيف تحافظ على نوعها فتوفر لصغارها الذين لن تراهم أسباب الحياة .وضرب المؤلف أمثلة كثيرة على ذلك مثل الفراشة التي تضع بيضها على ورق الشجر حتى إذا فقس البيض وجدت الديدان الخارجة من البيض ورق الشجرة لتأكله وتعيش عليه في حين أن الحشرات التي تتغذى صغارها على الكائنات الحية تقوم امهاتها بوضع بيضها على كائنات حية حتى تتغذى عليه مثل حشرة البومبيل آكلة الحشائش لكن صغارها تولد آكلة الحيونات إلى حين فتضع بيضها على أجساد كائنات حية .
من إذن أوحى لهذه الكائنات سلوكها هذا وهي لم تر امهاتها تفعل فتقلدها. بل تموت امهاتها قبل أن تولد ؟ وإذا كان الوحي ممكن للحشرات شديدة البساطة فإنه يكون أمكن للإنسان الذي هو أعلى مراتب التطور في الكائنات كما يقول العلم.
وفي حديثه عن إيمان الأوس والخزرج بالنبي وهما قبيلتان متناحرتان المنطقي أنه إن آمنت به إحداهما ناصبته الأخرى العداء ويستعرض تفسيرات المؤرخين المسلمين والتي تدور حول أنهما أرادا أن يسبقا اليهود إليه لأن اليهود كانوا يذكرونه لهم وأنهم اي اليهود سيقتلونهم به كما قالت قبيلة عاد وإرم؛ كما يستعرض اراء المؤرخين الأجانب التي تدور حول محاولة القبيلتين التخلص من الصراع الذي طال بينهما بالدخول في سلام من خلال الإيمان بالدين الجديد .
فيرفض المؤلف فكرة أن الأوس والخزرج أرادا أن يسبقا إلى الإسلام لأن اليهود حدثوهم عنه كسبب لأن تناصر قبيلتان متقاتلتان رجلا لا علاقة لهم به كما أن القضية ليست في النصرة فقط وإنها تحولهم الى اخوة متحابين .بالحسابات النفسية هذه أمور مستحيلة فلو تصورنا عملية الإيمان به للفوز على اليهود مثلا لا يمكن تصور التحول السريع الى التآمر ونسيان العداوات والدماء التي سالت بينهما.
أما ما قاله الأجانب من الدخول في سلام فيرد عليه بتشغيله: هل يصح أن تقبل القبيلتان على الإيمان برجل وهما يعرفان أنهما سيواجهون بهذا التصرف عداء القبائل العربية كلها وعلى رأسها قريش الباحثون عن السلام لا يستبدلون بالعداء الضيق فيما بينهم عداء كبيرا لا طاقة لهم به عددا وعدة .
ينتهي المفكر الكبير إلى أن هذا التحول الكبير فجأة لا يكون إلا معجزة من الله تدل على أن الداعي لهذا الدين مؤيد من قبل السماء فيقول “ما هذا الاقدام المحير للعقل من جماعة من الناس “يقصد الأوس والخزرج”لو توجهت إليها حفيظة أمة برمتها لخروجها عليها لارتعدت فرائض أشجع أبطالها؟بل ما هذه التضحية التي لا يقبلها إلا من وصل الإيمان إلى أعماق قلبه حتى فنيت فيه شخصيته وأين هو من الأوس والخزرج ولم يلتقوا بالنبي صلوات الله وسلامه عليه إلا لحظات مختلسة في الليل ؟ ولو أن لمحمد صلى الله عليه وسلم مال أو مدد من الرجال أو اتصال بأمة عظيمة ونصرة إذا اقتضت الحال لقلنا إن الأوس والخزرج إنما مالوا إلى حيث يرجون العز والسيادة ولكنهم أمام رجل ليس له ناصر من قومه وليس يتوقع له فوز يطمع أحد في خيره فما الذي جمعهم على التطوع لنصرته والتضحية بنفوسهم في سبيل دعوته ؟ اللهم إني عجزت عن تعليل هذا الأمر الجلل بالعلل الطبيعية ولا أراه إلا أية إلهية وكم في الأرض والسموات من آيات يتخيلها الجاهل أمورا عادية